الشاعر أحمد زكي أبو شادي
حياته:
ولد في التاسع من شهر فبراير عام 1892م. بحي عابدين من مدينة القاهرة ودخل مدرسة الهياتم "بجهة الحنفي" وهو في الرابعة من عمره. ثم أتم تعليمه الثانوي. ثم التحق بمدرسة الطب ومكث فيها سنة واحدة، وفي هذه السن وقع في غرام زينب ربيبة والده "محمد أبو شادي" التي كانت تعيش معه في سقف واحد. ولكن محبوبته ترفض الزواج منه وتتزوج من رجل آخر. سافر على أثرها الى انجلترا وظل بها من سنة 1912م الى 1922م وتزوج من سيدة انكليزية رافقته فترة طويلة من حياته حتى قبيل هجرته الى أمريكا ووفرت له الجو الملائم الذي أنتج خلاله دواوينه ومؤلفاته، وقد أتم دراسة الطب وتخصص في علمي الأمراض الباطنية والجراثيم وفاز في عامين متواليين بشهادة الشرف وجائزة "وب" في علم "البكترولوجيا" من مدرسة مستشفى سانت جورج احدى مدارس جامعة لندن الشهيرة. وعمل زمنا في تأسيس معهد النحل الدولي عام 1919م ومجلة "عالم النحل" وساهم في تأسيس "النادي المصري" وعمل سكرتيرا له، ثم عاد الى الوطن وعمل طبيبا متنقلا بين القاهرة والاسكندرية والسويس وبور سعيد وظل يعمل في الحكومة حتى أصبح وكيلا لكلية الطب بجامعة الاسكندرية، وفي عام 1941م. هاجر الى أمريكا واستقر بها حتى توفي عام 1955م.
انتخب أستاذا للأدب العربي في معهد آسيا هناك في أمريكا وأسس رابطة أدبية دعيت باسم "رابطة منيرفا" وهي رابطة شعرية أدبية نظمها على غرار جمعية أبولو، ومنيرفا هي الهة الحكمة أسسها مع نعمة الحاج الذي كان رئيسا لها وأبو شادي أمينا للسر وقد ضمت الرابطة عددا من المفكرين العرب والأمريكيين.
آثاره:
1- له ديوان (أنداء الفجر) صدر عام 1910م يحوي مجموعة من شعر الشاعر في طفولته وشبابه، وفيها تمتزج اللهفة المتعطشة بالحزن الأليم، والاحساس الوطني بالأشواق العاطفية.
2- له ديوان (زينب) وهو يمثل مأساة حبه أصدق ثمثيل، فيه غرامه المحروم العاثر صدر عام 1924م.
3- له ديوان (مصريات) يصور فيه عاطفته الوطنية، مجد فيه سعد زغلول مع بعض النظرات السياسية والاجتماعية، وحديث عن الدين والقومية والديموقراطية والحرية والبرلمان، صدر عام 1924 م.
4- له ديوان (أنين ورنين) يمثل فيه صور الشباب من فرح وبكاء وجد وهزل وفكاهة وحكمة وفلسفة وخيال وحماسة وطنية، صدر عام 1925م. فهي تعكس تجاربه وخبراته.
5- له ديوان (رجع الصدى) وفيه نشر وفاءه للشعراء والأدباء الذين يعيش بينهم، فلطه حسين قصيدة ولعبد الرحمن شكري قصيدة وصادق عنبر وفريد وجدي وخليل مطران وغيره.
6- له ديوان (الشفق الباكي) كبير جدا ، يقع في 1336 ص وهو يشتمل على شعر أبي شادي حتى نهاية عام 1927م عكس فيه صورا حية لآرائه ونظراته في الحياة والأحياء والشعر والوطنية والحب والسلام والانسانية والعروبة والكفاح، وكل ما يخطر على البال من قيم وأفكار. صدر عام 1927م
7- له ديوان (مختارات وحي العام) صدر عام 1928 م.
8- (أطياف الربيع) صدر عام 1933 م.
9- (أشعة وظلال) صدر عام 1931م.
10- (الشعلة) صدر عام 1932م.
11- (عودة الراعي) صدر عام 1942م بخمسين صفحة.
12- (أغاني أبي شادي) صدر عام 1933م.
13- (الكائن الثاني) صدر عام 1934م.
14- (الينبوع) صدر عام 1934م.
15- (شعر الريف) صدر عام 1935م.
16- (العباب) صدر عام 1935م.
17- (من السماء) صدر عام 1949م.
18- (أناشيد الحياة).
19- (قطرة يراع).
20- (ايزيس).
21- (النيروز الحر).
22- (الانسان الجديد).
23- (شعر الوجدان).
24- (فوق العباب).
25- وقد أصدر عام 1927م أربع أوبرات هي تجربته في الشعر التمثيلي وهي: 1- احسان 2- أزدشير 3- الزباء 4- الآلهة
وعرف الأوبرا بأنها تلك الرواية الملحنة التي لروح الموسيقى السيادة عليها، وبعبارة أخرى: انها الحكاية الغنائية التي تمثل للذة والاستماع الى غنائها، وألف شعرا بالانكليزية جمع منها.
26- (ديوان أغاني العدم).
27- و (أغاني السرور والحزن).
28- و (أغاني الحب).
شاعريته:
لأبي شادي آراء ومبادىء، هي آراء ومبادىء جماعة أبولو، وحاول في معظم أحاديثه وشعره وتعليقاته أن يثبتها ويدعو اليها، ومن هذه المبادىء:
1- بث فكرة التعاون الأدبي واحتضان المواهب الناشئة والأخذ بيدها.
2- الشاعر عنده موسيقي حساس؛ بعيد النظر، قوي التعبير يتأثر مزاجه بثقافته وبيئته وعالمه.
3- الفن عنده هو البلاغة الرمزية الجميلة، التي تفسح أمامك مجال التأمل وأكبر الذكريات.
4- بث الروح الخلقية المتفائلة.
5- استيعاب العلم واخضاع الشعر له.
6- التجديد في الشعر وادخال قيم فنية جديدة وتشجيع الشعر المرسل والشعر الحر.
" قال وضعت أولى النماذج منه في اللغة العربية" وتنويع الأوزان والابتداع فيها، وادخال الشعر القصصي والتمثيلي في أدبنا الحديث، والدعوة الى التعبير الفطري الطليق للابتكار ولحرية الخيال الفني.
وبعد؛ فزكي أبو شادي ثمرة قوية من ثمار التيارات المختلفة التي سبقته في تيار البعث عند البارودي وشوقي ودعوة مطران، وحركة الديوان عند شكري والعقاد والمازني وقد تأثر بها جميعها، كما تأثر بالمدارس الأصلية التي تأثروا بها. الشعر الجاهلي والشعر العباسي العربي ومدرسة الطبيعة الانجليزية، كما تأثر بكتاب الذخيرة الذهبية الذي قرأه شكري والمازني والعقاد، وقد نظم الشعر في مختلف الفنون "الرومانسي والرمزي والواقعي" ونظم في الوصف والعاطفة والفلسفة. وأنشأ الشعر القصصي والأوبرات، ودعا الى وحدة القصيدة، والى التحرر من القوالب القديمة، والى الصدق في الاحساس والبعد عن الافتعال.
لقد كان منظومه خلاصة المذاهب المتعددة، فقد كتب في كل ألوان الشعر، ونظم بغزارة لا حد لها، فأصدر أكثر من عشرين ديوانا .. وكان عمله الكبير هو انشاء جماعة أبولو واصدار "مجلة" "أبولو" متخصصة للشعر ونقده، وقد أحدثت المجلة والجماعة نهضة وحركة، وأبرزت عددا من الشعراء. ولم يكن لجماعة أبولو مذهب أدبي محدد، وقد حملت مجلتها شعر المحافظين والمجددين على السواء، ولكن أغلب شعر أبي شادي يدور حول موضوعين هما الطبيعة والحب قال:
هتفت بي الأضواء فاستيقظت من نومي على قلق من الأضواء
ونظرت في أفق السماء فلم أجد الا حديث الموج والدأماء
والسحب تجري في اصطخاب الموج لا ترضى بهدأة لحظة لندائي
ناديتها فتلفتت لكنه كتلفت الأطياف للشعراء
فالرجل كان موسوعة شعرية وحياته أيضا كانت موسوعة من التجارب والآلام، بل لعل حياته كانت أكبر من شعره ونثره، لقد كان الرجل يعتقد أنه صاحب رسالة، يعيش من أجلها ويكافح في سبيلها، وكان يحس بهذا احساسا عميقا عبر عنه في قصيدته "قصيدتي الكبرى" التي يقول فيها:
أنا لا ألوم الغافلين اذا أبوا شعري وعابوا روعتي ورواتي
هل يدركون قصيدة لعواطفي وهم الذين أبوا قصيد حياتي
أحيا لغيري والدقائق ملؤها نغمي وملء دموعها أبياتي
ستعيش روحي في جديد دائم للشعر ثم تعيش بعد مماتي
وسندرس شعر أبي شادي من ناحية الوصف ومن الناحية الوطنية والقومية ومن الناحية التأملية ومن الناحية الوجدانية، ثم من ناحية التيار الموضوعي، وهذا يشمل شعره القصصي والمسرحي:
1- الناحية الوصفية:
وهي ناحية متنوعة الأنغام كثيرة. فلقد وصف كل شيء وقع عليه بصره، وكان سريع التأثر سريع لانجاب، كثير التلقي كثير الارسال. ولعل هذه السرعة في الانجاب، قد أفقدته ميزة احتضان التجارب وانضاجها، وهذه ظاهرة عامة في شعر أبي شادي كله. سببه هذا الفيض الزاخر من شعره الوصفي بصفة عامة، وفي ديوان الشفق الباكي بصفة خاصة، وقد تنوع وصفه تنوعا كبيرا وبرزت فيه ملامح جديدة لم نعهدها في الشعر الوصفي القديم فالشاعر لا يكتفي بوصف مظاهر الطبيعة الخارجية ولا يسرد مجالي الجمال فيها وانما يتعمق داخلها ويتأمل العلاقات والظواهر ويخلع أحاسيسه ومشاعره على الطبيعة ، قال من قصيدة "الربيع":
انهض وغرد فأشهى صفوك الآن صفو تهش له حور وولدان
لا تشك من نكبات مر عاصفها فيم الشكاة وقد عفى الأسى الآن
عاد الربيع فعاد البشر وانبجست من الطبيعة أنغام وألوان
وما الربيع سوى روح يجددنا فكل شيء به روح وريحان
ومن معيدي الى الغابات في وطن نأيت عنه وقلبي منه ملآن
كم جولة لي فيها والربيع بها طفل يلاعبني والنور قضبان؟
وفي قصيدة "أوراق الخريف" مزج بين أحزانه وأحزان الطبيعة والتأمل.
هل كان نثرك غير ايذان بعمر قد تقضى
هل كنت الا رمز أحلام نفضن اليوم نفضا
مصفرة شأن الممات بحمرة تحكي النجيع
فكأنما قتلتك أحكام الخريف بلا شفيع
يرثيك قبلي الطير كم أنقذته يافانيه
كم كنت ظلا يتقى فيه العوادي القاسية
ترثيك آلاف الأشعة من غرام كم تجلت
متكسرات في دلال بالزمرد قد تحلت
2- الناحية الوطنية والقومية:
انطلق أبو شادي في ميدان الوطنية انطلاقا كبيرا ولا يخلو ديوان من دواوينه من النفحات الوطنية والاجتماعية والملحوظ في هذا الشعر أنه مجرد من التحزب للأشخاص ووجهته الوطن والشعب وفي سبيلهما قرع كبار الرجال دون خشية، وسجل في شعره أحداث مصر والأمة العربية.
فهناك قصيدة "مصر للحضارة":
بنينا للحضارة ما بناها فصار الكون وضاء غنيا
وهناك قصيدة "الحكم الدستوري" و "اضطهاد الرأي" و"الطيار المصري" و "صورة الرئيس" و "وطن الفراعنة" وغيره كثير وعاش أيضا مع العرب يسجل أحداثهم قال من قصيدة "كارثة دمشق" عام 1925م.
ريعت لنكبة مجدك الأحلام وبكاك باسم فخاره الاسلام
يا درة الشرق الشقي بملكه أبدا يحاول نهبك الظلام
ضرجت بالدم في مقام قدره ان يستقر- محبة وسلام
وصور وحشية الفرنسيين في أسر الأمير عبد الكريم الخطابي في قصيدته "الأسدالأسير"
أكذا تروع مصائب الأبطال أكذا تهول مصارع الآمال
أكذا تكون بك الهزيمة نصرة لمطامح الجيل الأبي التالي
3- الناحية التأملية:
يبدو في هذه الناحية تجديد أبي شادي ونلمح عنده كثيرا من المعاني المبتكرة والألفاظ الجديدة. وقد واصل السير في طريق شكري والعقاد والمازني في هذه الناحية فنجد عنده الشعر الصوفي والفلسفي وشعر الشك بالقيم من تأمل في الوجود والعدم كما في قصيدته "أقصى الظنون".
أقصى الظنون وجودي أصله العدم ومن عجيب وجودي ليس ينعدم
في ذمة الصامت الماضي البعيد وما تخفى العصور هدى هيهات يغتنم
مرت ملايينها لمحا كثانية وخلفت حيرة كبرى لمن فهموا
ما الخلق ما هذه الدنيا ومنشؤها؟ ما الفكر؟ ما الجوهر الباقي؟ وما العدم؟
ونجد في شعره هذا الانفعال الحار الذي يجعل القارىء ينفعل بها بصرف النظر عما تحويه من معان وأفكار قد نخالفه فيها وتأمله يخلو من الجفاف العقلي الذي كنا نجده عند الشعراء السابقين كالعقاد والزهاوي ألخ.
4- الناحية الوجدانية:
يستأثر هذا النوع بمعظم انتاج أبي شادي الشعري، بل نستطيع أن نطلق على شعره كله هذا الوصف. فهو حزين دامع، يمزج الحب بمجموعة من الخواطر الفلسفية وله ديوان بأكمله يسمى شعر الوجدان وفيه قصيدة "ساكنة الرمل":
يا من جعلت الرمل جنات الهوى أعلمت أني من بعادك مجدب
وافى كتابك يا حياتي مثلما وافى الجديب الروض غيث صيب
فنمت بذور للغرام أمينة تهفو لنور من جمالك يرقب
وأبو شادي قد برع في هذا اللون من الشعر حتى لينظمه استجابة للمهارة والقدرة اللغوية.
5- التيار الموضوعي:
ويشمل هذا التيار: 1- شعره القصصي 2- وشعره المسرحي. ولعل من أهم قصصه الشعري: "قصة عبده بك" صور فيها مآسي الزواج ومهازله في ظروفه. فعبده بك تزوج ثلاث زيجات اثنتان مصريتان وواحدة أجنبية فشل في الأولى لسوء الاختيار فوقع في شرك ماري فتزوجها ولكن الشقاق هدم بيت الزوجية الثاني. حتى نعم بزوجته الثالثة التي عاش معها بقية حياته.
وأما شعره المسرحي فتمثله مسرحياته "احسان" و "الآلهة" و"أزدشير" و"أخناتون" و"الزباء ملكة تدمر" و"بنت الصحراء" فاحسان فتاة تحب ابن عمها أمين بك ولكن أمين يذهب الى الحبشة في حملة الجيش المصري هناك وتموت احسان. والزباء قصة ملكة تدمر التي حاربها بلينوس انتقاما منها لأنها رفضت الزواج منه و "الآلهة" أوبرا رمزية حيث تهب الهة الجمال والحب لنجدة الشاعر من الهة الشهوة والقوة. و"أزدشير" ابن ملك الفرس أحب حياة النفوس ابنة ملك العراق وتزوج منها بعد صراع عنيف.
كلمة في شعره:
كان أبو شادي قلقا مضطرب النفس والأعصاب لا يستقر عند شيء ولهذا أصيب باضطراب في عملية الخلق الشعري، فنجد عنده المعاني الجديدة والألفاظ الجميلة ولكنك تشعر بأن هناك شيئا ينقصها هو جوهر الشعر الذي يكسبها الانفعال العميق والقدرة على التأثير. ولعل السرعة هي التي جعلته يخرج تجاربه في عجلة دون تفكير عميق واضطرابه العصبي الذي أفقده التركيز الفني.
بعض مراجعه: 1- عبد العزيز الدسوقي: جماعة أبولو وأثرها في الشعر الحديث. 2- أنور الجندي: مقال له في مجلة الأديب اللبنانية مجلد 1960 م وكمال نشأة: لمحات من حياة أبي شادي مقال في مجلة الرواد الليبية عدد أكتوبر 1965. 3- أنور الجندي: الشعر العربي المعاصر. 4- عبد المنعم خفاجي: رائد الشعر الحديث. 5- عبد المنعم خفاجي: دراسات في الأدب والنقد. 6- محمد عبد الغني حسن: الشعر العربي في المهجر. 7- مصطفى عبد الله السحرتي: كتاب الشعر المعاصر على ضوء النقد الحديث وكتاب شعراء مجددون. 8- كمال نشأت كتاب أحمد زكي أبو شادي حياته وشعره رسالته للدكتوراه.