حوار مع المهندس والفنان بول سليمان
زاوية "مبدعون من لبنان"
إعداد وحوار أ. د. لويس صليبا
عدد نيسان 2018
بول سليمان... فنّان حتى العظم. غارقٌ في عالمه الفنّي، ومستغرقٌ فيه. ويستحيل أن تُخرجه منه، ويصعب عليك، بالمقابل، أن تدخل فيه. فلعالمه هذا سُنَنه ونُظُمه، وهي غالباً ما تختلف عن نواميس عالمنا. أيّاً يكن، فلكي تحاورَه لا بدّ لك من أن تغامر في الدخول، وأنت عارف سلفاً أن النتيجة غير مضمونة...وقد تعود بخِفّي حنين!! ولكن السحر، أو السرّ الذي يحيط بهذا العالم، ويغلّف هذه الشخصية يُغوي بالمغامرة ويُغري!
مهندس ديكور، وأستاذٌ جامعيّ في هذه المادّة وموادّ أخرى. علّم سحابة 37 عاماً في الجامعة اللبنانية/معهد الفنون، وفي الجامعة اليسوعية USJ وغيرها. وله في المجال الأكاديميّ مآثر عديدة، ليس أقلّها وضعه برامج جديدة وعديدة لموادّ فنّية وتخصّصات، لا يزال طلّاب الجامعة اليسوعية يتّبعونها ويستفيدون منها.
وفي عالم هندسة الديكور له مئات التصاميم، من بينها تصميم نحو 30 عيادة طبّ أسنان وضعها وفق رؤيا خاصّة. وعشرات المطابخ التي أضفى عليها لمساتِه.
وفي مجال الرسم، علّم هذه المادةّ في جامعات ومحترفات. وعمل، ولا يزال، على إخراج الفنّ التشكيلي من قوالبه التقليدية، فعرض لوحاته في الشوارع مثل ميناء جبيل وطرقات بلدته عمشيت. فقد شاء أن يُخرج الفن من الغاليريات ليحتكّ به الناس ويتفاعلون معه.
وفي عالم التمثيل على الخشبة، وعلى الشاشتين الكبيرة والصغيرة، لعب حتى يومنا هذا أكثر من 250 شخصية. وفي رصيده أكثر من 50 عملاً مسرحياً، من بينها 20 مع الرحابنة، ومسلسلات تلفزيونية عديدة: السرّ 1989، الشيخة الأميركية 2008، سنعود بعد قليل 2013. ومن أفلامه السينمائية حياة القديسة ريتا 2002، المشهد الأخير 2005.
إنه حقاً ظاهرة في عالم الفنّ يصعب على المرء أن يبقى حيالها غير مبالٍ: قد يتذوّق فنّه، وقد لا يستثيغه. ولكنه، في مطلق الأحوال، يعسُرُ عليه أن يمرّ به مرور الكرام، أو أن يكتفي بنظرة عابرة.
لهذه الأسباب، ولغيرها، فالحوار معه يخرجُ عن الأُطر المألوفة.
س: أستاذ بول: مسارُك الجامعي والأكاديمي دارساً ومدرّساً، أي أثر كان له في مسيرتك الفنّية ممثلاً ورسّاماً؟
لا أحبّ أن أبدأ كلامي بـِكلمة "صراحة"، لأنّي صريح. لا شيء هذا جواب مقتضب. فمسار حياتي الجامعية شبيه بما أنا عليه: الطباع...الجدليّة...الديالكتية...المثالية...الذهاب إلى النهاية في مطلق الأمور والمواضيع، ولو كان الوصول خسارتي.
س: تقول: "أنا وصغير، ولشدّة كسلي، كنتُ أهرب إلى الرسم، أرسم على كلّ شيء...كلّ كتبي كانت مليئة برسوماتي."
- هل ما يزال الرسم "مهرباً" لك؟ وممّاذا؟
أنا قلتُ مرّات عديدة أنّني كنتُ أهربُ إلى الرسم لأني كنتُ كسولاً. أمّا الآن، فأغوصُ محلّياً وعربياً وعالميّاً في أجواء الرسم ليس هروباً من أي شيء وإنما شغفاً وعشقاً. ولا أعرف كلمة هروب إلا من الأماكن التي يشغلها "السُخف".
- هل إن حبّك للرسم هو الذي قادك إلى هندسة الديكور؟
الرسم كان دعماً وليس حافزاً. تقدّمتُ للاختصاص الفلسفي جامعيّاً، فنجحتُ، وفي الوقت عينه تقدّمتُ إلى امتحان دخول إلى معهد الفنون وجاءت النتيجة: نجاح باهر في الفلسفة، والمرتبة الأولى في الهندسة. وتخرّجتُ الأوّل بعد 5 سنوات في هندسة الديكور.
- أنزلت الرسم عن عروش الغاليريات لتجعله في متناول كلّ الناس، فعرضتَ رسوماتك في الشوارع. فهذه الثورة التي أشعلتها هل أتت بالنتيجة المرجوّة؟ وكيف؟
مئة في المئة... أولاً لو أنّك لم تشاهدني في الشارع، لما دخلتَ الآن في حوارٍ معي. ثانياً تعرّفتُ مباشرة إلى أغلب الناس...وحوار الشارع أصدق لقاء. وقد خلقتُ حركة دورية كوني كنتُ حاضراً ما لا يقلّ عن 6 ساعات يوميّاً: رسم مباشر بمثابة حلقات تعليم، تشجيع للفنّانين، وقد قام البعض منهم بخلق أجواء مماثلة، إلخ...
س: تقول: "الفلسفة بدمّي. أنا مفلسف كلّ شيء برسوماتي، بتصرّفاتي بخياراتي السياسية والاجتماعية، بلباسي، وهالك الناس بفلسفتي."
- كيف انعكست فلسفتك هذه في أسلوبك في الرسم؟ وفي لوحاتك؟
وهل هناك شيء مجرّد؟! الفصول تنعكس، عناصر الطبيعة تنعكس، الخلق ينعكس، كلّ شيء يعكس وينعكس...
أوتسألني كيف أنا الفيلسوف لا أنعكسُ على ما يبدرُ منّي وعنّي وفيّ وعليّ ومحيطي ونتاجي...وحياتي المتكاملة. الرسم شخصي: وفي حال الصدق الكامل ينطبع ما أنا على ما ينبع منّي.
- أي أثر كان لها في أدائك التمثيليّ؟
الجواب عينه. ولكن الفرق الشاسع أن الرسم كما سبق وقلتُ عمل فرديّ شخصيّ، وربما أنانيّ. أما المسرح، والتمثيل بمجمله فعمل جماعيّ. وتبقى فلسفتي تنخر المحيط حيثما تجد لها أرضاً خصبة، ولا تكفي عدّة أسطر للجواب، فسؤالك يمكن أن يكون جوابه في أطروحة جامعية كاملة!
س: تقول: "بصراحة أنا متعربط (متشبّث) بفلسفتي لأحافظ على وطني. وطني في فلسفتي يجمع لبنان القديم ولبنان المجهول الذي أبحث عنه"
- كيف تحافظ بفلسفتك على وطنك؟
الفيلسوف هو الإنسان المتكامل، وليس بالطبع الكامل. الفيلسوف هو العليم في شتّى الأمور، وليس من الضروريّ أن يعرف التفاصيل والتقنيّات. هو مثل قائد الأوركسترا يفهم إمكانات كلّ الآلات، وليس من الضروري أن يتقن العزف على كلّ آلة. هو مثل المهندس، يفهم مراحل البنيان والموادّ والمهن ويقودها إلى النهاية، من دون أن يتقن حُكماً استخدام كل الموادّ. والفيلسوف ففهمه وإن كان خاصّاً به، فهو ينسجم تماماً مع آرائه السياسية والوطنية والقيادية...ولا يمكنني فصل النظرة الفلسفية لمفهومي الوطني عن فلسفتي الوجودية المتكاملة.
- لبنان المجهول الذي تبحث عنه هل وجدته يوماً، أو تأمل أن تجده؟
لبنانكم أمامكم، ولبناني ما قبل جبران خليل جبران. ولستُ بصدد احتقار الآخر، ولا أي لبناني أو لبنانية. ولكن عندما أقول: "ولديّ البديل": لستُ موافقاً على النظام الدراسي...لا أكونُ لبنانيّاً كما الآخر اليوم. وعندما أقول "ولديّ البديل" لستُ موافقاً على النظام الانتخابي لا أكون لبنانيّاً كما الآخر اليوم. لبناني أنا ليس موجوداً...إلا حيث أبني العقيدة نفسها مع من هم أمثالي...وهم كثر.
- هل يمكن أن يصير هذا الوطن المجهول معلوماً عندك؟ وعند سائر اللبنانيين؟
نعم بالتأكيد. إذا لم يكن من وجود لإنتاج بطاطا في أرضك الصالحة، ألا تزرع ثم تعتني ثمّ تجني؟!
إذا لم يكن هناك بنية وطن ولا الأرض صالحة، ألا تبني وطناً؟! الوطن ديمومة، ويتطلّب عملاً متواصلاً، وليس "سوق خضرة".
س: تقول: "أحب الشهرة، بس بحطّلها حدود"
- أية حدود تضع للشهرة؟
أقصد حدود التعاطي مع محيطي على صعيد مجتمع، وعلى صعيد الفرد، ومن ثمّ الإعلان...الشهرة تُعمي الكذّاب، أما الصادق فيضع أو يرسم لها حدوداً حفاظاً على ديمومتها كما الوطن.
- هل تخاف من مخاطرها؟ أوترى وجهاً سلبياً لها؟
عندما تعرف مخاطر الشهرة وسلبيّاتها تتفاداها بكلّ بساطة. مثلاً: عدم الانزلاق في عالم الإعلام السخيف، وعدم اعتماد السياسة الجوفاء، عدم الذهاب إلى أماكن عامّةلمجرّد أن يراك الناس، إلى ما هنالك من سخافات.
س: تقول: "الناس تخلط بين الوقت العاديّ وهو الثواني، وبين الزمن الجوّاني غير الحدودي. أنا ألعب على الوقت الداخلي ما يمنحني القدرة على إنجاز الكثير من الأعمال."
- ما هو هذا الزمن الجوّاني الذي تتحدّث عنه؟
الزمن الداخليّ "الجوّاني" هو التأمّل المستمرّ Méditation Permanente الذي يجعل الوقت المادّي أي الدقيقة والساعة وغيرهما يذوب ضمن الزمن. إنه سؤال يتطلّب كتباً للإجابة.
- وكيف تلعب عليه فيثمر لعبك نتاجاً فنّياً غزيراً هو ما نشهده من رسومات وأدوار تمثيلية؟
التأمل في التفاصيل والتلذّذ بالمخلوقات والتحليل الروحي والمنطقي والوجودي. والإيمان بالخالق يفتح الذهن إلى آفاق لا تنتهي، ويصبح الإنسان في أتمّ الاستعداد للإنتاج: إن على صعيد الجسد أو الروح أو العقل...
- تعبّر مراراً عن حبّك لتعليم الرسم. ماذا تعلّمتَ أنت من تعليم الرسم في الجامعات والمحترفات؟
التعليم الصحيح هو فيض عن الشخص، فعوض أن يذهب هذا الفائض هدراً فالأجدر نقله إلى الآخر. وليس كل من "أسْتَذ" كان معلّماً.
المعلّم الحقيقي لا ينتفع شيئاً سوى الطمأنينة الداخلية، إنما يكتسب معرفة كاملة في شؤون التنويع البشري.
- بين إنجازاتك العديدة في هندسة الديكور ركّزت على عيادات أطبّاء الأسنان، وعلى المطابخ كما أسلفنا. وللاثنين علاقة مباشرة بالفم والطعام.
ما الذي جعلك تركّز وتتمايز في هذين المجالين: حبّك للأكل مثلاً؟ أم ماذا؟
إنها الصُدف. برعتُ في أول عيادة هندستها، عرف الأطبّاء، فكرّت السبحة. أما هندسياً فلم يبقَ نوع إلا ونفّذته: مطاعم، دور سينما، صالات المطار القديمة، منازل، قصور، محلّات أحذية أو ألبسة، مطابخ صناعية وغيرها.
- تتحدّث مراراً عن تأثير بلدتك عمشيت على شخصيّتك ونتاجك الفنّي. فأين يتجلّى هذا الأثر في بول سليمان مهندس الديكور والرسّام والممثّل؟
عمشيت غنيّة أغنتني. غنيّة بتربتها المتنوّعة، صخورها، ألوانها، أشجارها، مزروعاتها، طبيعتها من البحر إلى وسط المنحدرات الجبلية، مناخاتها، هندساتها، كمّية الحيوانات الداجنة وأنواعها أي ثروتها الحيوانية منذ القدم إلى اليوم، آثارها، منازلها، مواطنيها، وتاريخها القديم والحديث، إلخ. كلّ ذلك جعلني غنيّ في التنويع: حبّذا لو...نتلقّى محيطنا.
- كانت بداياتك في المسرح والتمثيل مع المخرج والكاتب المسرحي د. إيلي لحود، وتقول إنه استدرجك إلى عالم التمثيل.
-هل إليه يعود الفضل في اكتشافك أو في إطلاقك "ممثلاً"؟
د. إيلي مثّقف وواعٍ وأستاذ واختصاصيّ، إحساسه دلّه، وقرابته منّي. أكيد عندما التقيته في باريس قال لي: عند عودتي إلى لبنان سوف نعمل سويّاً في مجال المسرح.
ما الذي تعلّمتَ منه؟ أو أنت مدين به إليه؟
علم المعرفة...التأمل، اليوغا، التركيز، معرفة الجسد: إنه علم متكامل إنساني وفنّي.
س: عمِلتَ مع منصور الرحباني في مسرحيات عديدة.
- ما الذي يميّز، برأيك واستناداً إلى تجربتك معه، مسرحه عن سائر المسرحيين اللبنانيين؟
ليس أنا من يشرح، أو يفسّر، مسرح المعلّم منصور الرحباني. فأولاده يشرحون. أما رأيي فمثل باقي الناس: "مسرح غنائي مواضيعه تتناول الوطن على مدى الأزمنة، كلاماً، لحناً، وإخراجاً.
- ما الذي أضافه العمل مع الرحابنة إلى شخصيّتك كممثّل؟
العكس وارد من ناحية التمثيل، وهذا ما أحترمه عند الرحابنة الثلاث أبناء منصور، فقد ساعدتُ في تجدّد حركة التمثيل، وأقولها من باب المنطق: لا تواضعاً، ولا تشاوفاً. أما من ناحية الموسيقى والرقص فاكتسبتُ ثروة سمعية وجسديّة.
س: لك مشاركات كثيفة في أفلام وأعمال تلفيزيونية وسينمائية دينيّة، ولا سيما في تيلي لوميار.
- هل هو إيمانك المسيحيّ الراسخ ما جعلك تركّز على هذا الجانب وتنجح وتبرز فيه؟
أنا مسيحيّ مؤمن. ولكن لا علاقة! ومعظم الفنّانين العرب كما لاحظتُ يخلطون الدين والسياسة والمشاعر والآراء والأهواء كلّها بالعمل. ومن منظار العطاء الفنّي أقول: العمل الفنّي عندي محكوم بالعقل والجسد قبل العاطفة الشخصية. فقد مثّلتُ دور يهوديّ، ودور راهبٍ وشيخ في فيلم واحد، مثّلتُ دور مجرم، ومجنون، كيف أوفّق بين كلّ هذه الشخصيّات؟!
- هل بمقدور ممثل ملحد مثلاً أن ينجح بأداء دورٍ دينيّ كشخصية قديس أو نبيّ أو غير ذلك؟
بسهولة إذا كان يملك الموهبة من عند من هو ملحد له: الخالق. ها ها ها.
س: مثّلتَ على الخشبة وعلى الشاشتين الكبيرة والصغيرة.
- هل ترى أن نجاحاتك في المجالات الثلاث هذه كانت متساوية؟
لقد نسيتَ المجال الرابع:الفلسفي. فهو الذي ساعد على نجاحاتي. الفلسفة هي الأساس.
-وأي مجال هو الأحبّ إلى قلبك؟
كلّ المجالات. ولكن ما يزعجني في كلّ هذا تفاوت الفهم لدى شعوبنا، ولا أدري سبب هذا التفاوت العميق والواسع.
س: كانت لك تجربة ناجحة في السينما الإيرانية. وتقول: "كنتُ الممثل المسيحي واللبناني الوحيد في فيلم غرباء للمخرج الإيراني عباس رافعي."
- أي انطباع تركت لك مشاركاتك هذه عن إيران؟ وخصوصاً عن السينما الإيرانية؟
لم أتفاجأ. السينما الإيرانية تاريخ. تعلّمتُ بعد سبعة أفلام دقّة العمل، والمثابرة، وطول البال.
- إلى أي مدى كان اختلاف اللغة عائقاً في نجاح هذه التجربة؟
اللغة ليست عائقاً أبداً. لا بل تعلّمتُ لحن اللغة: شيء مضحك. كما تتعلّم لحن اللغة المصرية، أو الإيطالية، أو الإنكليزية. وحبّذا لو كان في إمكاني إسماع القارئ صوتي.
س: لك 15 فيلماً في السينما الفرنسية والأوروبية. وأول مسرحية لعبتَ فيها دوراً، وهي "قفص السنجاب" 1982 كانت بالفرنسية.
- بأية لغة تفضّل أن تمثّل: العربية الفصحى، اللغة المحكية، أم الفرنسية؟
اللغة اللبنانية، العربية الفصحى والدارجة أو المحكية. الإنكليزية، الفرنسية. ولكنّي أفضّل الإنكليزية، فهي الأسرع والأسلس. ومثلٌ على ذلك: جملة أريد أن أذهب إلى البيت: أُ/ري/دُ/ أن/أذ/هَ/بَ/ إ/لى/البَيْ/تِ: 11 مقطع. وفي الإنكليزية I/WANT/TO/GO/HOME، 5 مقاطع. ومن هنا أصبحت اللغة الإنكليزية تجارية ومنتشرة عالمياً.
- هل تشعر بفارق ما بين أن تؤدّي دوراً أمام ممثّل يشاركك الوطن واللغة الأم، وبين أن تلعب أدواراً أمام ممثلين أجانب يختلفون عنك ثقافة ولغة وذهنية؟
لا أجد شخصيّاً الفرق أبداً ولا الفارق. التشخيص أقوى من اللغة. لذلك فالإيماء هو أعلى درجات التمثيل كما يقول مرسيل مارسو.
- إلى أي مدى برأيك يتطلّب النجاح في أداء شخصية ما التجرّد من الذات وإغفال شخصيّتك أنت لتجسّد شخصية أخرى قد تكون أنت نقيضها؟
الموهبة، ومن ثمّ العلم والعلوم، ثم الثقافة، وهي كفيلة.
- لعبتَ حتى اليوم دور نحو 250 شخصية. فهل من شخصية أو شخصيات آثرتها وتؤثرها بحبّك وتفضّلها؟
1-شخصية فندي مع الدكتور لحود. 2-شخصية فاتك الأسدي.مع الرحابنة الثلاث. 3-شخصية الشيخ مصبح في مسرحية أرض الغجر. 4-شخصية أبو كيس مع ميلاد بو موسى.
وأخيراً هل من سؤال ما كنت ترغب أن نطرحه عليك، ولم يخطر لنا ببال؟ أو من سؤال تودّ أنت أن تطرحه علينا؟
لماذا اخترتني؟
خاتمة: فنّاننا المحبوب بول سليمان: سؤالك الأخير، وجوابنا عنه خير ما يُختم به هذا اللقاء الشيّق. أوبعد كلّ ما أتحفتنا به من دررٍ، وكلام عفويّ يفيض من القلب، تسأل لماذا اخترناك؟!
لأنّك فنّان مميّز، لم يكرّر غيره، ويستحيل على غيره أن يكرّره! ولأنك أنزلتَ الفنّ من العروش البورجوازية والعاجية إلى الشارع ليحْتكّ به الناس، فلا يكون حكراً على ناس، ولا يكون مجرّد وسيلة للترف والترفيه...تهرب من الأماكن التي يشغلها السخف، قلتَ، ألهذا هجرتَ الغاليريّات؟!
ولأنك كذلك فنّان لبنانيّ أصيل، و"عمشيتيّ" بكلّ ما تعني هذه الصفة من أبعاد! فنّان انتهج الطابع المحلّي طريقاً للإبداع والعالمية. وهل يسهل علينا اليوم أن نجد ممثلاً يلعب أدواره باللغات العربية المحكية والفصحى، وبالفرنسية والإنكليزية بالطبعية والانسياب والسهولة عينها كما تفعل أنت؟! وهل نلقى كلّ يومٍ فنّاناً مثلك، ممثلاً كان، أم رسّاماً، أم غير ذلك، يلعب في "الزمن الجوّاني" ويستغرق فيه دون أن يخرجَ من الزمن؟
اخترناك لأنك فنّان خبِر طمأنينة المعلّم الحقيقي، ولم يكتفِ بأن يكون مجرّد أستاذ جامعيّ للفنّ. فليس كلّ من درّس كان معلّماً، ولا كلّ من ساس كان سياسياً وزعيماً.
ولأنك أخيراً، وكما كبُرتَ بعمشيت ولبنان، فبلدتُك وبلدُك يكبران بك.