الجاحظ - أبو عثمان (عمرو بن بحر بن محبوب الكناني البصري) - Al Jahiz
الجاحظ – مختارات - اختيار وتقديم لجابر عصفور
التراث الثقافي اللا مادي
كلنا مدركون للضرورة الملحة لحماية أفضل للتراث اللامادي العالمي من أجل تأمين بقائه واعلاء قيمته. وتنبع هذه الضرورة بشكل أساسي من الميزة الخاصة التي يتصف بها هذا التراث، التي تشمل السمات الأكثر أهمية، ولكن الأكثر قابلية للانجراح من الثقافة والمأثور الحي، والمتجسد غالبا في الحياة الروحية، والمعرفة، والمهارة وفي ممارسات فرد من الأفراد أو جماعة من الجماعات.
ومن البديهي أن تكون أشكال التعبير التقليدية لمجتمعات عديدة قد باتت مهددة أكثر وأكثر بالعولمة. ان منحى الأحادية الثقافية في كثير من ميادين الحياة المعاصرة يهدد بالحاق ضرر بصميم أشكال التعبير الثقافية التي يتميز كثير منها بالفرادة. والحال أن انقراض هذا التراث يعني افقار التنوع الثقافي في عالمنا.
من الملح والمستعجل حماية التراث الثقافي اللامادي واحياؤه، وعلى كل حكومة أن تتخذ الاجراءات الضرورية لهذا الغرض. وتلعب اليونسكو- وهي المنظمة الوحيدة في منظومة الأمم المتحدة المخولة بمهمة ثقافية - تلعب منذ أمد بعيد دورا رائدا في هذا المضمار. فباعتبارها مختبر أفكار، وحافز تعاون دولي ومركز تبادل معلومات، يتعين عليها أن تستبق الأسئلة الكبيرة التي تطرح نفسها في مجال اختصاصها، وأن تقترح حلولا ، وذلك لأن عملها بهذا الخصوص يندرج في منظور معياري.
ان الأداة المعيارية الدولية المقترحة تمثل الوسيلة الأكثر فاعلية لتشجيع الدول على الشروع عاجلا في أعمال تهدف الى حماية التراث اللا مادي: وتشكل الاتفاقية حول التراث العالمي مثالا مقنعا بهذا الخصوص. وسأقدم في الدورة القادمة للمجلس التنفيذي في أيار – حزيران، دراسة تمهيدية حول امكانية تنظيم أو تقنين حماية هذا التراث بواسطة أداة كهذه. ومن المؤكد أنه يعود الى الدول الأعضاء تبني- أو عدم تبني- ذلك على المستوى الوطني، ولكن من واجبنا نحن، أن نزودها بالأسس القويمة لتأمل مستنير حول المسائل أو الأسئلة المطروحة.
ان أول مسألة أساسية ينبغي حلها هي مسألة المصطلحات. فمن أجل القيام بمحاولة لضبط تحديد ميداني جديد لمصطلح "تراث ثقافي لا مادي"، ينبغي على (الطاولة المستديرة) أن تبدأ بنقاش معمق حول هذه النقطة الجوهرية. ويتعين عليها أولا أن تفحص المصطلحات والتعريفات الميدانية التي تستخدمها الدول الأعضاء حاليا ، وكذلك المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية الحكومية العاملة في هذا الحقل، وأن تحاول مراجعة المصطلحات المتعلقة بالتراث الثقافي اللا مادي المستخدم في (توصية) عام 1989، ثم أن تأخذ بنظر الاعتبار "الدراسة التمهيدية حول امكانية او مناسبة تشريع - على المستوى العالمي - يتم بواسطة أداة معيارية جديدة، بغية حماية الثقافة التقليدية الشعبية"، والتي أجريت حديثا بناء على طلب من اليونسكو، قبل الشروع أخيرا في وضع تحديد ميداني يمكن لليونسكو أن تتبناه.
وستكون هذه الأعمال وهذه الاستنتاجات ذات أهمية كبرى للمختصين بالقانون الذين سيجهدون لتحديد المصطلحات والتعريفات التي ستعتمد لوضع أداة قانونية جديدة.
وكما تعلمون، فان هذا التراث واسع، وان كثرة تعبيراته كاللغة أو القيم أو المهارات التقليدية تشترك في جوهر الهوية الثقافية ذاته وفي نمط الحياة. ولا بد لأي تعريف ميداني للتراث الثقافي اللا مادي، مقبول من لدن اليونسكو أن يشمل المناحي التي تضطلع فيها المنظمة - عن طريق برامجها وأنشطتها - بدور رائد وحيث يكون بوسعها أن تلبي - بأقصى ما يمكن من الخبرات ومن المزايا المقارنة - الاحتياجات المستجدة في العالم المعاصر، مع قيامها في الوقت ذاته بمهامها المحددة.
ان هذه الطاولة المستديرة تمثل لحظة كبرى وهامة من عمل اليونسكو لصالح التراث اللا مادي؛ انها ثمرة عشرين عاما من البحوث والأنشطة الهادفة لتشجيع الحفاظ على هذا التراث ولنشر الوعي حول أهميته. لقد استلزمت (توصية) عام 1989 ست عشرة سنة من التحليل الصارم الدقيق ومن النقاشات الطويلة بين خبراء الدول الأعضاء قبل تبنيها واقرارها في الدورة الخامسة والعشرين من (المؤتمر) العام لليونسكو. وبعد ذلك، كان (المؤتمر) الدولي لعام 1999، المنظم بالشراكة من قبل اليونسكو ومؤسسة سميثسونيان بواشنطن، والموسوم: "تقويم عالمي لتوصية عام 1989 حول الحفاظ على الثقافة التقليدية والشعبية"، كان نتيجة ثماني حلقات دراسية اقليمية نظمتها اليونسكو من أجل تقويم بمنهجية لاستخدام (التوصية) والوضع الحالي فيما يخص الحفاظ على التراث اللا مادي واحيائه.
في عام 1998 أطلقت اليونسكو برنامجا جديدا لاعلان روائع التراث الشفوي واللا مادي للبشرية. وبعد نجاح (قائمة) التراث العالمي، يهدف هذا البرنامج للفت انتباه الدول الأعضاء حول تراثها الثقافي اللا مادي. وهو بالنسبة الى اليونسكو وسيلة تشجيع الدول الأعضاء للقيام بجردة لتراثها الثقافي اللا مادي ولمساعدتها في وضع استراتيجيات من أجل حمايتها.
وسيسمح أيضا بوضع واعداد قائمة بالتراث اللا مادي العالمي من أجل الحفاظ عليه واعلاء شأنه، على أن تتولى اليونسكو تقديم المساعدة الفنية والمالية اليه.
ويفيد هذا البرنامج أيضا في الوصول الى وعي أفضل لأهمية وقيمة التراث الثقافي اللا مادي في تنوعه وفي تجنيد وتحشيد المجتمع الدولي لصالح دعمه والحفظ عليه، والواقع أن قيام أربعين دولة عضوا بتقديم ملفات ترشيح لوضعها في هذه القائمة، لهو أمر مشجع، باعتبار أنه يشهد على اهتمامها المتزايد ومصلحتها ازاء هذا البرنامج وفوائده.
تعريف: هو محصلة الابداعات المنبثقة عن جماعة ثقافية قائمة على التقاليد معترف بها كانعكاس لآمالها، تعطيها مجموعة أو أفراد، شكلا تعبيريا عن هويتها الثقافية والاجتماعية كقيم وصيغ منقولة، شفاها عبر المحاكاة، أو بطرائق أخرى. وهي تشتمل على: اللغة، الأدب، الموسيقى، الرقص، الألعاب، الأساطير، التقاليد، الطقوس، المهارات الحرفية، الهندسة المعمارية وفنون أخرى. بالاضافة الى الأشكال التقليدية للاتصال والاعلام.
كويتشيرو ماتسورا - المدير العام لمنظمة اليونسكو
مقتطفات من الكلمة التي ألقاها السيد كويتشيرو ماتسورا مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في توران- ايطاليا، 14 مارس/ آذار 2001.
الجاحظ
أبو عثمان (عمرو بن بحر بن محبوب الكناني البصري) أعظم نابري العصر العباسي وأكثر بلغائه تصنيفا وكتابة وأبرأ. جمع بين علوم الأوائل والأواخر، وأتقن رواية أهل النقل ودراية أهل العقل، وانحاز في كتابته الى العقل الذي رآه حجة الله على خلقه، وسبيلهم الى صنع حياتهم بارادتهم الحرة، فمضى في طريق علماء الكلام الذين وصفوا بأنهم فرسان العقل، وأن ما يحسنونه من علوم الدين في وزن ما يحسنونه من معارف الفلسفة، واختط لنفسه سبيلا بينهم، مجتهدا لا متبعا ، فتميز بآراء نسبت اليه، وجماعة تحلقت حوله تحت مسمى: "الجاحظية". وكانت كتابته الابداعية الوجه الآخر من كتابته الفكرية، اعلاء من شأن العقل الذي يبتدع لغاته الكاشفة عن وعوده، واحتفاء بالجذور العربية الأصيلة المنفتحة على كل جديد يضيف اليها بالقدر الذي تضيف اليه، وتأكيدا للمعنى الانساني الذي فتح أفق الهوية على علوم وفنون المعمورة البشرية بأسرها دون تعصب أو تحيز، ومن غير اتباع أو تقليد، طلبا للحكمة التي هي - كالمعرفة والفن - ضالة المؤمن. وكان ذلك تجسيدا لحلم التنوع البشري الخلاق، وسعيا الى تتميم ما لم يقل فيه السابقون على مجرى عادة اللسان وسنة الزمان وخصوصية المكان.
ولد الجاحظ بمدينة البصرة، موطن المعتزلة، حوالي سنة 150ه (=767م). وأفاد من انفتاح علمائها على معارف الدنيا القديمة التي أصبحت ميسورة لأمثاله باللسان العربي. وأكسبه نهمه المعرفي المذهل صفة الموسوعية التي دفعته الى الكتابة في كل مجال، كما لو كان حريصا على أن يستحضر في كتبه ورسائله كل ما في الدنيا حوله، وكما لو كان يريد لكتاباته المتنوعة الى درجة غير مسبوقة أن تكون مرايا متغايرة الخواص، ينعكس عليها التعدد اللانهائي لحضور الانسان في الكون، ذلك الحضور الذي يجعل من الانسان العالم الأصغر الذي ينطوي على العالم الأكبر. هكذا، كتب عن معنى التوحيد والعدل وحجج النبوة ونظم القرآن، كما كتب عن النخل والزرع والمعادن وأنواع الحيوان، وعن تعدد الأجناس الموجود في زمنه (الترك، والسودان، والهند والسند، والفرس) وتعدد اتجاهات الفكر (الشيعة بعامة والزيدية بخاصة، والرافضة، والخوارج، والعباسية، والعثمانية) وعن الحرف والطوائف (المعلمين، والكتاب، والصناع، والزراع، والقيان، والجواري، والخصيان) وعن العوائد والأخلاق والملامح النفسية للنماذج والأنماط البشرية، فكتب عن الحب والعشق، الكره والحسد، الجد والهزل، المعاد والمعاش، فضلا عن محبة الأوطان. ولم تفئه الكتابة عن النبيذ أو رواية الملح والنوادر بلهجاتها، واصلا ما كتبه عن الغلمان بما كتبه عن البخلاء، غير مفلت حتى لصوص الليل ولصوص النهار، بل البرصان والعرجان والعميان، من مرايا رسائله وكتاباته التي انعكس عليها كل شيء في زمنه.
ولذلك تعددت الصفات الفنية لكتابة الجاحظ التي تجاورت فيها المتعارضات، فجمعت ما بين الايجاز والاطناب، لحن العامة وفصاحة الخاصة، التوفر على الموضوع الواحد والاستطراد، الاستنباط والاستشهاد، القياس المنطقي والانطباع الذاتي، الرصانة الجهمة والسخرية التهكمية، الرواية والمعاينة، السرد والحكاية، التجريد والتصوير الحسي. وكانت هذه الصفات، في اختلافها وتعارض لوازمها، نتيجة طبيعية للآفاق الموسوعية الرحيبة التي انطلقت منها كتابة الجاحظ، سواء في تعدد أدوارها الفكرية والاجتماعية والسياسية، أو تعدد جوانبها الابداعية التي اتسعت بحدقتي عينيه الجاحظتين اللتين لم تتوقفا عن التحديق في علاقات عصره المتشابكة الى أن توفي في شهر المحرم سنة 255ه (=868-869 ميلادية) تاركا ترابه العظيم الذي نقدم أقل القليل من نماذجه.
جابر عصفور
رسوم هذا الكتاب
من أجمل آثار المخطوطات المصورة الباقية من العصر المملوكي قسم من مخطوطة مصورة لكتاب "الحيوان" للجاحظ، رسمت في مصر أو سورية، في الربع الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي. وتتسم رسوم هذه المخطوطة بفرادة الأسلوب وبقدر كبير من الاستقلال عن أساليب الرسوم غير العربية، كما تتميز بالفخامة والكرم وبراعة التعبير عن السمات الخاصة لكل من الكائنات المرسومة. وتعكس الرسوم واقعية ممزوجة بالزخرفة والأناقة.
ورغم جمالها الفريد، لا تتمتع هذه المخطوطة الجميلة بشهرة واسعة مقارنة ببعض المخطوطات العربية المصورة الأخرى، وهي المخطوطة المصورة الوحيدة المعروفة لأحد كتب "الجاحظ"، ولذا اخترنا بعض رسومها لهذا الكتاب. وقد تمت معالجة الرسوم، واقتطاف بعض تفاصيلها وأجزائها وتكبيرها باستخدام التقنيات الحديثة، وحسب ما اقتضاه النص وتصميم الكتاب. المخطوطة محفوظة في دار كتب الأمبروزيانا بميلانو، تحت رقم 1.، 10. ف.د. 14، وقياس صفحتها 116×189 ملليمترا .
محيي الدين اللباد
الجاحظ - مختارات
الى القارىء: جعلت فداك. انما اخرجك من شيء الى شيء، وأورد عليك الباب بعد الباب، لأن من شأن الناس ملالة الكثير، واستثقال الطويل وان كثرت محاسنه وجمت فوائده. وانما أردت أن يكون استطرافك للآتى قبل أن ينقضي استطرافك للماضي؛ ولأنك متى كنت للشيء متوقعا ، وله منتظرا ، كان أحظى لما يرد عليك، وأشهى لما بهدى اليك. وكل منتظر معظم، وكل مأمول مكرم.
كل ذلك رغبة في الفائدة، وصبابة بالعلم، وكلفا بالاقتباس، وشحا على نصيبي منك، وضنا بما أؤمله عندك، ومداراة لطباعك، واستزادة من نشاطك. ولأنك على كل حال بشر، ولأنك متناهي القوة مدبر.
"الجاحظ"
الانسان - تسمية الانسان بالعالم الأصغر
أو ما علمت أن الانسان الذي خلقت السموات والأرض وما بينهما من أجله كما قال عز وجل: سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه انما سموه العالم الصغير سليل العالم الكبير، لما وجدوا فيه من جميع أشكال ما في العالم الكبير، ووجدنا له الحواس الخمس ووجدوا فيه المحسوسات الخمس، ووجدوه يأكل اللحم والحب، ويجمع بين ما تقتاته البهيمة والسبع، ووجدوا فيه صولة الجمل ووثوب الأسد، وغدر الذئب، وروغان الثعلب، وجبن الصفرد، وجمع الذرة، وصنعة الشرفة، وجود الديك، والف الكلب، واهتداء الحمام. وربما وجدوا فيه مما في البهائم والسباع خلقين أو ثلاثة، ولا يبلغ أن يكون جملا بأن يكون فيه اهتداؤه وغيرته، وصولته وحقده، وصبره على حمل النقل، ولا يلزم شبه الذئب بقدر ما يتهيأ فيه من مثل غدره ومكره، واسترواحه وتوحشه، وشدة نكره. كما أن الرجل يصيب الرأي الغامض المرة والمرتين والثلاث، ولا يبلغ ذلك المقدار أن يقال له داهية وذو نكراء أو صاحب بزلاء، وكما يخطىء الرجل فيفحش خطاؤه في المرة والمرتين والثلاث، فلا يبلغ الأمر به أن يقال له غبي وأبله ومنقوص.
وسموه العالم الصغير لأنهم وجدوه يصور كل شيء بيده، ويحكى كل صوت بفمه. وقالوا: ولأن أعضاءه مقسومة على البروج الاثنى عشر والنجوم السبعة، وفيه الصفراء وهي من نتاج النار، وفيه السوداء وهي من نتاج الأرض، وفيه الدم وهو من نتاج الهواء، وفيه البلغم وهو من نتاج الماء. وعلى طبائعه الأربع وضعت الأوتاد الأربعة.
فجعلوه العالم الصغير، اذ كان فيه جميع أجزائه وأخلاطه وطبائعه. ألا ترى أن فيه طبائع الغضب والرضا، وآلة اليقين والشك، والاعتقاد والوقف وفيه طبائع الفطنة والغباوة، والسلامة والمكر، والنصيحة والغش، والوفاء والغدر، والرياء والاخلاص، والحب والبغض ، والجد والهزل، والبخل والجود، والاقتصاد والسرف، والتواضع والكبر، والأنس والوحشة، والفكرة والامهال، والتمييز والخبط، والجبن والشجاعة، والحزم والاضاعة، والتبذير والتقتير، والتبذل والتعزز، والاذخار والتوكل، والقناعة والحرص، والرغبة والزهد، والسخط والرضا، والصبر والجزع، والذكر والنسيان، والخوف والرجاء ، والطمع واليأس، والتنزه والطبع، والشك واليقين، والحياء والقحة، والكتمان والاشاعة، والاقرار والانكار، والعلم والجهل، والظلم والانصاف، والطلب والهرب، والحقد وسرعة الرضا، والحدة وبعد الغضب، والسرور والهم، واللذة والألم، والتأميل والتمني، والاصرار والندم، والجماع والبدوات، والعي والبلاغة، والنطق والخرس، والتصميم والتوقف، والتغافل والتفاطن، والعفو والمكافأة، والاستطاعة والطبيعة وما لا يحصى عدده، ولا يعرف حده . من"كتاب الحيوان"
طبائع الخلق
اعلم أن الله جل تناؤه خلق خلقه، ثم طبعهم على حب اجتزاز المنافع، ودفع المضار، وبعض ما كان بخلاف ذلك هذا فيهم طبع مركب، وجبلة مفطورة، لا خلاف بين الخلق فيه؛ موجود في الانس والحيوان، لم يدع غيره مدع من الأولين والآخرين. وبقدر زيادة ذلك ونقصانه تزيد المحبة والبغضاء، فنقصانه كزيادته تميل الطبيعة معهما كميل كفتي الميزان، قل ذلك أو كثر.
وهاتان جملتان داخل فيهما جميع محاب العباد ومكارهم. والنفس في طبعها حب الراحة والدعة، والازدياد والعلو، والعز والعلبة، والاستطراف والتنوق، وجميع ما تستلذ الحواس من المناظر الحسنة، والروائح العبقة، والطعوم الطيبة، والأصوات المونقة، والملامس اللذيذة. ومما كراهيته في طباعهم أضداد ما وصفت لك وخلاقه.
فهذه الخلال التي تجمعها خلتان غرائز في الفطر، وكوامن في الطبع؛ جبلة ثابتة، وشيمة مخلوقة. على أنها في بعض أكثر منها في بعض، ولا يعلم قدر القلة فيه والكنزة الا الذي دبرهم. فعلم الله أنهم لا يتعاطفون ولا يتواصلون ولا ينقادون الا بالتأديب، وأن التأديب ليس الا بالأمر والنهي، وأن الأمر والنهي غير ناجعين فيهم الا بالترغيب والترهيب اللذين في طباعهم. فدعاهم بالترغيب الى جنته، وجعلها عوضا مما تركوا في جنب طاعته، وزجرهم بالترهيب بالنار عن معصيته، وخوفهم بعقابها على ترك أمره، ولو تركهم جل تناؤه والطباع الأول جروا على سنن الفطرة، وعادة الشيمة.
ثم أقام الرغبة والرهبة على حدود العدل، وموازين النصفة، وعدلهم تعديلا متفقا، فقال فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
ثم أخبر الله تبارك وتعالى أنه غير داخل في تدبيره الخلل، ولا جائز عنده المحاباة؛ ليعمل كل عامل على ثقة مما وعده وواعده، فتعلقت قلوب العباد بالرغبة والرهبة، فاطرد التدبير، واستقامت السياسة، لموافقتهما ما في الفطرة، وأخذهما بمجامع المصلحة.
فاذا كانوا لم يصلحوا لخالقهم ولم ينقادوا لأمره الا بما وصفت لك من الرغبة والرهبة، فأعجز الناس رأيا وأخطؤهم تدبيرا ، وأجهلهم بموارد الأمور ومصادرها، من أمل أو ظن أو رجا أن أحدا من الخلق - فوقه أو دونه أو من نظرائه - يصلح له ضميره، أو يصح له بخلاف ما دبرهم الله عليه.
من "رسالة المعاش والمعاد"
كون الاجتماع ضروريا
ثم اعلم، رحمك الله تعالى، أن حاجة بعض الناس الى بعض، صفة لازمة في طبائعهم، وخلقة قائمة في جواهرهم، وثابتة لا تزايلهم، ومحيطة بجماعتهم، ومشتملة على أدناهم وأقصاهم، وحاجتهم الى ما غاب عنهم - مما يعيشهم ويحييهم، ويمسك بأرماقهم، ويصلح بالهم، ويجمع شملهم، والى التعاون في درك ذلك، والتوازر عليه - كحاجتهم الى التعاون على معرفة ما يضرهم، والتوازر على ما يحتاجون من الارتفاق بأمورهم التي لم تغب عنهم. فحاجة الغائب موصولة بحاجة الشاهد، لاحتياج الأدنى الى معرفة الأقصى، واحتياج الأقصى الى معرفة الأدنى، معان متضمنة، وأسباب متصلة، وحبال منعقدة. وجعل حاجتنا الى معرفة أخبار من كان قبلنا، كحاجة من كان قبلنا الى أخبار من كان قبلهم، وحاجة من يكون بعدنا الى أخبارنا؛ ولذلك تقدمت في كتب الله البشارات بالرسل، ولم يسخر لهم جميع خلقه، الا وهم يحتاجون الى الارتفاق بجميع خلقه. وجعل الحاجة حاجتين: احداهما قوام وقوت، والأخرى لذة وامتاع وازدياد في الآلة، وفي كل ما أجدل النفوس، وجمع لهم العتاد. وذلك المقدار من جميع الصنفين وفق لكثرة حاجاتهم وشهواتهم، وعلى قدر اتساع معرفتهم وبعد غورهم، وعلى قدر احتمال طبع البشرية وفطرة الانسانية. ثم لم يقطع الزيادة الا لعجز خلقهم عن احتمالهم، ولم يجز أن يفرق بينهم وبين العجز، الا بعدم الأعيان، اذ كان العجز صفة من صفات الخلق، ونعتا من نعوت العبيد.
لم يخلق الله تعالى أحدا يستطيع بلوغ حاجته بنفسه دون الاستعانة ببعض من سخر له، فأدناهم مسخر لأقصاهم، وأجلهم ميسر لأدقهم. وعلى ذلك أحوج الملوك الى السوقة في باب، وأحوج السوقة الى الملوك في باب، وكذلك الغني والفقير، والعبد وسيده. ثم جعل الله تعالى كل شيء للانسان خولا ، وفي يده مذللا ميسرا اما بالاحتيال له والتلطف في اراغته واستمالته، واما بالصولة عليه، والفتك به، واما أن يأتيه سهوا ورهوا . على أن الانسان لولا حاجته اليها، لما احتال لها، ولا صال عليها. الا أن الحاجة تفترق في الجنس والجهة والجبلة، وفي الحظ والتقدير.
ثم تعبد الانسان بالتفكر فيها، والنظر في أمورها، والاعتبار بما يرى، ووصل بين عقولهم وبين معرفة ذلك الحكم الشريفة، وتلك الحاجات اللازمة، بالنظر والتفكير، وبالتنقيب والتنقير، والتثبت والتوقف ؛ ووصل معارفهم بمواقع حاجاتهم اليها، وتشاعرهم بمواضع الحكم فيها بالبيان عنها. من "كتاب الحيوان"
أثر المدن في روائح الأشياء
وقد علمنا أن لرائحة الطيب فضيلة اذا كان بالمدينة، وأن الناس اذا وجدوا ريح النوى المنقع بالعراق هربوا منه. وأشراف أهل المدينة ينتابون المواضع التي يكون فيها ذلك، التماسا لطيب ذلك الرائحة.
ويزعم تجار التبت ممن قد دخل الصين والزابج، وقلب تلك الجزائر، ونقب في البلاد، أن كل من أقام بقصبة ثبت اعتراه سرور لا يدري ما سببه، ولا يزال مبتسما ضاحكا من غير عجب حتى يخرج منها.
ويزعمون أن شيراز من بين قرى فارس، لها فغمة طيبة. ومن مشى واختلف في طرقات مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجد منها عرفا طيبا وبنة عجيبة لا تخفى على أحد، ولا يستطيع ان يسميها.
ولو أدخلت كل غالية وكل عطر، من المعجونات وغير المعجونات، قصبة الأهواز أو قصبة أنطاكية لوجدته قد تغير وفسد، اذا أقام فيها الشهرين والثلاثة. من " كتاب الحيوان"
العشق والحب والهوى
والعشق داء لا يملك دفعه، كما لا يستطاع دفع عوارض الأدواء الا بالحمية، ولا يكاد ينتفع بالحمية مع ما تولد الأغذية وتزيد في الطبائع بالازدياد في الطعم.
وأنا واصف لك حد العشق لتعرف حده:
هو داء يصيب الروح ويشتمل على الجسم بالمجاورة، كما ينال الروح الضعف في البطش والوهن في المرء ينهكه. وداء العشق وعمومه في جميع البدن بحسب منزلة القلب من أعضاء الجسم. وصعوبة دوائه تأتي من قبل اختلاف علله، وأنه يتركب من وجوه شتى، كالحمى التي تعرض مركبة من البرد والبلغم. فمن قصد لعلاج أحد الخلطين كان ناقصا من دائه زائدا في داء الخلط الآخر، وعلى حسب قوة أركانه يكون تبوته وابطاؤه في الانحلال. فالعشق يتركب من الحب والهوى، والمشاكلة والالف، وله ابتداء في المصاعدة، ووقوف على غابة، وهبوط في التوليد الى غاية الانحلال ووقف الملال.
والحب اسم واقع على المعنى الذي رسم به، لا تفسير له غيره، لنه قد يقال: ان المرء يحب الله، وأن الله جل وعز يحب المؤمن، وان الرجل يحب ولده، والولد يحب والده ويحب صديقه وبلده وفوقه، ويحب على أي جهة يريد ولا يسمي ذلك عشقا . فيعلم حينئذ أن اسم الحب لا يكتفى به في معنى العشق حتى نضاف اليه العلل الأخر الا أنه ابتداء العشق، ثم يتبعه حب الهوى فربما وافق الحق والاختيار، وربما عدل عنهما. وهذه سبيل الهوى في الأديان والبلدان وسائر الأمور. ولا يميل صاحبه عن حجته واختياره فيما يهوى. ولذلك قيل: "عين الهوى لا تصدق"، وقيل: "حبك الشيء يعمي ويصم". يتخذون أديانهم أربابا لأهوائهم. وذلك أن العاشق كثيراً ما يعشق غير النهاية في الجمال، ولا الغابة في الكمال، ولا الموصوف بالبراعة والرشاقة، ثم ان سئل عن حجته في ذلك لم تقم له حجة. ثم قد يجتمع الحب والهوى ولا يسميان عشقا ، فيكون ذلك في الولد والصديق والبلد، والصنف من اللباس والفرش والدواب. فلم نر أحدا منهم يسقم بدنه ولا تتلف روحه من حب بلده ولا ولده، وان كان قد يصيبه عند الفراق لوعة واحتراق.
وقد رأينا وبلغنا عن كثير ممن قد تلف وطال جهده وضناه بداء العشق.
فعلم أنه اذا أضيف الى الحب والهوى المشاكلة، أعنى مشاكلة الطبيعة، أي حب الرجال النساء وحب النساء الرجال، المركب في جميع الفحول والاناث من الحيوان، صار ذلك عشقا صحيحا . وان كان ذلك عشقا من ذكر لذكر فليس الا مشتقا من هذه الشهوة، والا لم يسم عشقا اذا فارقت الشهوة.
ثم صارت قلة العيان تزيد فيه وتوقد ناره، والانقطاع يسعره حتى يذهل العقل وينهك البدن، ويشتغل القلب عن كل نافعة، ويكون خيال المعشوق نصب عين العاشق والغالب على فكرته، والخاطر في كل حالة على قلبه.
واذا طال العهد واستمرت الأيام مقص على الفرقة، واضمحل على المطاولة، وان كانت كلومه وندوبه لاتكاد تعفو آثارها ولا تدرس رسومها.
فكذلك الظفر بالمعشوق يسرع في حل عشقه. والعلة في ذلك أن بعض الناس أسرع الى العشق من بعض؛ لاختلاف طبائع القلوب في الرقة والقسوة، وسرعة الالف وابطائه، وقلة الشهوة وضعفها. من"كتاب القيان"
عن الهزل والمزح
أول ما أذكر من خصال الهزل، ومن فضائل المزح، أنه دليل على حسن الحال وفراغ البال، وأن الجد لا يكون الا من فضل الحاجة، والمزح لا يكون الا من فضل الغنى، وأن الجد نصب، والمزح جمام، والجد مبغضة والمزح محبة. وصاحب الجد في بلاء ما كان فيه، وصاحب المزح في رخاء الى أن يخرج منه.
والجد مؤلم وربما عرضك لأشد منه، والمزح ملد وربما عرضك لألد منه.فقد شاركه في التعريض للخير والشر، وباينه بتعجيل الخير دون الشر.
وانما تشاغل الناس ليفرغوا، وجدوا ليهزلوا، كما تدللوا ليعزوا، وكدوا ليستريحوا، وان كان المزاح انما صار معيبا ، والهزل مذموما ، لأن صاحبه لا يكون الا معرضا لمجاوزة الحد، ومخاطرا بمودة الصديق.
فالجد داعية الى الأفراط، كما أن المزاح داعية الى مجاوزة القدر والتجاوز للجد قاطع بين الفريقين في جميع النوعين.
فقد ساواه المزح فيما هو له وباينه فيما ليس له. وان كان المزح انما صار قبيحا لأن الذي يكون بعده جد، ولم يصر الجد قبيحا لأن الذي يكون بعده مزح، وكان الجد في هذا الوزن أقبح، وكان المزح على هذا التقدير أحسن، لأن ما جعل الشيء قبيحا أقبح من الشيء، كما أن ما جعل الشيء حسنا أحسن من الشيء.
فأما الذي عدل بينهما فانه زعم أن المزاح في موضعه، كالجد في موضعه، كما أن المنع في حقه كالبدل في حقه.
قال: ولكل شيء موضع، وليس شيء يصلح في كل موضع. وقد قسم الله تعالى الخيرة على المعدلة، وأجرى جميع الأمور الى غاية المصلحة، وقسط أجزاء المثوبة على العزيمة والرخصة وعلى الاعلان والتقية، وأمر بالمداراة كما أمر بالمباداة وجوز المعاريض كما أمر بالافصاح، وسوغ المباح كما شدد أمر المفروض وجعل المباح جماما للقلوب، وراحة للأبدان، وعونا على معاودة الأعمال، فصار الاطلاق كالخطر، والصبر كالشكر.
فليس للانسان من الخيرة في الذكر شيء الا وله في النسيان مثله، ولا في الفطنة شيء الا وله في الغفلة مثله، ولا في السراء الا وله في الضراء مثله. ولو لم يرزق الله تعالى العباد الا بالصواب محضا ، وبالصدق بحثا ، وبمر الحق صفحا ، لهلكت العوام، ولا تنقض أمر الخاص. .
ولو ذكر الانسان كل ما أنسيه لشقي، ولو حد في كل شيء لا تنكث.
وقد يكون الذكر الى الهلكة سلما كما يكون النسيان للسلامة سببا . وسبيل المزاح والجد كسبيل المنع والبذل. وعلى ذلك يجري جميع القبض والبسط.
فهذا وما قبله جمل أقاويل القوم.
ونحن نعود بالله أن نجعل المزاح في الجملة كالجد في الجملة، بل نزعم أن بعض المزح خير من بعض الجد، وعامة الجد خير من عامة الهزل. والحق أن ينضح عن بعض المزح، ويحتج لجمهور الجد، وكيف لنا بذم جميع المزح مع ما نحن ذاكرون.
وقد مزح رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يقال: كان فيه مزاح، ولا يقال مزاح. وكذا الأئمة ومن تبدل في بعض الحالات من أهل الحلم والوقار.
وقال عمر رضوان الله تعالى عليه: "انا اذا خلونا كنا كأحدكم". وقد كان عمر عبوسا قطوبا .
وكان زياد مع كلوحه وقطوبه، يمازح أهله في الخلا كما يجد في الملأ.
وكان الحجاج مع عتوه وطغيانه، وتمرده وشدة سلطانه، يمازح أزواجه ويرقص صبيانه. وقال له قائل: أيمازح الأمير أهله؟ قال: "والله أن تروني الا شيطانا ؟ والله لربما رأيتني واني لأقبل رجل احداهن!".
فقد ذكرنا خير العالمين، وجله من خيار الملمين، وجبارا عنيدا ، وكافرا لعينا .
وبعد فمن حرم المزاح وهو شعبة من شعب السهولة، وفرع من فروع الطلاقة. وقد أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة، ولم يأتنا بالانقباض والقسوة، وأمرنا بافشاء السلام، والبشر عند الملاقاة، وأمرنا بالتوادد والتصافح والتهادي. من"كتاب التربيع والتدوير"
حسد العلماء
انه لم يخل زمن من الأزمان فيما مضى من القرون الذاهبة الا وفيه علماء محقون، قد قرءوا كتب من تقدمهم، ودارسوا أهلها، ومارسوا الموافقين لهم، وعانوا المخالفين عليهم، فمخضوا الحكمة وعجموا عيدانها، ووقفوا على حدود العلوم، فحفظوا الأمهات والأصول، وعرفوا الشرائع والفروع، ففرقوا ما بين الأشباه والنظائر، وصاقبوا بين الأشكال والأجناس، ووصلوا بين المتجاور والمتوازي، واستنبطوا الغامض الباطن بالظاهر البين، واستظهروا على الخفي المشكل بالمكشوف المعروف، وعرفوا بالفهم الثاقب والعلم الناصع، وقضت لهم المحنة بالذكاء والفطنة، فوضعوا الكتب في ضروب العلوم وفنون الآداب لأهل زمانهم، والأخلاق من بعدهم. يزدلفون بذلك الى الممتن عليهم بفضل المعرفة التي ركبها الله فيهم، وأبانهم من غيرهم، وفضلهم عليهم، ويباهون به الأمم المخالفة لهم، يتبارون بذلك فيما بينهم. ولهم حساد معارضون من أهل زمانهم في تلك العلوم والكتب، منتحلة يدعون مثل دعاويهم، قد وسموا أنفسهم بسمات الباطل، وتسموا بأسماء العلم على المجاز من غير حقيقة، ولبسوا لباس الزور متزخرفين متشبعين بما لا محصول له يحتذون أمثلة المحقين في زيهم وهديهم، ويقتفون أثارهم في ألفاظهم وألحاظهم، وحركاتهم واشارأتهم، لينسبوا اليهم ويحلوا محلهم، فاستمالوا بهذه الحيلة قلوب ضعفاء العامة، وجهلاء الملوك، واتخذهم المعادون للعلماء المحقين عدة يستظهرون بهم عند العامة. وحمل المدعية للعلم المزور الحسد على بهت العلماء المحقين، (...) وجرأهم على ذلك ما رأوا من صغو ضعفة القلوب واذلة الناس الهم، وميل جهلاء الملوك معهم عليهم، وأملوا أن ينالوا بذلك بشاشة العامة، وتستوى لهم الرياسة على طغام الناس ورعاعهم، ويستخولوا رعانهم وقومهم، (...)، وكشفوا أغطية الجهل عن أنفسهم، وهتكوا سترا كان مسدلا عليهم بالصمت. فقد قيل: " الصمت زين العالم، وستر الجاهل"؛ طمعا في الرياسة وحبا لها. وقد قيل: حب الرياسة داء لا دواء له.
وقلما تجد الراضين بالقسم ولم يخل زمن من الأزمنة من هذه الطبقة ولا يخلو. وهلاك من هلك من الأمم فيما سلف بحب الرياسة. وكذلك من يهلك الى انقضاء الدهر فبحب الرياسة. وقد قيل: هلاك الناس منذ كانوا الى أن تأتى الساعة بحب الأمر والنهي، وحب السمع والطاعة.
فاشكل على العامة أمر العالم الحقيقي والمدعي المجاري المنتحل للزور والباطل؛ ثم ترادف عليهم من هذه العلل التي يعمى لها السبيل الواضح والطريق المنشأ، على الجاهل المستعضف؛ وذي الغباء المسترهف. من "كتاب فصل بين العداوة والحسد"