يوسف حبشي الأشقر
سيرة حياة
ولد يوسف حبشي الأشقر عام 1929 في بيت-شباب ، ضيعة الفخّار و الديما و الأجراس في المتن . والده أميل حبشي الأشقر ، صحافي و أديب ، صاحب جريدة النتيجة ( من سنة 1912 إلى 1915 ) و مجلّة الليالي ( من سنة 1929 إلى 1947 ) و مؤلف أكثر من ثلاثين كتاب حول تاريخ العرب ما قبل الإسلام و بعده .
تعلّم في مدرسة "الناشئة الوطنية" في بيت-شباب من سنة 1934 إلى سنة 1941 و كان صاحبها و مؤسسها الأديب جورج مصروعة .
بعد سنة 1941 ، انتقل إلى مدرسة القديس يوسف للآباء اليسوعيين و بقي فيها حتى سنة 1948 .
سنة 1951، نال شهادة الحقوق من جامعة القديس يوسف لكنه لم يكتفِ فتابع دروسه الجامعية في الأكاديمية اللبنانية حيث نال سنة 1951 شهادة في الفلسفة العامة و المنطق و أخرى في تاريخ الفلسفة .
لم يمارس الحقوق رغم الشهادة التي كانت بحوذه، كما رفض منصب القاضي الذي عُرض عليه "على طبق من فضّة" كما كان يقول لأن همّه الوحيد آنذاك كان الكتابة . فراح يمارس الصحافة الأدبية فيكتب" أشعاراً حرّة " و قصصاً قصيرة و مقالات عن كتب في مجلات عدّة ، أبرزها : مجلة الحكمة و مجلة الأجيال الجديدة و ملحق النهار الأدبي.
سنة 1958 تزوج من سيلفي الغزال . أولاده : أميل ، مايا و مارييل .
سنة 1952 صدر كتابه الأول : "طعم الرماد" و هو مجموعة قصص بدأ بها يوسف حبشي الأشقر بعد أن أقلع عن كتابة الشعر الحرّ بايعاذ من الكاتب والصديق فؤاد كنعان.
سنة 1955 صدر كتابه الثاني عن دار المكشوف :" ليل الشتاء" و فيه قصص أربع ، محتواها أن لا عناية الهية في الدنيا و لا قدر مكتوب و لا رعاية لهذا العالم و لا للأنسان ، بل كل ما يحصل هو من باب الصدفة ... و قد نال هذا الكتاب جائزة " يوسف اسكندر نصر " باشراف جمعية أهل القلم .
سنة 1956 صدر كتابه الثالث :" شق الفجر" و فيه زوال نوع معين من الحضارة التي تؤمن بالقلم و المعرفة و لا تصل في نهايتها بالإنسان إلا إلى فقدان الله و بالتالي إلى التعاسة الفكرية.
عن هذه الكتب الثلاثة سيقول يوسف حبشي الأشقر فيما بعد ، أثناء طاولة مستديرة نظمتها حركة أنطلياس الثقافية سنة 1992 ما يلي : " ... لم أتنكّر أبداً لكتاباتي الأولى أو لِما نشرت، و لن أتنكر لها يوماً ... لكنني اليوم، عندما يحدث لي أن أعود إليها، لا أخفي أنني في عمق أعماقي أضحك ! أما عندما أقرأ كل ما كتبت لاحقاً، فصدقوني، ما عدت أضحك !"
سنة 1963 صدر كتابه الرابع عن مطبعة المخلصيّة :" الأرض القديمة" و هو مجموعة قصص نال جائزة أصدقاء الكتاب . أربع قصص عن أربع شخصيات في الضيعة كانت موجودة عن حق و كان هو يعرفها عن قرب و قد ساعده خلقها من جديد على المصالحة نسبياً مع الضيعة و مع بعض الأمل. و لا زال كل من "خطيب الضيعة " و " راحيل " ملتصقين باسم الكاتب التصاقاً شديداً منذ صدور هذا الكتاب . مع " الأرض القديمة " دخل اسم " كفرملات " مؤلفات يوسف حبشي الأشقر المتبقية جميعها و هو الاسم الذي اختلقه للضيعة التي نجدها في جميع مؤلفاته.
سنة 1964 صدر كتابه الرابع عن المكتبة العصرية:" أربعة أفراس حمر" و هو نقلة نوعية من القصة القصيرة إلى الرواية و الجزء الأول من ثلاثية ستستغرق كتابتها ثلاثين سنة. هذا الكتاب هو قصة جيله و الجيل الذي سبقه بقليل و الذي خسر نفسه في الحضارة الجديدة و لم يستطع أبداً أن يسترجعها و لا رضي بخسارتها و لا استطاع أن يعوّض عنها في أي من المجالات لأنه كان قد فقد المقدّس فيه أي المطلق الإيماني . أربعة أفراس حمر رواية ستباشر بتكريس يوسف حبشي الأشقر كأحد روّاد الرواية الحديثة.
سنة 1971 صدر كتابه الخامس عن دار النهار: "لا تنبت جذور في السماء" و هو الجزء الثاني من الثلاثية المذكورة أعلاه و محطة كتابية و فكرية مهمة إذ كانت بمثابة الحشرجة الأخيرة مع الأيمان و الله و المطلق و نهاية التمزق و التفتيش و بداية الاستسلام الأكبر.
سنة 1981 صدر كتابه السادس عن دار النهار:" المظلة و الملك و هاجس الموت" و هو كتاب يصعب تحديده إذ أنه لا يصنف لا بالرواية و لا بالقصص و يشكّل علامة فارقة جداً إن من ناحية الأسلوب القصّي أو من ناحية المضمون. و يقول يوسف حبشي الأشقر..." إن هذا الكتأقربها، أحب الكتب إليه و أقربها ، و قد غاب العقل عنه و طلع كالصلاة اللاعنة "... كتبه عندما هرب من بيروت إلى الضيعة بسبب الحرب ظناً منه أن في الضيعة بعض العلاج و أول طريق المصالحة مع الذات . لكن الحرب كانت في الضيعة أيضاً ، ليس حرب القنابل و النار فقط بل حرب التكاره و انشطار الذات على الصعيد الجماعي و الاجتماعي و الفردي و الديني ... هذا الكتاب هو شهادة قام بها ضد الحرب اللبنانية التي لم يؤيدها يوماً ، هو قصة الملك – الكاتب – الذي يُنتزع منه عرشه عندما تتمزق مظلة القناعات و الآمال فجأة و تنسج أشلاؤها هاجس الموت .
سنة 1983 صدر كتابه السابع عن المكتبة الأهلية : "وجوه من الأرض القديمة" و هو مجموعة قصص ريفية قد تكون من اكثر كتاباته قسوة عن بشر و مجتمع اكتشفهم أثناء سكناه الضيعة و زادت ملامته و عتبه عليهم و يأسه من العودة إلى مكان الصفاء و السلام الذي تخيّله في " شق الفجر و الأرض القديمة " و الذي ظن يوماً أنه ربيعاً جديداً لدنيانا . كتبه و كأنه ينتقم لبراءته التي كتبت " الأرض القديمة " و طُعنت في مثاليتها... غير أنه و في السنة التي تلت 1984، أصدر كتابه الثامن عن المكتبة الأهلية : "آخر القدماء" و هو مجموعة قصص ريفية أيضا ، رجع فيه إلى اللجوء فكرياً و نفسياً في عملية حنين واسعة وعميقة إلى الضيعة التي عرفها وهو طفل و التي عرفها أجداده و آباؤه من قبله . و كأنه فيه يستحضر بركة من القدامى تغفر للحديثين خطاياهم .
سنة 1989 صدر آخر كتاب له عن دار النهار: " الظل و الصدى " و هو الجزء الثالث و الأخير للثلاثية التي بدأت "بأربعة أفراس حمر "و" لا تنبت جذور في السماء". هذه الرواية كانت محاولة لخلق الرواية الشاملة التي هي حلم كل روائي و التي فيها ينتهي جيله المتصل بمئات السنين من الجذور و التشبث بالبقاء و هي أول محاولة له في الرواية الشاملة و أول محاولة غوص في شطر من الوطن هو شطر مجتمعي.
بعد صدور رواية "الظل و الصدى " أعلن يوسف حبشي الأشقر أنها آخر ما يكتب لشعور في داخله أنه قال كل ما لديه و لأن الكتابة عمرها لم تكن بالنسبة له لا سلوى و لا وسيلة عيش بل كانت طريق و شغف و اقتناع ، تراءى له بعد هذه الرواية أنها انتهت.
" انتهت حربي مع الكلمات " قال ، " اليوم أنظر إلى زهرة الدرّاق وورقة الإيجاص و المارغريت ..."
كان له أيضاً مسلسلات تلفزيونية عدة :
• "الضيعة بألف خير" كتبه لتلفزيون لبنان سنة 1971
• "وجوه " كتبه للمحطة اللبنانية للإرسال LBC سنة 1984
• " حسون " كتبه للمحطة اللبنانية للإرسال LBC سنة 1985
• " مبارك " كتبه للمحطة اللبنانية للإرسال LBC سنة 1986
• " ميليا " كتبه لتلفزيون لبنان سنة 1987
توفي في 5 آب سنة 1992 إثر نوبة قلبية صاعقة . بعد نضال فكري دام زهاء 40 سنة مع الموت ، قال في حديث أخير له لجريدة النهار : " لطالما كنا أنا و الموت عدوّان لدودان ، أما اليوم فقد روّضته ... لا أخاف الموت لكنه سيأخذني عنوة “...
شهادات:
• نجيب محفوظ لمجلة الحوادث :
" ...و أعجبتني مؤخراً عندكم في لبنان رواية " لا تنبت جذور في السماء " ليوسف حبشي الأشقر"...
• اميلي نصرالله في مقال حول كتاب " لا تنبت جذور في السماء " :
" ... يسجل الأشقر في روايته هذه قفزة بعيدة في مسيرة الرواية اللبنانية المعاصرة.... و يكون الأشقر عبر روايته هذه، قد طرق أبواب الرواية العالمية، مستخدماً وسائل جديدة إن في الأسلوب أو اللغة..."
• أنسي الحاج في مقال حول كتاب "أربعة أفراس حمر":
" ... اكتشفت حالي أقول في النهاية و بكل بساطة أن هذا العمل عمل ضخم. و لم أتبرع بالوصف من بيت أبي . فقد بنى يوسف حبشي الأشقر في هذا الكتاب، عالماً من النماذج البشرية الحادة، الممتلئة، الحقيقية...عمل روائي ضخم كهذا، هو، بعد كل شيء، أهم رواية لبنانية ظهرت منذ خمس سنوات..."
• توفيق يوسف عواد خلال نقاش في "نادي القصة " حول كتاب "الأرض القديمة":
" ... أحسست و أنا اقرأ هذا الكتاب أن يوسف حبشي الأشقر قد قبض بأصابعه العشر على شيء بقي تحت قلمي و قلم سواي، مجرد فكرة مبهمة و هيكل لا حياة فيه..."
• يوسف غصوب في رسالة ليوسف حبشي الأشقر نشرتها إحدى الصحف حول كتاب "الأرض القديمة" :
"... و قد برعت في تصوير هذه الشؤون براعة تغبط عليها على رصانة رفعت المستوى في لبنان... في الأرض القديمة ، متعة للأدباء المثقفين الذين لا تبهرهم فخفخة الألفاظ و فخامة الإنشاء و الجمل الطويلة الفارغة ، بل يأنسون إلى البساطة و الدقة في التعبير التي تعطيك صوراً بارزة متحركة تطغى على حروفها ...لا اكتمك أن كتابك يمسك القارئ و لا يدعه إلا بعد آخر سطر منه وآمل أن يكون فاتحة لصنيع أدبي ضخم ..."
• الياس خوري في مقال حول كتاب "المظلة و الملك و هاجس الموت" :
" ... فهذا الروائي اللبناني الكبير ،الذي كان من أوائل الذين أسسوا لرواية عربية جديدة و مختلفة ، يعلن في شهادته عن الحرب و فيها ، موت الإنسان الذي بحثت عنه المرحلة طويلاً، يعلن و بأسلوب متميز و رؤيا نافذة و سيطرة كاملة على أدواته ، أن الشهادة في هذا الزمن لا بد و أن تمتزج بالشاهد و أن جسد الكاتب يصبح اليوم ، هو الورقة الأولى التي نكتب فوقها الكلمات ..."