خلاصة سيرة حياة
خلاصة سيرة حياة
ولدت في اعقاب الحرب العالمية الاولى، وبالتحديد في عيد الميلاد 1917، في عمار الحصن ، وهي احدى قرى وادي النصارى المحيط بالحصن الذي بناه الصلبيون ثم صار يعرف بحصن الاكراد. وبعد بضع سنوات نزحت العائلة من تلك القرية لتستقر في آخر المطاف ، في طرابلس بلبنان، حيث تلقيت في المدرسة الاميركية للصبيان دروسي الابتدائية والثانوية.
نظمت الشعر على السليقة، فلما تعلمت العروض تجنبت الاخلال بموازين بحوره مما بعث فيّ الثقة بالنفس الى حد الاطلالة على القراء من على صفحات الصحف وأنا دون العشرين من العمر. فلحقني من أجل تلك الشهرة المبكرة غرور أدّى بي الى الانقطاع عن الدراسة الجامعية والانصراف الى العمل الصحفي.
كان ذلك بين 1934 و1938، فلما اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية وجدتني على مقعد الدراسة الجامعية في الكلية الاميركية بحلب. على أن ذلك لم يطل اكثر من سنتين اشتغلت بعدها بتدريس الادب العربي في مدرسة الفنون بالمدينة اللبنانية الخالدة في صيدا.
وفي 1942 التحقت بالجامعة الاميركية في بيروت وبعد سنتين من الدراسة في دائرة الفلسفة التي كان يرأسها الدكتور شارل مالك، تخرجت بدرجة بكالوريوس علوم، فكان ذلك آخر عهدي بالدراسة الجامعية، كما كان نهاية فترة أثرت في حياتي تأثيرا يعود اليه الفضل في كل ما انجزته، باذن الله ، من مآثر.
ومع اني تخصصت بدارسة الفلسفة الا ان سمعتي كشاعر وكأديب كانت هي الغالبة، فلما دعيت للتدريس في الجامعة الاميركية، فأنما دعيت لتدريس الادب العربي. وكنت في 1944، اي في السنة التي تخرجت بها، اصدرت عن المطبعة الكاثولكية بيروت أولى مجموعاتي الشعرية تحت عنوان " الحرية".
وفي 1947 تركت التدريس وتسلمت رئاسة تحرير " صوت المرأة" التي انشأتها جامعة نساء لبنان، من صديقي المرحوم رشدي المعلوف. وفي 1948 سلمتها بدوري الى صديقي الآخر المرحوم فؤاد سليمان، وذلك عندما عزمت على زيارة الولايات المتحدة الاميركية لبضعة أشهر امتدت الى سبع سنوات.
في تلك السنوات السبع، اي من 1947 الى 1955، عملت في الامانة العامة للامم المتحدة في نيويورك، كعضو في هيئة تحرير الطبعة الانكليزية لمجلة الامم المتحدة فاغنتني السنتان اللتان قضيتهما في ذلك العمل بخبرة صحفية على أعلى مستوى.
وفي 1950، وانا احزم امتعتي للعودة الى لبنان ، دعيت على عجل الى الامانة العامة للامم المتحدة، حيث عرضت علي وظيفة ملحق صحفي للبعثة التي انشأتها الجمعية العامة لتهيئة ليبيا للاستقلال في غضون سنتين. ومع أن حنيني الى لبنان كان شديدا، قبلت ذلك العرض طمعا في ما كان ينطوي عليه من خبرة ونفع. وبالفعل كانت تلك السنتان اللتان قضيتهما في طرابلس بليبيا غنيتين بما طمعت به، خصوصا ان البعثة كانت تقضي نصف السنة في طرابلس والنصف الآخر في جنيف، مما اتاح لي التجوال في معظم انحاء اوروبا والوقوف عن كثب على معالم الحضارة الانسانية.
وفي ليبيا عملت على كتابة مسرحية " هيروديا" التي كنت بدأتها في بيروت ثم انهيتها، آخر الامر، في نيويورك حيث صدرت عن مطابع جريدة " الهدى" في 1955.
وفي 1952 عدت من ليبيا مستقيلا من الامم المتحدة لرغبتي في العودة الى بلادي. على ان رغبتي هذه لم تتحقق ايضا، لاني دعيت باصرار الى تسلم رئاسة تحرير جريدة الهدى خلفا لصاحبها المرحوم سلوم مكرزل. وكان لصديقي المرحوم صلاح لبكي مراسل الجريدة في بيروت يد في اقناعي بتأجيل عودتي الى لبنان حتى تستورد الجريدة محررا لها من الوطن. وحين استرجع الآن تلك السنتين اللتين قضيتهما في مكاتب " الهدى" التي كانت تعبق بذكرى نعوم مكرزل واخيه سلوم، ونسيب عريضة الذي كان يحرر فيها، وباعضاء الرابطة القلمية الذين كانوا يترددون عليها وهم في اوج عطائهم، ادرك كم كان طالعي حسنا. ذلك فضلا عما اكتسبته في تلك الوظيفة من معرفة باحوال اللبنانيين المغتربين في تلك الديار.
وفي ربيع 1955 حانت عودتي الى لبنان، فحزمت امتعتي وركبت الطائرة الى بيروت، وبرفقتي زوجتي وابني البكر طارق، فكان ذلك كل ما كنت املكه من مباهج الحياة الدنيا، وفي بيروت كنت سعيدا ان اجد ان لا احد نسيني، وان المرحوم سعيد فريحة صاحب " دار الصياد" ، والشيخ خليل تقي الدين سفيرنا آنذاك في المكسيك، كانا ينتظران عودتي حتى يتابعا ما بدآه، في تلك السنة، من محاولة لتسليمي امانة تحرير جريدة " الانوار"، التي كان المرحوم سعيد فريحة مزمعا على اصدارها، على ان يتسلم الشيخ خليل تقي الدين رئاسة تحريرها.
على ان العرض الذي قدماه لي، بعد عودتي الى بيروت، كان ان اتسلم امانة تحرير مجلة "الصياد" ريثما يتم الاعداد لاصدار جريدة " الانوار" ، فقبلت شرط ان لا يطول الوقت. ولكني اكتشفت بعد شهرين او ثلاثة من العمل في الصياد ان الوقت سيطول حقا، فاستقلت من مهمتي ورجعت الى تدريس الادب العربي في الجامعة الاميركية الى جانب القيام بوظيفة مساعد للدكتور شارل مالك الذي كان استقال من عمله كسفير للبنان في واشنطون ليتولى منصب عميد الدراسات العليا في الجامعة.
كان ذلك في 1956، وفي تلك السنة بدأ الاستعداد لاصدار مجلة " شعر". فلما صدرت في مطلع 1957، كان صدورها حدثا هاما في حياتي وفي مسيرة الشعر العربي معا. وهذا ما اجمع عليه النقاد والمشتغلون في التأريخ للادب العربي، قديمه وحديثه.
وفي 1958 وقعت الاضطرابات في لبنان، فقدمت الحكومة اللبنانية شكوى على الجمهورية العربية المتحدة سابقا، بحجة انها كانت تساند بالمال والسلاح جماعة المتمردين عليها. وكان الدكتور شارل مالك وزيرا للخارجية اللبنانية منذ الاعتداء الثلاثي على مصر في خريف 1957، فطلب الي ان ارافقه الى الامم المتحدة كملحق بالوفد اللبناني الذي ترأسه لعرض الشكوى على مجلس الامن. فقبلت طلبه شاكرا، لما كانت ستوفره لي تلك المهمة من خبرة في السياسة الدولية.
وحين عدت من نيويورك، بعد ذلك بثلاثة اشهر، اي في صيف 1958، تركت التدريس في الجامعة اللاميركية وانصرفت الى تحرير مجلة " شعر" وانشاء مطبعة ودار لنشر المؤلفات الادبية التي تلتزم بدعوة المجلة الى الثورة على السلفية والاتباع، والى اعادة النظر من الداخل في معطيات التراث الثقافي العربي، والى ربط مستقبل الثقافة العربية بتفاعلها الحميم الخلاق المبدع مع الحضارة الانسانية منذ طاليس الى اليوم.
وفي آخر 1964 توقفت مجلة " شعر" ، لأول مرة، عن الصدور بعد ان نشرت، بخلال ثماني سنوات، 32 جزءا وعددا لا يستهان به من المؤلفات الادبية الطليعية التي كونت النواة الصالحة لحركة الشعر العربي الحديث، تلك الحركة التي تمكنت، رغم كل انواع القهر والظلم والقمع، من وضع الشعرالعربي، بل الادب العربي عموما، على طريق الحداثة ومعاصرة الآداب العالمية جميعا.
وفي تلك السنوات الثماني اصدرت شعرا تحت عنوان " البئر المهجورة" (1958) و " قصائد في الاربعين" (1961) فأنارت مع ما اصدرته دار مجلة "شعر" لزملائي معالم مستقبل الشعر العربي للاجيال المقبلة. والى جانب ذلك انشأت "غاليري واحد" امتدادا لحركة مجلة " شعر" في ميدان الفن التشكيلي ، وهي لا تزال ناشطة حتى اليوم.
وفي 1967 راودتني، أنا واخواني الذين كانوا يعملون في تحرير مجلة "شعر" فكرة اعادة اصدارها، ولكن هذه المرة عن "دار النهار للنشر" التي كنت توليت رئاسة تحريرها.
فما ان صدر العدد الاول، اي العدد 33 من المجلة، وبدأنا باصدار العدد الثاني حتى وقعت حرب حزيران بين الدول العربية واسرائيل، فاذا بالجو الادبي ينقلب رأسا على عقب، مما لم يكن في صالح مجلة لا تعنى الا بالادب الرفيع الخالي من أي نوع من أنواع الالتزام. وعلى الرغم من ذلك، تمكنت المجلة ان تستمر على الصدور ثلاث سنوات أخرى، فكان في غضونها قبسا يخفق في ليل النكبة الدامس.
وفي 1970 انطوى شراع مجلة "شعر" ولا يزال منطويا حتى الآن، ولا اظن شراع هذه المجلة الرائدة سينشر الا على يد جيل شعري طالع يرفع علم الدعوة الى الكتابة باللغة العربية الحديثة، وهي اللغة التي يتكلمها الكاتب، أيا كان، لا التي يكتبها فحسب.
وفي 1968 وضعت ترجمة عربية جديدة لكتاب " النبي" لجبران، نشرته "دار النهار للنشر" في سلسلة " لنفائس" التي كانت تصدرها. وفي 1970 استقلت من رئاسة تحرير "دار النهار للنشر" لانصرف الى وضع ترجمة عربية حديثة للكتاب المقدس، بعوة من "اتحاد جمعيات الكتاب المقدس" في العالم، فصدر "العهد الجديد" من هذا الكتاب المقدس في 1979، وهو في طريقه اليوم الى ان يصبح ترجمة مسكونية لجميع الطوائف المسيحية التي تتكلم اللغة العربية. أما "العهد القديم" فهو في طريقه الى الاكتمال في السنوات القليلة المقبلة.
وفي 174 نشرت التعاونية اللبنانية للتأليف والنشر بيروت الطبعة الاولى من مجموعة اعمالي الشعرية الكاملة، وفي 1978 نشرت "دار العودة" ببيروت طبعتها الثانية، وفي تلك السنة صدر لي كتاب "رسائل الى دون كيشوت" و "الحداثة في الشعر" ، ثم في 1981 كتاب "الولادة الثانية" باللغة العربية الحديثة التي دعوت اليها منذ 1940.
وخلاصة القول في سيرة حياتي الى هذا اليوم، هي اني سعيد ان القى وجه خالقي وفي يدي اليمنى حركة شعرية غيرت الى الافضل مسيرة الشعر العربي، وفي اليد اليسرى ترجمة عربية حديثة، للكتاب المقدس اتاحت للالوف المؤلفة من قرائه ان يخترقوا قدر الامكان في المرحلة الراهنة، جسد اللغة العربية القديمة الميت الى روح مضمونه الحي.
غزير، في 15/5/1982 يوسف الخال
يوسف الخال من كتاب أحمد قبش - تاريخ الشعر العربي الحديث1971
ولد في قرية "عمار الحصن" في وادي النصارى غرب سوريا عام 1920م. وتعلم الفلسفة في الجامعة الأميركية ببيروت. هاجر الى الولايات المتحدة الأمريكية وسكن مدينة نيويورك. عاد الى لبنان وفتح دارا للنشر سماها دار "مجلة شعر". له ديوان "قصائد في الأربعين" وله كتاب "مختارات لروبرت فروست الشاعر" مع دراسة عنه. وديوان "البئر المهجورة" وله كتاب "ديوان الشعر الأميركي" وله مسرحية "هيروديا" وهو محرر جريدة "الهدى" اليومية في نيويورك. شاعر مقل ولكن له مسرحية شعرية أكسبته الشهرة وهي مسرحية "هيروديا" التي نظمها على فترات ما بين سنة 1947م في بيروت وسنة 1951م في طرابلس الغرب في ليبيا وسنة 1953م في نيويورك.
تقع هذه المسرحية في سبعة وثلاثمائة بيت من الشعر، متعددة القوافي ولكنها من بحر واحد هو البحر الخفيف وتنتظمها ثلاثة فصول. روعيت فيها وحدة الزمان والمكان، أما مصدرها فقصة الانجيل الشريف عن قتل "هيرودوس" ملك الجليل "ليوحنا المعمدان" تلبية لطلب "سالومه" ابنة "هيروديا" زوجته الثانية وكان تزوج من ابنة "الحارث" ملك دمشق ثم أعادها اليه بعد أن وقع في غرام "هيروديا" ابنة أخيه "فيليبس" فتحدى بذلك شرف السوريين وشريعة موسى التي تحرم الزواج من ابنة الأخ. وجاء يوحنا المعمدان يعلن سخطه على هذه الزيجة فيلقي به "هيرودوس" في السجن وما يحول دون قتله اياه الا خوف هيرودوس من ثورة الشعب ولكن هيروديا لا تقنع بذلك ولا يرضيها الا قطع رأس "المعمدان" فتغري ابنتها سالومه بفتنة "هيرودوس" واستهوائه في ساعة ضعفه وعبثه ليعطيها رأس المعمدان على طبق يصحبها في رقصها الخليع، فيلبي طلبها بعد تردد وفي غمرة شرابه يقدم رأس المعمدان لسالومه. ويعقب ذلك ثورة الشعب وقيام السوريين ضده واضطرار الرومان الى خلعه ونفيه تهدئة للجماهير.
اعتمد يوسف الخال في مسرحيته الشعرية هذه على عنصري الوصف الحسي والتأثير النفسي فوفق بها كثيرا .
يتصف يوسف الخال في شعره بالرمزية القاتمة، والروحانية السائدة والصوفية الحسية مع هدوء نفسي ينبىء عن خبرات طويلة ذات معنى مع سيطرة الايحاء الشعري. ونضج في فهم القضايا الوطنية قال الشعر العامودي والشعر الحر. قال:
يا صديقي أنا لا أندب حالي
أنا لا أعرف حالي
العصافير بنت أعشاشها
وأنا في هذه "الدارة" وحدي
جاثما كاللعنة، كالخوف
على صدر الجبان
جاثما كالموت كالبرهة في كل مكان
بعض مراجعه:
1- المسرحية "هيروديا" ومقدمتها بقلم الناظم.
2- الدكتور أحمد زكي أبو شادي قضايا الشعر المعاصر.
3- علي الجندي مجلة الأديب اللبنانية عدد يونيو 1961.
4- أحمد زكي أبو شادي. مجلة الأنوار المغربية السنة العاشرة العدد (46) 1955