شارل خوري في "غاليري جانين ربيز" لوحاته تتوهج ومنحوتاته تذوب في الأسود
أدب فكر فن - لور غريّب - 2012
يعرض شارل خوري في "غاليري جانين ربيز"، الروشة، اربعين لوحة ومنحوتة، بينها 23 منحوتة من الخشب مدهونة كلها بالاسود ومعلقة على الحائط كأنها طواطم مركبة ومجموعة في تجهيز لافت، تعطيه الفسحة البيضاء من حوله عمقا وبعدا وزمنا تقربه من طقسية وثنية زائلة.
تجميع القطع تم بطريقة دقيقة مؤسلبة الاطراف لا عيب في توحدها ولا استنتاجات مجانية غير مؤثرة. انها بالفعل تغري العين ويقف المتلقي امامها محاولا كشف مضامينها على رغم ذوبانها في اللون الاسود المحزن.
نضيف الى هذا التجهيز 4 تماثيل ملونة تذكّر بشخصيات اللوحات.
متوهجة وفيها عدد لا يحصى من الصبغات المتدرجة ما بين الفاتح والغامق، وخصوصاً عندما ينتقل خوري من عنصر الى اخر مزودا خصوصيات تعيده الى هيكلية نحتية تلامس في الوقت ذاته هيئات الالهة القديمة والبدائية كأنها تستجدي السعادة والحظ والحياة المديدة.
ثمة بحبوحة تضفي على المخلوقات اوضاعا مريحة تمكنهم من العيش من دون خوف من الغد وغدر القدر. هذه التماثيل الملونة وعددها اربعة تخرج من احدى اللوحات وتتمتع بأبعاد ثلاثية التوجهات وتثير الكثير من الفضول والاهتمام.
من الفضاء المكشوف ننتقل الى اللوحات. مشتقات من اجناس بشرية او حيوانية، فيها المزيج الملون الى اقصى الحدود والمبالغ احيانا في التكتلات ذات التقطيعات المتعددة التي تضفي على الجو العام مناخا لونيا فرحا ومنوعا. اللجوء الى تقسيمات صغيرة ينطوي على نكهات فردية وتردادات موزعة هنا وهناك من المساحة المستعملة كأرضية مسطحة ومونوكرومية، بينما تتلقى الاقسام الاخرى التفاصيل الصغيرة والمتوسطة التي صممت لتكون في حالة تراتبية مكثفة.
الشخصيات في اللوحات في حال من الجمود في فضاء يؤمّن لها هالة بلون غامق، كأنه وجد ليمثل بأفضل طريقة هيكلياتها من دون ان تكون متطابقة مع الواقع المرئي، فهي تتمثل بقطع متلاصقة، كروية ومروسة الاطراف، وبعضها يلعب دور الوصلة بين العناصر، وهذا كله يؤلف عالما غريبا فيه تشابه مع الواقع انما تتداخل فيه اضافات لونية مطلية بذكاء.
ثم نصل الى بهلوانيات لونية تعطي صورة صاخبة فيها الكثير من التفكيك واعادة التركيب، انما من دون الاصغاء الى المنطق العقلاني الذي يفترض التلاحم من اجل تكوين كتلات متلاحقة او منكمشة على بعضها لكي تبقى مجمدة في حركاتها لانها تمثل صفحات من حكايات شعوب كانت ولا تزل سائرة في ملاحم كتبت وتحضر لتكتب من جديد امجادا او انكسارات مع دورات الحياة المتجددة دوما وابدا.
تجدر الاشارة الى ان المعرض، الذي ينتهي في 28 اذار 2012، يعطي انطباعا بأن شارل خوري طوّر رؤيته التشكيلية فابتعد عن الحركات المجانية وقد نجح في معروضاته الحالية في خلق وحدات متماسكة من تكتلاته البشرية التي اصبحت اكثر تلاحما وبعيدة عن الهوامش التي كانت تترك العين شاردة في التفاصيل بدل ان تركز على اللوحة ومضمونها ككل متحد ومتناسق.