وديع الصافي
1921 - October 2013
تحضير الأب يوسف طنوس
حياته
ولد وديع بشارة يوسف فرنسيس في 21/11/1921 في قرية نيحا الشوف (قضاء بيت الدين). وهو الإبن الثاني لعائلة مؤلّفة من ثمانية صبيان وخمس بنات. والده بشارة يوسف جبرائيل فرنسيس، رقيب في الدرك اللبناني، ووالدته شفيقة العجيل من نفس القرية.
عاش وديع الصافي طفولة متواضعة يغلب عليها طابع الفقر والحرمان متأثرًا بالتربية البيتية الملتزمة التي كان يريدها الوالد لعائلته. وقد اصطدم بهذا الواقع مع اكتشافه الذاتي لمواهبه الفنّية. ورث وديع صوته المميّز عن أجداده. وكان جدّه يوسف يشجّعه ويردّد على مسامعه أجمل أبيات العتابا والميجانا، وكان وديع بحفظها بسرعة ويردّدها. وكان خاله نمر العجيل يصطحبه في شتّى القرى الشوفية ليقيم الحفلات وهو يغني مرافقًا نفسه على الطبلة. وكانت أولى حفلاته اللافتة في قصر الست نظيرة جنبلاط، والدة الزعيم الدرزي الراحل كمال جنبلاط، وذلك لقاء غنائه لها وهي طريحة الفراش، وهو في سن التاسعة، ممّا فاجأ وأدهش سامعيه. ونقدته يومذاك ثماني ليرات ذهبية، فكان أول أجر قيّم تقاضاه في بداية مشواره الفني.
سنة 1930، نزحت العائلة إلى بيروت ودخل وديع مدرسة دير المخلص الكاثوليكية، فكان الماروني الوحيد في جوقتها والمنشد الأوّل فيها. وبعدها بثلاث سنوات، إضطر للتوقّف عن الدراسة، لأن جو الموسيقى هو الذي كان يطغى على حياته من جهة، ولكي يساعد الوالد، من جهة ثانية، في إعالة العائلة التي كانت تتالّف من ثمانية صبيان وخمس بنات، بينهم ناديا المعروفة فنيًّا باسم هناء الصافي، واشتهرت بأغنية «يا بيتي يا بوايتاتي»، وإيليا الذي أصبح فيما بعد قائدًا لموسيقى قوى الأمن الداخلي.
تأثّر وديع بالألوان الغنائية البلدية، وبموسيقى سيد درويش ومحمد عبد الوهاب. وإلى جانب إجتهاداته الشخصية في العزف والغناء، وبعد أن أهداه أخاه توفيق آلة عود ما زال وديع يحتفظ بها حتى الآن، تعلّم العزف على العود على خاله نمر، ومن ثمّ على ألكسي اللاذقاني.
كانت إنطلاقته الفنية سنة 1938، حين فاز بالمرتبة الأولى لحنًا وغناء وعزفًا، من بين أربعين متباريًا، في مباراة للإذاعة اللبنانية، ايام الإنتداب الفرنسي، في أغنية "يا مرسل النغم الحنون" للشاعر المجهول آنذاك (الأب نعمة اللّه حبيقة). وكانت اللجنة الفاحصة مؤلّفة من ميشال خياط، سليم الحلو، ألبير ديب ومحيي الدين سلام، الذين اتفقوا على اختيار إسم "وديع الصافي" كإسم فني له، نظرًا لصفاء صوته. فكانت إذاعة الشرق الأدنى، بمثابة معهد موسيقي تتلّمذ وديع فيه على يد ميشال خياط وسليم الحلو، اللذين كان لهما الأثر الكبير في تكوين شخصيّته الفنية.
بدأت مسيرته الفنية بشق طريق للأغنية اللبنانية، التي كانت ترتسم ملامحها مع بعض المحاولات الخجولة قبل الصافي، عن طريق إبراز هويتها وتركيزها على مواضيع لبنانية وحياتية ومعيشية. ولعب الشاعر أسعد السبعلي دورًا مهمًّا في تبلّور الأغنية الصافيّة. فكانت البداية مع "طل الصباح وتكتك العصفور" سنة 1940.
أول لقاء له مع محمد عبد الوهاب كان سنة 1944 حين سافر إلى مصر. وسنة 1947، سافر مع فرقة فنية إلى البرازيل حيث أمضى 3 سنوات في الخارج.
بعد عودته من البرازيل، أطلق أغنية «عاللّوما»، فذاع صيته بسبب هذه الأغنية التي صارت تردَّد على كل شفة ولسان، وأصبحت بمثابة التحية التي يلقيها اللبنانيون على بعضهم بعضا. وكان أول مطرب عربي يغني الكلمة البسيطة وباللهجة اللبنانية بعدما طعّمها بموال «عتابا» الذي أظهر قدراته الفنية.
قال عنه محمد عبد الوهاب عندما سمعه يغني أوائل الخمسينات «ولو» المأخوذة من أحد افلامه السينمائية وكان وديع يومها في ريعان الشباب:"من غير المعقول أن يملك أحد هكذا صوت". فشكّلت هذه الأغنية علامة فارقة في مشواره الفني وتربع من خلالها على عرش الغناء العربي، فلُقب بصاحب الحنجرة الذهبية، وقيل عنه في مصر أنّه مبتكر «المدرسة الصافية» (نسبة الى وديع الصافي) في الأغنية الشرقية.
سنة 1952، تزوج من ملفينا طانيوس فرنسيس، إحدى قريباته، فرزق بدنيا ومرلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد.
في أواخر الخمسينات بدأ العمل المشترك بين العديد من الموسيقيين من أجل نهضة للأغنية اللبنانية إنطلاقًا من أصولها الفولكلورية، من خلال مهرجانات بعلبك التي جمعت وديع الصافي، وفيلمون وهبه، والأخوين رحباني، وزكي ناصيف، ووليد غلمية، وعفيف رضوان، وتوفيق الباشا، وسامي الصيداوي، وغيرهم.
وانطلقت المهرجانات الغنائية في أوائل الستينات. فشارك وديع الصافي في بعضها: "العرس في القرية" (بعلبك 1959) "موسم العز"، و"مهرجان جبيل" (1960)، "مهرجانات فرقة الأنوار" (1960-1963)، "مهرجان الأرز" (1963)، "أرضنا إلى الأبد" (بعلبك 1964)، "مهرجان نهر الوفا" (الذي فشل ماديًا) 1965، "مهرجان مزيارة" (1969)، "مهرجان بيت الدين" (1970-1972)، و"مهرجان بعلبك" (1973-1974). كان لوديع الدور الرائد، عبر هذه المهرجانات، بترسيخ قواعد الغناء اللبناني وفنه، وفي نشر الأغنية اللبنانية في أكثر من بلد.
مع بداية الحرب اللبنانية، غادر وديع لبنان إلى مصر سنة 1976، ومن ثمّ إلى بريطانيا، ليستقرّ سنة 1978 في باريس. وكان سفره إعتراضًا على الحرب الدائرة في لبنان، مدافعًا بصوته عن لبنان الفن والثقافة والحضارة. فكان تجدّد إيمان المغتربين بوطنهم لبنان من خلال صوت الصافي وأغانيه الحاملة لبنان وطبيعته وهمومه.
منذ الثمانينات، بدأ الصافي بتأليف الألحان الروحية، نتيجة معاناته من الحرب وويلاتها على الوطن وأبنائه واقتناعًا منه بأن كلّ اعمال الإنسان لا يتوّجها سوى علاقته باللّه.
سنة 1989، أقيم له حفلة تكريم في المعهد العربي في باريس بمناسبة البوبيل الذهبي لانطلاقته وعطاءاته الفنية.
سنة 1990، خضع لعملية القلب المفتوح، ولكنه استمر بعدها في عطائه الفني بالتلحين والغناء. فعلى أبواب الثمانين من عمره، لبّى الصافي رغبة المنتج اللبناني ميشال الفترياديس لإحياء حفلات غنائية في لبنان وخارجه، مع المغني خوسيه فرنانديز وكذلك المطربة حنين، فحصد نجاحاً منقطع النظير أعاد وهج الشهرة إلى مشواره الطويل. لم يغب يوماً عن برامج المسابقات التلفزيونية الغنائية قلباً وقالباً فوقف يشجع المواهب الجديدة التي رافقته وهو يغني أشهر أغانيه.
شارك وديع في أكثر من فيلم سينمائي، من بينها " الخمسة جنيه" و«غزل البنات» ومن ثم مع صباح في «موّال» و«نار الشوق» عام 1973. وأحيا الحفلات في شتّى البلدان العربية والأجنبية.
غنّى للعديد من الشعراء، خاصّة أسعد السبعلي ومارون كرم، وللعديد من الملحنين أشهرهم الأخوان رحباني، زكي ناصيف، فيلمون وهبه، عفيف رضوان، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، رياض البندك. ولكنّه كان يفضّل أن يلحّن أغانيه بنفسه لأنّه كان الأدرى بصوته، ولأنّه كان يُدخل المواويل في أغانيه، حتّة أصبح مدرسة يُحتذى بها. غنّى الآلاف من الأغاني والقصائد، ولحّن منها العدد الكبير.
كرّمه أكثر من بلد ومؤسسة وجمعية وحمل أكثر من وسام استحقاق منها خمسة أوسمة لبنانية نالها أيام كميل شيمعون، فؤاد شهاب وسليمان فرنجية والياس الهراوي. أما الرئيس اللبناني اميل لحود فقد منحه وسام الأرز برتبة فارس. ومنحته جامعة الروح القدس في الكسليك دكتوراه فخرية في الموسيقى في 30 حزيران 1991.
يحمل الصافي ثلاث جنسيات المصرية والفرنسية والبرازيلية، إلى جانب جنسيته اللبنانية، الاّ أنه يفتخر بلبنانيته ويردد أن الأيام علمته بأن ما أعز من الولد الا البلد.
وديع الصافي المطرب والملحّن، مع آلاف الأغاني التي غنّاها أو لحّنها، أصبح مدرسة في الغناء والتلحين، ليس في لبنان فقط، بل في العالم العربي أيضًا. واقترن إسمه بلبنان، وبجباله التي لم يقارعها سوى صوته الذي صوّر شموخها وعنفوانها.
مبدعون لبنانيون - وديع الصافي: ثالوث الصوت واللحن ولبنان
Wadih El Safi - The eternal Voice of Lebanon - Byblos Festival 2010
افاد مندوب الوكالة الوطنية للاعلام ان الموت غيب مساء اليوم 11.10.2013 عملاق من عمالقة الطرب في لبنان والعالم العربي الفنان الكبير وديع الصافي عن عمر 92 عاما، وكان الفنان الصافي موجودا في منزل ولده طوني في المنصورية حين تعرض لوعكة صحية عند السابعة والنصف من مساء الجمعة وعلى الفور تم نقله الى مستشفى بيل فو في المنصورية حيث فارق الحياة.