عن اسماعيل ياسين الذي أضحك الناس لسنين تخلى عنه الجميع
عن اسماعيل ياسين الذي أضحك الناس لسنين تخلى عنه الجميعه وأنصفته "التلفزة" بعد رحيله! السفير 30.12.2002
القاهرة – محمد دياب:
يعد الفنان الراحل اسماعيل ياسين الكوميدي الاول في قرن عشرين السينما العربية بلا منازع ، وذلك على الرغم من وجود أسماء كبيرة منافسة مثل نجيب الريحاني وعادل امام. غير أن تجربة الاول تبقى محدودة ومحصورة بعدد الافلام القليلة التي تركها لنا، وليس بمسرحه الذي لم تحفظه الصورة، وأفلامه التي لا تزيد عن تسعة افلام (خلدت لنا السينما طيفه فيها) تبدو وضئيلة جدا ً أمام العدد الهائل من الأفلام التي لياسين. فيما ارتبط صعود نجم عادل أمام بصعود طبقة الحرفيين في عصر الانفتاح في السبعينات ومطلع الثمانينات. وقد بدأت ظاهرته في الأفول بعد تراجع تلك الطبقة. وقد ترك لنا ياسين أكثر من 300 فيلم قدمها في زمن قياسي هو 33 سنهة وهو أكبر عدد من الأفلام قدمها ممثل في تاريخ السينما العربية. ويكون بذلك الممثل العربي الأكثر وقوفا ً امام كاميرات السينما حتى اليوم.
وعلى الرغم من مرور نحو 30 عاما ً على رحيله، ان اسماعيل ياسين لا يكف عنت كسب جمهور جديد من الأجيال التي ظهرت بعد رحيله. وهنا تكمن أهمية السينما. وحتى بعد ظهور أجيال عدة من "الكوميدينات" من بعده ورغم اختلاف اسلوب الأضحاك ومفهومه من جيل لآخر ظل اسماعيل ياسين أهم ظاهرة كوميدية عرفتها السينما في الوطن العربي. وان كل فضل اكتشاف الاجيال الجديدة له يعود الى السينما الا ان الفضل في تكريس ظاهرته على مر السنين يعود بالطبع الى التلفزيون بقنواته المحلية والفضائية التي لا تكف عن بث افلامه يوما ً بعد آخر، مما أتاح للناس اعادة اكتشاف العشرات منها.
ولد اسماعيل ياسين في 15.9.1912 في مدينة السويس، حيث عاش طفولة بائسة . فقد ترك المدرسة وهو في العاشرة بعد وفاة أمه. واظطر للعمل مناديا ً امام أحد محلات الأقمشة. راوده حلم ان يصبح مطربا ً شهيرا كمحمد عبد الوهاب. وفعلا عمل لفترة مطربا في أعراس الأصدقاء والمعارف. لكنه ما لبث ان ترك السويس الى القاهرة مفلسا ً، سعيا ً وراء حلمه بالغناء، لكنه لم يستطع اقناع اصحاب شركات الاسطوانات او الاذاعة بصوته فرضي بالأمر الواقع وقبل ان يعمل "منولوجست" في صالة الراقصة الشهيرة بديعة مصابني في شارع عماد الين حيث ذاع صيته ونافس نجمي المونولوغ في ذلك الوقت: حسن المليجي وسيد سليمان. الى أن التقطه المخرج فؤاد الجزايرلي وقدمه للسينما في دور صغير في فيلم "خلف الحبايب" عام 1939. وتوالت عشرات الأفلام بعده مثل "علي بابا والأربعين حرامي" و"نور الدين والبحارة الثلاثة" من اخراج توغو مزراحي.
والممتتبع لمسيرة ياسين السينمائية يدرك انها مرت بثلاث مراحل: الاولى عمله كممثل مساعد لسنوات عدة في عشرات الأفلام. ثم توليه ادوار البطولة المطلقة خصوصا ً في حقبة الخمسينيات التي أصبح فيها نجم الكوميديا الاول خصوصا ً بعد رحيل نجيب الريحاني عام 1949 وتوقف على الكسار، وكان فيلم "الآنسة حنفي" هو النقلة الحقيقية له من الادوار المساعدة (السنيد) الى ادوار البطولة بعد النجاح الساحق الذي حققه الفيلم. وركض خلف النجم الجديد جميع المنتجين في تلك الآونة خصوصا ً مع انتشار الأفلام الغنائية والاستعراضية لفريد الأطرش ومحمد فوزي وليلى مراد وصباح وشادية ونور الهدى وتحية كاريوكا وآخرين لم يكن يخلوا فيلما ً لأحدهم من وجوده. حتى انه كان في قمة نجوميته يقبل بالأدوار المساعدة وصور أحيانا ً خمسة عشر فيلما ً في العام الواحد!
أصبح اسم اسماعيل ياسين وحده كافيا ً لاجتذاب الجمهور فظهر سبعة عشر فيلما ً يحمل اسم اسماعيل ياسين في سابقة فريدة في تاريخ السينما العربية، كان أولها "مغامرات اسماعيل ياسين" للمخرج يوسف معلوف عام 1954، تبعتها أفلام "عفريتة اسماعيل ياسين" و"اسماعيل ياسين في... الأسطول" البوليس الحربي، الطيران، الجيش، حديقة الحيوان، بذلك أصبح ياسين ثاني ممثل تحمل عناوين الأفلام اسمه بعد شالوم، الممثل الذي عمل في الثلاثينات مع المخرج توجو مزراحي وقدم فيلمي "شالوم الرياضي" و"شالوم الترجمان" ويبدو أن النجاح الكبير والسهل لأفلامه جعل ياسين لا يفكر كثيرا ً في اختيار موضوعات افلامه أو تطوير طريقة آدائه، فمع حلول منتصف الستينيات بدأ نجمه بالخفوت وعاد الى الادوار الثانوية من جديد وانصرف الجمهور عن فرقته المسرحية التي كان اسسها عام 1954، ولم يعد يطلبه أحد للعمل في السينما بعد ظهور جيل جديد من نجوم الكوميديا مثل فؤاد المهندس تلميذ الريحاني وعبد المنعم مدبولي وعبد المنعم ابراهيم، فسافر الى لبنان عام 1966 حيث عاد الى العمل كمونولوجست في مرابع بيروت وشارك في بطولة عدة افلام "كرم الهوى" لمحمد سلمان و"فرسان الغرام" لألبير نجيب و"عصابة النساء" لفاروق عجرمه، وقدم اعلانا ً تلفزيونيا ً عن احدى مشروبات البيرة كان سببا ً في هجوم الصحافة عليه. فعاد الى القاهرة في مطلع السبعينيات حيث فوجىء بمصلحة الضرائب تطالبه بواحد وثلاثين الف جنيه عن نشاطه الفني، وهو رقم مبالغ فيه، وأمام هذه الظروف القاسية ساءت حالته النفسية واشتد عليه مرض "النقرس" الى ان توفي في الرابع والعشرين من أيار "مايو" عام 1972 بعد أن تخلى عنه الجميع.
ملك الضحك اسماعيل ياسين وحياته المليئة بالدموع - الموعد 15.11.1986
عندما ألف فرقته المسرحية ونافس فرقة الريحاني! أصبحت افلامه كلها تحمل اسمه في عناوينها.. وبينما كان في قمة التألق تخلى عنه الحظ السعيد!
أدى التعارف بين اسماعيل ياسين مؤلف الأغاني أبو السعود الأبياري الى تعاون بدأ بتأليف المنولوجات، وتطور حين بدأ اسماعيل يطلب من أبو السعود أن يؤلف قصص أفلامه وكان اسماعيل شديد الحماس لكل القصص التي يكتبها أبو السعود ويفصلها.
تم حدث تعاون أكبر بين الصديقين ويذكر ان هذا التعارف والتعاون، طرح ذات مساء عندما كان مع ابو السعود في حفلة أقيمت في حديقة "الأندلس" وكان من المفروض ان يقدم فيها بعض المنولوجات امام ضباط ثورة 23 يوليو، تموز، 1952، ويومها كانت نجمة الحفلة ليلى مراد، وقد حضر الحفل يومئذ جميع أعضاء مجلس الثورة، وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب. الذي كان رئيسا ً للجمهورية، وجمال عبد الناصر، وقد أدى اسماعيل مونواوجاته بشكل ناجح جدا ً، بحيث هنأه ابو السعود وقبله . ثم خطرت له الفكرة مباشرة حين قال له:
- أنت في كل هذه الشعبية لا تفكر في أن تقوم بعمل فني.
وسأله اسماعيل ماذا تعني؟
ورد ابو السعود: - أعني أن اسمك كبير، وجمهورك غفير، ومن العيب جدا ً أن لا يكون في مصر كلها سوى مسرح كوميدي وأحد هو، مسرح الريحاني، وأنت لا تقل عن الريحاني شهرة، فلماذا لا تكون فرقة تطلق عليها اسم فرقة اسماعيل ياسين، أو مسرح اسماعيل ياسين، وأنا واثق من نجاح هذه الفرقة، علما ً بأنني على استعداد لكتابة أعمالها المسرحية!
وأعجب اسماعيل بالفكرة تماما ً... وقال لأبو السعود الأبياري:
ولكن يبدو لي ان هذه الفكرة تحتاج أول ما تحتاج الى مسرح، ونحن لا نمتلك المسرح، وهذا شيء يكلف كثيرا ً
وقال أبو السعود - المهم، هل توافق على الفكرة؟
وأجابه طبعا ً بكل قوة ورغبة.
وقال له: اذن، أترك الموضوع علي.
ورد اسماعيل: وأنا تحت أمرك في كل ما أستطيع أن أقوم به.
والواقع أن أبو السعود لم يبدأ البحث عن المسرح، بل بدأ البحث عن المسرحية، بل واستطاع ان يضع في رأسه فكرة أكثر من مسرحية ثم استطاع اسماعيل نفسه أن يجد مسرحا ً بعد ان ظل يبحث عنه فترة، كان هناك سينما "ميامي" وهي سينما صيفية، وتقفل في الشتاء، فاقترح على أصحابها ان يوافقوا على تأجير الصالة في الشتاء لكي تصبح مسرحا ً!
ووافق أصحاب الصالة.. وتكونت مباشرة بعد الموافقة على ذلك شركة فنية بين ابو السعود الأبياري، واسماعيل ياسين، لانشاء فرقة مسرحية، تحمل اسم "فرقة اسماعيل ياسين" رأسمالها عشرة آلاف جنيه، ومباشرة بعد اعداد الشركة بدأ ترتيب الصالة لكي تتحول الى مسرح.
وبدأ ابو السعود ينهي كتابة أول مسرحية، واسماعيل يختار من سيعمل معه في الفرقة لكي يجري معهم عقودا ً مسبقة !
وبدأت الفرقة موسمها الول عام 1954 حيث قدمت سبع مسرحيات بواقع مسرحية كل شهر!
ونجحت عروض الفرقة نجاحا ً يفوق التوقعات، واستطاعت الفرقة خلال شهور من عملها أن تستقطب كل نجوم الريحاني، فتحولوا الى العمل في فرقة اسماعيل ياسين ، بعد أن اغراهم بمرتبات اكبر!
وانضم الى فرقة اسماعيل بجهوده، وجهود أبو السعود الأبياري، وبعد افتتاح فرقته بما لا يزيد عن ثلاثة شهور: حسن فايق الذي كان في ذلك الوقت يتقاضى خمسين جنيها ً مصريا ً في فرقة الريحاني كمرتب شهري وتخصم منها الأيام التي لا يعمل فيها، فاتفق معه أبو السعود بمرتب 250 جنيها ً ، أي دفع له خمسة اضعاف ما كان يأخذه من فرقة الريحاني، وأكد له بأن هذا المبلغ سيأخذه بانتظام طوال الموسم المسرحي للفرقة، وحتى لو لم يكن له عمل في المسرحية، أي لم يكن له دور في الرواية التي تعرض. ولن يخصم منه أيام العطلة والاجازات او أي يوم يقف فيه المسرح عن العمل!
وكذلك فعل ابو السعود الأبياري، واسماعيل ياسين مع استيفان روستي، ثم مع عبد الفتاح القصري، ثم شرفنطح، وغيرهم من نجوم فرقة الريحاني، ومن الذين اوقفوا الفرقة على رجلها، ويومها وقع مدير فرقة مسرح الريحاني بديع خيري في مشاكل كثيرة، واضطر لأن يدعو ابو السعود الأبياري، بوصفه مدير فرقة اسماعيل ياسين، الى اجتماع يقرران فيه ايقاف التسابق نحو التعاقد مع الممثلين بهذا الشكل، فقد بدأ كل الممثلين يطالبون برفع اجورهم. بشكل غير معقول، ووقع اتفاق تعاهد فيه الاثنان، بأن لا يخطف أحدهما الفنانين الذين يعملون عند الآخر، وعدم زيادة اجر فنان عن حد مقرر، لأن هذا سيؤدي الى زيادة أجور الفنانين الآخرين. والمهم بدأ تحديد ضوابط للعمل لمنع المنافسة التي بدت في فترة من الفترات تلتهم اغلب الايرادات!
وفي تلك الفترة عمل كثير من الممثلين الكبار والمشهورين مع فرقة اسماعيل ياسين! وكان من جملة من عمل معه: سميحة ايوب. ولم تستمر طويلا ً.. وكان من أهم من عملوا معه محمود المليجي، الذي ظل رحمه الله يعمل مع اسماعيل ياسين حتى وفاته!
ومن جملة من عملوا في الفرقة الممثلة لولا صدقي. والراقصة تحية كاريوكا. وهي التي أخذت هذا المسرح فيما بعد وحولته الى مكان لفرقتها.
ومن الذين عملوا معه حسن مصطفى، وزوزو نبيل، وسناء جميل، وعايدة كامل، وزينات صدقي، وزوزو شكيب، وعشرات من نجوم السينما والمسرح في ذلك الوقت.
وقد ظلت الفرقة تعمل على مسرح "ميامي" طوال فترة الشتاء بالقاهرة، وحين يأتي الصيف كان اسماعيل يسافر الى الاسكندرية لكي يفتتح مسرح اسماعيل ياسين هناك وكان ابو السعود الأبياري، كما سبق وقلنا. يقدم مسرحية جديدة كل شهر. وقد أدى هذا الجديد الى الاقبال الشديد بجيث كان يتجدد جمهور المسرح شهرا ً بعد شهر، ويكسب جمهورا ً جديدا ً، ودائما ً كانت ايرادات الفرقة جيدة، وتعطي أجور الممثلين، وتترك هامش ربح جيد لاسماعيل، وأبو السعود، او لشركتهما الفنية!
وواكب نجاح اسماعيل المسرحي نجاحة السينمائي، والعكس صحيح، بمعنى ان كلا منهما أفاد الآخر، فحين احبه الناس في السينما أحبوا أن يشاهدوه شخصيا ً على المسرح أدى ذلك الى زيادة الاقبال على أفلامه، ثم ضرب هذا النجاح ارقاما ً قياسية حين بدأت تعرض في دار السينما سلسلة أفلامه التي تحمل اسمه أي اسماعيل ياسين في الجيش، اسماعيل ياسين في الطيران، اسماعيل ياسين في البوليس الحربي. اسماعيل ياسين في متحف الشمع الى آخر ما في هذه السلسلة من أفلام!
وقد أخرج معظم هذه الأفلام فطين عبد الوهاب، الذي ارتفع اسمه هو الآخر، وسلطت عليه الأضواء كمخرج ناجح للأفلام الكوميدية!
والواقع ان الفترة التي سبقت منتصف الخمسينات بوقت قصير، وحتى منتصف الستينات، كانت من الفترات التي ابتسم فيها الحظ و العمل وكل شيء لاسماعيل ياسين، وهي الفترة التي اكتمل فيها مجده الفني، ومجده المادي!
ولكن، ما كادت تنتصف الستينات حتى بدأ الحظ يتخلى عن اسماعيل ياسين! بل وبدأ الميزان يكيل الى الكفة الأخرى..
بدا العد التنازلي، وكان ذلك نتيجة لأكثر من ضربة قاسية، سواء في عمله، أو صحته، أو حظه الذي صعد وتألق من خلاله ، ثم جاء وقت بدا ينزل من خلاله أيضا ً!
وكانت المفاجات كثيرة.. كانت أول مفاجأة مثلا ً هو انه وجد ان المخرج فطين عبد الوهاب، مخرج كل أفلامه، أو أغلبها، والذي كان لا يخرج فيلما ً الا ويشترط وجود اسماعيل ياسين فيه بطلا ً او يقوم بأحد ادوار البطولات، أصبح يخرج أفلاما ً كثيرة دون أن يشترط هذا الشرط، وبينما كان فطين يقول لكل منتج بأنه يريد أن يشرك اسماعيل ياسين في فيلمه، لمصلحة المنتج، بدأ يقول بأنه لا يريده لمصلحة المنتج ايضا ً ولأنه وجد أن أسهم اسماعيل ياسين قد هبطت، وان اسمه لم يعد اسم نجم شباك!