أندره كالفيان: انين الأبواب والشبابيك العتيقة
ولد اندريه قالفيان في جبيل سنة 1968.
بدأت موهبة الرسم معه منذ صغره. لم يتعلم الرسم في أي جامعة أو معهد. يعتمد التلوين الزيتي على القماش وعدته الكتر، المسامير والدبابيس.
بداية احترافه الرسم كانت في عمر السبعة عشر عاماً.
عمل قالفيان على مواضيع عدة ولكنه عرف في رسم الابواب والشبابيك والشرفات القديمة التي مر عليها الزمن. وله حوالي سبعة آلاف لوحة منتشرة في جميع انحاء العالم.
شارك في عدد كبير من المعارض الجماعية والفردية في لبنان والخارج
حائز على عدة شهادات تقدير
.
أعطى الاعلام المرئي والمكتوب والمسموع الارضي والفضائي اللبناني والاجنبي اهتماماً كبيراً له وللوحاته
معرضه الدائم في بيبلوس جبيل لبنان
أندره كفاليان: انين الأبواب والشبابيك العتيقة.
في لوحاته نرى بيوتاً هجرها اصحابها وهاجروا الى الأقاصي البعيدة ولم يعودوا، أو هم تركوا بيوتهم في الضيعة وانتقلوا الى المدينة. أخذتهم المدينة، فحاول هو أن يعيدهم الى حنين الأماكن و البيوت.
لم تطُل مدة دراسته في مدرسة الفيدار(هو من مواليد جبيل سنة 1968) لأنه غادرها عام 1980 للعمل بسبب ضائقة إقتصادية حلَّت بالعائلة. وبقي عشر سنوات (1980 – 1990) يقوم بأشغال يدوية، (معظمها في ورش البناء) كي يقوم بمصاريفه. غير أنه، منذ طفولته وخلال صباه الغارق في العمل الشاق، كان يُخربش فطرياً وعفوياً رسوماً على أوراق ومساحات تتوافر له.
وحين انتقل عام 1986 الى نوع آخر من العمل ( مراقبة السابحين في مسبح لإنقاذهم مساعدتهم) لم يتخلّ عن هوايته الرياضية (الكرة الطائرة) ولا عن هوايته الفطرية في الرسم، فلم يتوقف عن تصوير مشاهد من بيبلوس(البيئة التي نشأ فيها) ووجوه نساء ورجال وعجائز وشيوخ وبيت وحيطان. وكان في تلك الرسوم يلمس تطوراً ذاتياً في الرسم من دون أية دراسة أكاديمية. وتعلّم من طريقة نشأته، ألا يحتقر أحداً ولا يحُطَّ من شأن شيء حوله وألاّ يجد وضاعةً في اي شخصٍ أو مشهد.
من هنا أخذ ينتبه الى نواح مهملة: عجوز منفرد، شباك عتيق بيت ختيار،...فتولدت في باله فكرة أن يهتم بكل من وما هو مهمل، مقتنعاً بأنّ ما أو من يهمله الناس ليس بالضرورة مصيره الإهمال.
عند هذه القناعة، إنكبّ على رسم المهملات فوضع حكاية لكل انسان، عبر رسمه الخشب العتيق، والطلاء المقشّر والحديد الصدى والزجاج المتآكل بالغبار، والعشب المهمل على الحيطان المتروكة، والشبابيك المنسية، والجرّة المشققة الفخار، والأدراج المبرية بالتآكل والأبواب المفككة ومصاريع الأبواب المفتوحة على المجهول أو المغلقة لكنَّ وراءها، مغلقة او مفتوحة، قصصاً وحكايات عتيقة تنتظر من يرويها، ولعلّ في معظمها أحزاناً واعدة بعقبى الفرح، تلقاها الناس ببسمة التقدير التي تعوّض ما فيها من عتقٍ ومن حزن قديم.
لوحاته قررت أن تعيد البيوت من الإهمال الى نبض الحياة موقظاً الحنين الى حيط البيت او شباك الجدة او طريق الضيعة.
ومن هنا تأثير لوحاته في المغتربين الذين، حين وصلتهم اعماله، أيقظت فيهم الحنين الى حيط البيت أو شباك الجدة او طريق الضيعة، فاستعادوا الذكريات العتيقة وذاقوا طعم النوستالجيا الوارفة فوق المهجر البعيد. وفي لوحاته رأوا بيوتاً هجرها اصحابها وهاجروا الى الأقاصي البعيدة ولم يعودوا، أو هم تركوا بيتوهم في الضيعة وانتقلوا الى المدينة دون عودتهم الى بيوت أهلهم التي ولدوا فيها ونشأوا فيها حتى سنوات الصبا الأولى. أخذتهم المدينة، فحاول هو أن يعيدهم الى حنين الأماكن والبيوت، في لوحاته التي قررت أن تعيد البيوت من الإهمال الى نبض الحياة.
وقد يكون في تضوئة هذا الفنان على الأشياء والأماكن المهملة، تضوئة على شعور نفسي داخلي ذاتي كان يشعر به الفنان نفسه في مطلعه حين كان يحسُّ انه مهمل من الآخرين لأنه كان يتعاطى اعمالاً يدوية وضيعة فلا يهتم له الناس ولا يقيمون له أي اعتبار من هنا قرر ان يضيء على المهملات ليعوّض عن الإهمال الذي كان يصفعه في صباه وشبابه، قرر ان يترك بصمة لافتة فيشدُّ الانتباه اليه ويعوض عن سنوات كان فيها لا يثير إنتباه أحد. فكان الفن طريقه الأوسع واختطّ لريشته تقنية لافتةً باختياره المواضيع المهملة وجعلها في الصدارة، فلا تكون لوحته عادية بل واقعاً حقيقياً يمس كل ناظر الى لوحته.
كان الفن إنقاذاً له من ان يواصل إمتهانه اعمالاً عادية (يراها الآخرون وضيعة) مع انه نجح في كل ما قام به (تدريب على الكرة الطائرة والشطرنج والسباحة والبليار). وانتشرت لوحاته، وبدا الفنان متفرداً في اعماله، (البعض اندهش لها والبعض الآخر وجدها لا تخرج عن عمل حرفي تزييني) وما زال يقف أمام الإعلام والصحافة في حيرة التساؤل لأنه يجد الاعلام يسوّق للمعارض التجارية الثرثارة بينما لا يتوقف عند أبواب عتيقة تخبيء خلفها مئات القصص من كل نوع وكل حزن وكل سؤال. وهو يرى بأنّ الفن الأصيل الصادق يمكن ان يكون تجارياً وذا مردود على صاحبه، ولو لم يمشِ صاحبه في«موضة» الرائج.
ومع ذلك، يؤمن بأنّ من كان مخلصاً في عمله لا بدّ ان يصل ولو بقي يعمل في حدود محترفه.
وهي هذه حاله: لا يسعى الى المعارض الكبرى في العاصمة او المدن الكبرى، بل يشارك في معارض جماعية، ويعود الى محترفه المتواضع داخل مدينة جبيل ،عند مدخل القلعة تحت القنطرة التاريخية، بين رفاقه الحرفيين الذين ينتظرون سائحاً من هنا او زائراً من هناك.
وفي المعارض الجماعية، غالباً ما يمر زوار الأجنحة المتعددة، ويتوقفون عند جناح زاخر بالأبواب والشبابيك فيعرفون أنهم امام اعمال اندره كالفايان.
أجنحة الأرز، عدد83، تشرين الاول،تشرين الثاني، 2004