poets-writers

Elia Abu Madi

poet and writer

ايليا أبو ماضي

ولد في المحيدثة – بكفيا (المتن) عام 1894.
سافر الى مصر عام 1902 حيث كان يشتغل في النهار ويدرس في الليل.
عام 1912 سافر الى الولايات المتحدة حيث عمل في التجارة، واشترك في تأسيس "الرابطة القلمية".
له في الشعر: "الجداول"، "الخمائل" و "تبر وتراب".
يمتاز شعره بالسلاسة والمشاعر الانسانية.
توفي في 23 تشرين الثاني عام 1957

العلاقات الاجتماعية

يحتاج الانسان في حياته الاجتماعية الى من يصغي اليه ويفهمه. ولا أحد ينمو بحرية في هذا العالم ويبلغ غايته في النمو اذا لم يشعر أن هنالك على الأقل شخصاً واحداً يفهمه ويحبه. ومن أراد أن يتعرف نفسه بوضوح عليه أن يفتح قلبه لشخص ينتقيه بملء ارادته وحريته، على أن يكون هذا الشخص جديراً بتلك الثقة. ولدى كل منا قدرة عظيمة على الحب وتوق عميق الى أن يحب ويحب. والمحبة تعني تحطيم كل ما يعيق اتصالنا بالآخرين والانفتاح عليهم وقبولهم كما هم. فلا سبيل الى اقامة علاقات اجتماعية سليمة الا بالصدق مع ذواتنا ومع الآخرين حتى تتحقق المحبة فينا فنحيا معاً الحياة الاجتماعية الصحيحة.

المحبة

أيقظ شعورك بالمحبة ان غفا لولا الشعور الناس كانوا كالدمى
أحبب فيغدو الكوخ كوخاً نيراً أبغض فيمسي الكون سجناً مظلماً
ما الكأس لولا الخمر غير زجاجة والمرء لولا الحب الا أعظما
لو تعشق البيداء أصبح رملها زهراً وصار سرابها الخداع ما
لو لم يكن في الأرض الا مبغض لتبرمت بوجوده وتبرما
أحسن وان لم تجز حتى بالثنا أي الجزاء الغيث يبغي ان همى
من ذا يكافىء زهرةً فواحةً أو من يثيب البلبل المترنما؟
يا صاح خذ علم المحبة عنهما اني وجدت الحب علماً قيماً

ايليا أبو ماضي

وجوه وطبائع

ان شخصية الانسان تنضج بما فيها، وتصرفات الفرد وأخلاقه تبني علاقاته الاجتماعية بالآخرين، وتحدد موقعه في محيطه. فمن هذه الأخلاق ما يشرف صاحبها ويجعله مثالاً يقتدي به الآخرون، ومنها ما يسيء الى الشخص نفسه والى مجتمعه فيصبح موضع نقد وسخرية. وبما أن الانسان لا يعيش منفرداً بل هو اجتماعي بالطبع عليه اذاً أن يهذب غرائزه وميوله ويضبط تصرفاته وانفعالاته كي يكون مثالاً صالحاً في مجتمعه. وهل من أمثولة أبلغ تأثيراً في نفوس المتعلمين من تدريسهم نماذج في وصف الطبائع؟ أوليس الاعجاب بالنماذج المثالية كالنفور من النماذج السيئة يحفز الناشىء على تكوين توجهه الشخصي الايجابي؟

التينة الحمقاء

وتينة غضة الأغصان باسقة قالت لأترابها والصيف يحتضر
بئس القضاء في الأرض أوجدني عندي الجمال وغيري عنده النظر
كم ذا أكلف نفسي فوق طاقتها وليس لي بل لغيري الفيء والثمر
اني مفصلة ظلي على جسدي فلا يكون به طول ولا قصر
ولست مثمرةً الا على ثقة أن ليس يطرقني طير ولا بشر
عاد الربيع الى الدنيا بموكبه فازينت واكتست بالسندس الشجر
وظلت التينة الحمقاء عاريةً كأنها وتد في الأرض أو حجر
ولم يطق صاحب البستان رؤيتها فاجتثها فعوت في النار تستعر
من ليس يسخو بما تسخو الحياة به فانه أحمق بالحرص ينتحر
ايليا أبو ماضي 1894م – 1957م

حياته:

ولد ايليا أبو ماضي في المحيدثة بلبنان عام 1894 م وهاجر الى مصر عام 1902 م حيث اشتغل بالتجارة وفي عام 1912 م سافر الى أمريكا الشمالية بعد أن أمضى أكثر من عشر سنوات في مصر. فأقام في مدينة "سنسناتي" أوهايو واشتغل بالتجارة مع أخيه الأديب مراد أبو ماضي. ومن عام 1916 م. انتقل الى نيويورك حيث اتصل بجبران وزملائه نعيمة وعريضة ورشيد أيوب وندرة حداد وكونوا الرابطة القلمية عام 1920 م. عمل محرراً في الصحف مدة عشر سنوات. عمل محرراً في جريدة "زحلة الفتاة" ثم في جريدة "مرآة الغرب".

آثاره: أصدر ديوانه الأول عام 1910 م باسم "ديوان ايليا ضاهر أبو ماضي" بجزأين ثم ديوان "تذكار الماضي" في مصر عام 1911 م تقريباً وهو يحتوي على خمس عشرة قصيدة في مواضيع وطنية ثم توالت دواوينه في المهجر "الجداول" 1927 م و"الخمائل" 1946 م. ثم "تبر وتراب" واشتغل بالصحافة فحرر عشر سنوات في جريدة "مرآة الغرب" ثم أصدر جريدة "السمير" في نيويورك. وكانت من أوسع الصحف انتشاراً في المهجر بدأت شهرية ثم تحولت الى نصف شهرية ثم الى يومية واتخذ مكتباً له في شارع واشنطون حي السوريين في نيويورك وبها توفي عام 1957 م.

شاعريته: لقد اكتملت تجربة ايليا أبو ماضي الشعرية في ديوانه "الجداول" وكان قد قلد في أول أمره الشعر العباسي. وسار في طريق البارودي واسماعيل صبري وشوقي. ثم تخلص من التقليد شيئاً فشيئاً وبدت فلسفته الخاصة ونظراته الاستقلالية الى الحياة مختلفة عن مدرسة المهجر. قلد "الخيام" في قصيدة الرباعيات بقصيدته "الطلاسم" التي عرفت باسم "لست أدري" وهي كبرى قصائده في 284 بيتاً والأسطورة الأزلية 127 بيتاً والسلطان الجائر 79 بيتاً. وبموته انتهت مدرسة المهجر نهاية رسمية.

وقد أحب الطبيعة فهو يناجيها ويناديها ويراها جزءاً من احساسه ولم ينس أن يصور مشاعره ازاء ما قاساه من متاعب الهجرة وعناء العيش وله شعر غزلي يرى فيه المرأة ملهمة توحي بالشعر، كما نظم الخمريات. وهو يؤمن بروحية الشرق وآمن بالأخوة الانسانية وقال: "أنا بالحب قد وصلت الى نفسي وبالحب قد عرفت الله". قال من قصيدة عنوانها: "أيهاذا الشاكي":

أيهاذا الشاكي وما بك داء كيف تغدو اذا غدوت عليلاً
هو عبء على الحياة ثقيل من يظن الحياة عبئاً ثقيلاً.
والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً.
كن هزاراً في عشه يتغنى لا غراباً في الليل يبكي الطلولاً.

فنحن نجد التفاؤل والاقبال على الحياة بشكل لم يعرفه شعر المهاجرة الأمريكي من قبل قال:

كن بلسماً ان صار دهرك علقماً وحلاوة ان صار غيرك علقماً
ان الحياة حبتك كل كنوزها لا تبخلن على الحياة ببعض ما

ويقول في مكان آخر مصوراً مفهومه للشعر.

أنا ما وقفت لكي أشبب بالطلا ما لي وللتشبيب بالصهباء
لا تسألوني المدح أو وصف الدمى اني نبذت سفاسف الشعراء.
لم يفهموا بالشعر الا أنه قد بات واسطةً الى الأثراء

يعد ايليا أبو ماضي صورة صادقة للمدرسة المهجرية في الشعر العربي وثمرة لها. تأثر بالمتنبي والمعري وأخذ من أبي العلاء شكه في أصل الوجود والبعث والنشور. كما تأثر بتشاؤمه ثم تحول عن هذا التشاؤم ودعا الى التفاؤل كما تأثر بالشاعر "أبو نواس". وأخذ عنه وصف مجالس الأنس والشراب. وقد تأثر بمذهب الرابطة القلمية في الشعر. فتخلى عن الطابع الكلاسيكي القديم الذي يهتم بالألفاظ والأوزان أكثر مما يهتم بالمعاني والأفكار. وشغف بشعر الطبيعة والحب والجمال. وتأثر بجبران ونعيمة ورفاقهما. وأبرز خصائص شعر أبي ماضي هو شعر الشك والتفاؤل وهو من الآخذين بنظرية عمر الخيام: التمتع بالحياة قبل غروبها والى التملي من خرير الجداول وأريج الأزهار. ولأبي ماضي ثلاث مطولات شعرية هي الطلاسم والحكاية الأزلية والشاعر والسلطان الجائر.

1- الحكاية الأزلية: تتلخص هذه الحكاية الشعرية في أن الناس قد ضجوا مرة بالشكوى الى الله وودوا لو أعاد تكوينهم من جديد فنزل ذو الجلال على مشيئتهم وهبط يستمع الى شكاياتهم. فالشاب ناقم من شبابه والشيخ من شيخوخته والحسناء من حسنها والدميمة من دمامتها والفقير من فقره والغني من غناه والعبقري من عبقريته والأبله من بلهه ويسمع الله رجاءهم فكان كل واحد كما يشتهي ولكن الحياة هي هي دون جديد

2- الطلاسم: هي مجموعة تأملات متطلعة الى البحث عن الحقيقة يرسلها عقل كبير لا يقنع بالوقوف عند الظواهر والقشور. يبلغ مجموع المطولة واحداً وسبعين مقطعاً وكل مقطع يتألف من أربعة أبيات تنتهي دائماً بعبارة "لست أدري" ويبدؤها بالتساؤل عن الوجود، فهو يسأل البحر والدير والمقابر والقصر الشاهق ونفسه عن مصدر الأفكار والخواطر. قال من قصيدة لست أدري:

كلما أيقنت أني قد أمطت الستر عني.
وبلغت السر سري ضحكت نفسي مني
قد وجدت اليأس والحيرة لكن لم أجدني
فهل الجهل نعيم أم جحيم: لست أدري
انني جئت وأمضي وأنا لا أعلم
أنا لغز وذهابي كمجيئي طلسم
والذي أوجد هذا اللغز لغز مبهم
لا تجادل! ذو الحجا من قال اني: لست أدري

القصة الشعرية عند ايليا أبي ماضي

من أشهر من برع في القصة الشعرية ولا سيما الأسطورية منها ايليا أبو ماضي. فقد امتلأت دواوينه بهذا اللون من الشعر، وبعض قصائده كانت تأتي طويلة منوعة القوافي. وأحياناً منوعة الأوزان أيضاً. مثل "الحكاية الأزلية" و "الشاعر والسلطان الجائر" و "أمنية الهة" و "الشاعر في السماء" و "الأشباح الثلاثة" و" الشاعر والأمة" و "المجنون" و كثير غيرها. وبعضها الآخر كان يأتي مقطوعات قصيرة، فيها الحكمة والعبرة والعظة الأخلاقية أو الاجتماعية. مثل "التينة الحمقاء" و "الضفادع والنجوم" و"الحجر الصغير" و"العير المتنكر" و "الاله الثرثار" وقصائد أخرى متعددة.

فقصيدة "الشاعر والأمة" على سبيل المثال تتألف من 59 بيتاً يتحدث الشاعر فيها عن أمة كانت تعيش في رخاء ومنعة وحرية، في كنف مالك عادل يحب شعبه ويتفانى في خدمته، حتى أوصل شعبه الى أفضل ما تتمناه أمة من العيش الرغيد. ثم مات الملك وخلفه ملك طائش الرأي، أفسدته حاشية سوء لا تحب الخير للشعب، وزينت له آثامه وشروره فركب رأسه ومضى في طرق الغي لا يلتفت الى مصلحة شعبه ولا يعتني بمملكته. وسكت الشعب على شروره فلم يحاسبه حتى استفحل فيهم ظلمه وبطشه، فراحوا يبكون على قبر سلفه العادل الأمين. وفي أحد الأيام مر شاعر بمقبرة البلدة، فرأى شيوخها يبكون عند قبر الملك السابق. فلما سألهم عن سبب بكائهم أجابوه بأنهم يبكون العدل والرحمة والحرية والعزة في ذلك القبر، وشكوا من جور ملكهم الحالي وطغيانه وفجوره وعند ذاك:

هزىء الشاعر منهم قائلاً: بلغ السوس أصول الشجرة
رحمة الله على أسلافكم انهم كانوا تقاةً بررة
ان من تبكونه ياسادتي كالذي تشكون فيكم بطره
فاحسبوا الأدمع في آماقكم واتركوا هذي العظام النخيرة
لو فعلتم فعل أجداد كمو ما قضى الظالم منكم وطره

والعبرة من هذه القصة الشعرية واضحة جداً. فما يمكن أن يطغى ويبغي في الشعب حاكم اذا كان الشعب يعرف حقوقه وواجباته. ويعمل لرفاهية نفسه وعزة بلاده. ويوقف الطغيان والفساد والجور عند حدودهما.

وهكذا نجد العبرة في كل قصة شعرية ينظمها أبو ماضي ونجد مع العبرة ابداعاً في الصياغة الشعرية ومقدرة فائقة في اخضاع اللغة للمعاني الانسانية الجليلة وللأوصاف الطبيعية المدهشة.