يوسف يونس 5 معجزات وعلامتان فارقتان: حطم الحواجز وفرض نفسه جبران الثاني - فؤاد دعبول
يوسف يونس 5 معجزات وعلامتان فارقتان: حطم الحواجز وفرض نفسه جبران الثاني - فؤاد دعبول
يسرنا اليوم ان نلتقي مع رحب هذا الصرح الألمعي الكبير، لتكريم معجزة لبنان الخالد يوسف يونس. في مئويته السنوية، فالرجل الذي ولد في العام 1902، تخلد ذكراه كلية الانسانيات، لأن الانسان خالد ذكرى وقلما في صاحب التكريم.
ساتحدث عن خمس معجزات جسدها يوسف يونس في حياته هي:
المعجزة الاولى: شاب أمي يصبح أديبا
فالرجل الذي ولد في حميص بجوار مزيارة، شاهدته امراة عينها فارغة، ما عندها اولاد، "قصفته" ب "صيبة عين" حارقة، اطفأت النور في عينه اليسرى فخاف ذووه على عينه اليمنى، ان يتعبها بالقراءة، ولذلك فقد حرموه من المدرسة، أو بقي حتى الثانية عشرة من عمره كما اتى على ذلك ابنه يونس الابن في مداخلته ولدا أميا ، مع ان بيت يونس مرجع من مراجع العلم والادب والرأي.
وكان حظه في قدوم نسيبه البادري جورج يونس من معهد عينطورة الى مزيارة يفتح مدرسة صغيرة، على صورة معهد عينطورة، وينفتح يوسف يونس على العالم . ويرشف اللغة، ولا يروي ظمأه. ولم يمض طويل وقت حتى أصبح مرجعا وحجة في العربية. وكانت هذه المعجزة الأولى.
المعجزة الثانية: جبران الثاني
ويعم حميص نسيب آخر آت من فرنسا، انه ادمون قشوع الرسام المبدع، في الرسم، وتزاوج الألوان. فيشرع في رسم كنائس حميص ومزيارة، وطرق مزيارة، واذا بثلاثية اللؤلؤة المزيارية، تزدهي قباب كنائسها بالرسوم على غرار كنائس روما وجدرانيات الفاتيكان، وكأنه ينقل عليها أجمل زيتيات ميكال أنجلو وسواه. ويدهم مزيارة الجيش الفرنسي باحثا عن ادمون قشوع لأخذه الى الخدمة الاجبارية، فينسخ عن "حميص" (بلدة يوسف يونس)، ويكلف يوسف يونس اكمال ما بدأه قشوع فيحظى بتوقيعه على الصور الى جانب اسم الرسام المحترف القادم من فرنسا. وكان هذا الانجاز فرصته للتعرف الى فتاة أحبها واحبته، فشجعته على المضي في الرسم، وقالت له: كن جبران الثاني.
المعجزة الثالثة: يوسف يونس الصحافي
ويكتشفه ابن مزيارة يوسف اسكندر نصر، وهو ثري وصاحب مصرف وثروة بيت مزيارة ونيجيريا، فيفتح له صفحات جريدة "الرقيب"، ويصبح القلم المضمور قلما مشهورا الى أن أغراه المحبون بالسفر الى لاغوس فيكتب كتابه الشهير "أرواح وأشباح".
ويعود يوسف يونس الى لبنان، ويعود الى الصحافة في الرقيب و الأفكار، ويونس مع الشعراء والادباء المهندس حسيب غالب. يوسف النعيمي، ومخايل فرح، وفيكتور خوري،. وعبد الهادي شلق، ويوسف السقلاوي، واكرم الصوقي، وعبد الله شحادة، وانطوان القوال ويوسف خليل الخوري... وسوزان بعيني، ومارون عيسى الخوري، وانطوان طوبيا، وانطوان السبعلاني. الرابطة الادبية الشمالية، على غرار الرابطة القلمية في نيويورك.
والتقى يوسف يونس بالشاعر أديب صغبيني، وبالصحافي فريد انطون صاحب صدى الشمال، ويصبح بيته في طرابلس ملتقى الادباء والشعراء، كما كانت مكتبته الشبيبة، وكما أصبحت مكتبة ميخائيل فرح مركزا للرابطة، وملتقى لادبائها.
المعجزة الرابعة: الامي اكبر قصاص ومشروع فيلسوف
تشاء الصدف أن تقيم جمعية أهل القلم، في العام 1953 مباراة لأفضل عمل قصصي، ويبادر يوسف يونس الى الاشتراك فيها، بقصة كتبها حديثا اسمها "مسبحة الراهب".
وبعد مدة أعلنت الجمعية أن الفائز بالجائزة ثلاثة لا واحد. وقال الشاعر الكبير صلاح لبكي ان جائزة القصة اللبنانية ذهبت الى ثلاثة بالتساوي وهم: مارون عبود وسهيل أدريس صاحب مجلة الاداب ويوسف يونس.
وقيل يومئذ ان الجائزة سيست فأعطيت لثلاثة:
وعقب المحاضر على ذلك بقوله ان يوسف يونس كسر حاجز الشهرة والتفوق المضروب على أدباء الشمال، وحطم، أيضا ، القيود والحدود، فالأديب الشمالي، تجاوز علامة الزيادة عند أدباء بيروت، ويوسف يونس لم يحصل على الجائزة لتقسم، بل لأدباء الشمال ورموزهم الكبار. وليس خافيا على أحد أن الشاعر حسيب غالب يصارح الشعراء الكبار لغة وشعرا وبيانا وسحرا ، ويجلس الى يمين المتنبي، وان الشاعر فيكتور خوري يجلس يساره.
المعجزة الخامسة: مصلح اجتماعي
وفي كل أعماله، قال المحاضر، ان يوسف يونس دأب على كتابة قصص ومقالات نقدية يصبح تسميته ب "الاصلاح الاجتماعي" وأورد أن يوسف يونس في "مسبحة الراهب" حاول أن يخلق أبطالا على غرار المصطفى في "النبي" عند جبران خليل جبران، وأبطال "مرداد" عند ميخائيل نعيمة. وهو في كتاباته كان ثورة على الظلم والظالمين، وداعية الى الاصلاح السياسي ولاجتماعي.
... وتلقف شعار "وطني دائما على حق" وجعله هدفا وغاية، لكنه ارتد يائسا عندما اجتمع الفاسدون والمفسدون يرفعون شعارا باطلا يزعمون نية أن الحق دائما على الوطن.
واستشهد المحاضر في مداخلته بقول فيكتور خوري. ان من يقرأ "أرواح وأشباح" يعلم قوة التفكير وبدائع الابتكار فيه، في نواحي السياسة والاجتماع والفلسفة. وهذه شغلته عن التصوير، وكان لا يترك قلمه برهة من الوقت لريشته الساحرة.
واستشهد، أيضا ، بقول الشاعر أنطوان القوال أن يوسف يونس اقتفى آثار "النبي" عند جبران و"مرداد" ميخائيل نعيمة.
وكتابه "أرواح وأشباح" فيه من ثورة و "العواصف" ورقة ودمعة وابتسامة.
عيوب يوسف يونس
هل كانت عنده "عيوب". لا أحد خال من العنات، لكنه ينطبق عليه القول المأثور، "يكفي المرء أن تعد عيوبه".
وعيوبه أنه كان مثاليا في عالم لا مثاليات فيه، ولذلك فان قارئه يكتشف لغة متقاربة عند أبطاله، المسنين منهم، والفاضل بالخلق، وحميد الصفات.
ومما يؤخذ على يوسف يونس الكاتب والقصاص والرسام، أنه بحكم نشأته الفيزيولوجية، لم يتح له الاطلاع على ثقافات العرب، بعدم اجازته اللغات الاجنبية. واجادتها قراءة وكتابة. وهذا، العيب هو مجد من أمجاد، وقد كان رائعا في الكتابة، ومجيدا للغة العربية صدفا وغوا وبلاغة، وغيرت كتابته برشاقة الأسلوب، ورهافة الحكمة. وبسحر البديع والبيان.
أما اليوم في عصر الثورة المعلوماتية، وخزانة الانترنيت العجيبة، فاننا نتذكر يوسف يونس ونكبر عصره الذهبي، لان اللغة أم مرحلة انحطاط، ولان الكتابة أم أدنى درجات التخلف، وخلص فؤاد دعبول الى القول:
اننا اليوم نقرأ كتبا مترجمة ومقلات، ولا نفهم شيئا . هل نحن مقصرون عن ادراك العقول الجديدة، أم أنها عاجزة عن افهامنا محتواها والمعاني والافكار.
في عصر يوسف يونس كانت الكتابة محصنة بالتعابير الخلاقة والافكار السلسة والثقافات. كانت تدخل الى القلوب والرؤوس معا ، أما الكتابات اليوم فانها لا تدخل لا الى القلوب، ولا الى النفوس. لأنها محنة الكتابة في عصر الثورة المعلوماتية الحديثة!