معرض الرسام اللبناني خليل مفرج في بيروت - اللون والصوت
معرض الرسام اللبناني خليل مفرج في بيروت - مجلة جمالك - تشرين الثاني 2011
ارتقاء هو عنوان المعرض الفردي الأول للرسام التشكيلي اللبناني بعد صدور كتابه الذي ضم أعماله كافة ً، وقد قام الناقد سيزار نمور بجمعها ووضع دراسة شاملة عنها.
خليل مفرج من مواليد بيروت، استهل الرسم في ربيعه الثامن، وظلت شعلة التشكيل مواكبة لتحصيله الدراسي التي ختمها باجازة في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية سنة 1973. انصرف الى العمل السياسي فترة طويلة حتى أقعده المرض وبات أسير الكرسي النقال. ألوانه الصاخبة تستمد تمردها من شخصية طواقة الى اعادة بناء العالم بعد تفكيكه من لوحاته واعادة ترميمه. لوحاته تحتشد بالتفاصيل مستغلا ً مسام القماش الأبيض.
أعماله عن القرى اللبنانية وبيوتها اختزلت تفاصيلها الخارجية مصغية الى ايقاعها الداخلي. يفكك، يرمم ويعيد تشكيل مشاهده. الخطوط العمودية والأفقية، الأحجام الدائرية تتوزع على أعماله مؤسسة أماكنه الروحية الخارجية، مؤسسة شاعريتها وشفافيتها من ألوان الباستيل. أدواته من السكاكين وأدوات البناء وأغصان الأشجار من الخشب، الملح، البهار وحب الهال تفجر قنابل ذرية تشكيلية من صراع لوني يجدل حركيته من ضربات ريشة قصيرة سريعة ومزدحمة في فورانها الأفقي، العمودي والمتوازي.
مساحات لوحاته تطورت الى مساحات تجريدية جريئة في استعمال الألوان التي تفور عفوية، تلقائية في قبضته دون تخطيط مسبق. مادة الأكريليك على القماش ساهمت في ابراز خصوصية لوحاته وبعض العناوين تحمل اشارات تصويرية، لكنها تلاشت في تكوين تجريدي صارخ. موزاييك من الألوان واللطشات تنزف تكوينها في مشاهدة رؤيوية أبعد من المنظور المباشر. سيول لونية من الأعلى الى الأسفل تتلقى اشارات من الخارج وكأنها نيازك فضائية تدمر لتعاود تأسيس الخليقة. كرنفال لوني متوحش في فورانه وتوثباته في جزئيات مسام اللوحة ترتعش في قبضة جارحة وغاضبة ولكنها شفافة في صلواتها التشكيلية.
اللون والصوت بقلم حياة أبو فاضل - جريدة النهار - 25 تشرين الثاني 2011
في البدء كان الصوت، ومن قال ان اللون ما رافقه؟ بين ضفتي كتاب ضم رسوما ً ولوحات وقعها خليل مفرج مدى 12 عاما ً، بامكانك لو أصغيت أن تسمع وقع اللون على الورق أو على "الكانفا" ولو وقع بصرك على عنوان اللوحة لدار حوار بين داخلك ومغامرة مفرج المسافرة أحيانا ً بصخب "حركي" "لوني" وأحيانا ً بايقاع اثيري هادىء فتصغي الى همس حواسك وأنت تستمع الى حديثها الطويل.
وهناك تواطؤ عفوي بين الخط واللون ووقع ريشة أنيق، جاذب بلا تكلف، يأخذك الى عمق فلسفي، أحيانا ً ساخر ويتناغم كل مرة مع عنوان اللوحة. ولما اللوحة بلا عنوان، تختار لها أنت "هوية" قد تغيرها بعد ان توطد علاقتك بها، وهذا حقا ً ما يميز ابداع خليل مفرج الذي تكلم باللون وبالصوت ثم ترك لك حرية التواصل.
احدى اللوحات لوجه فمه مفتوح على صوت طالع، "سوبرانو"، ولن تبلغ ملامح الوجه ما لم تتبع ذبذبات الصوت الخارج من الشفتين. وتتمدد امرأة عارية داخل لوحة "المرأة الأفق" قاسمة اللوحة الى نصف اعلى يحتضن الأزرق ومشتقاته وما علق به، ونصف أسفل أحمره مغناج مواج. ولوحة ل "كارمن" العاشقة بعد أن تصاب أثناء معركة "غيرة وانتقام"، نازفة الدم والحياة. و"القدس" تصير وجه امرأة أرهقها الانتظار. وفي اسفل احدى اللوحات عصفورا حب في تغريدة "اورغام"... أهما عصفوران أم شظايا جسدين ذائبين في لقاء سحري مع كل الوجود؟ أما "الطريق الى السماء" فتخطف الأحمر والبنفسجي والأزرق وسلما ً زجاجيا ً طالعا ً الى فوق او نازلا ً الى تحت متى تزهر السماء ضجرا ً.
لوحة "الليل والنهار" مهداة الى الشاعر بدر شاكر السياب. نهارها أحمر واصفر وبرتقالي، متداخل الألوان، تريحه فسحات بيضاء تفصله عن قناطر زرقاء قاتمة تأخذك الى اسرار البيوت وشبابيكها متى الزائر يلتف بعباءة الليل. ولوحة "جوانب على الجسر" مهداة الى الشاعر خليل حاوي تضم صغارا ً طائرين فوق الجسر "خفافا ً الى حيث ينهمر النور. وهناك حكايات أحلى وأكثر ايماء كأن لا خيال مفرج ينضب ولا ريشته تتعب، ولا ترتوي انت فتظل ظمآن الى بعد.
رسم بقلم رصاص لرأس ذئب يفتتح الكتاب - المعرض حاملا ً عنوانا ً ملتبسا ً: الذئب انسان او الانسان ذئب، ووجه الذئب ضاحك وانيابه بارزة مستعدة لأي شيء، فتدهشك نافذة خليل مفرج المفتوحة على تركيبة الوجود مقتحمة أسرار اللون والحركة والصوت. ثم يلفتك حرص سيزار نمور وفريق عمله على دقة انتقاء وتنسيق اللوحات بذوق متماسك، والفنان والناشر يتركان لك حرية اختبار مغامرة فريدة لا يحدها مكان ولا زمان.