ملك الضحك اسماعيل ياسين - الموعد 25.11.1986
وحياته المليئة بالدموع!
وشايات أبعدت اسماعيل ياسين عن حبيبته!
ولكنه أخذها الى السينما وطلب يدها للزواج!
وتزوج اسماعيل من فوزية على غناء أم كلثوم!
وهكذا اشترى اسماعيل ياسين أول سيارة يركبها في حياته من ماله الخاص، وقرر أن يذهب بها الى الاسكندرية لكي يفتش عن فوزية، التي سلبت نصف عقله، ولكنه اضطر لأن يؤجل السفر ريثما يتدرب على قيادة السيارة، فهو لم يكن قبل ذلك قد قاد سيارة!
وبدأ اسماعيل يتدرب. وكانت مشكلته الكبرى انه لا يستطيع ان يعود بالسيارة الى الخلف وقد تعرض لحوادث كثيرة أثناء محاولته ذلك، ولكن كل تلك الحوادث التي تعرض لها، لم تجعله ينسى فوزية. فقد أبت صورتها ان تبارح خياله...
وقد لعبت الصدفة دورها من جديد، حين اتفق صديقه مدير الفرقة على أن ينظم رحلة الى الاسكندرية.. وهكذا ذهب اسماعيل لا لكي يتفسح، ويرى حبيبته فقط، بل ولكي يعمل أيضا ً، ولكنه لم يسافر مع الفرقة، بل سافر بسيارته الجديدة، أو على وجه التحديد. أول سيارة اشتراها في حياته، وهو لم يذهب الى الفندق، بل فور وصوله ذهب الى العنوان الذي عرف انها تسكن فيه، وأوقف السيارة وجلس يراقب، وهو يتظاهر بقراءة جريدة!..
ثم لمح فوزية، وهي تنزل من البيت... وأخذ اسماعيل يسبقها بالسيارة، على أقل من مهله، ويقترب منها وينظر اليها، وهي لم تكن قد شعرت به أبداً، وأوقف السيارة وفكر في أن يسرع وراءها. ويتحدث اليها، ولكن الخجل انتابه، وعجز عن نطق كلمة واحدة، عجز حتى عن ترديد اسمها. ثم هو خشي لو فعل ذلك ان يفسر ذلك على غير حقيقته، وتعتقد انه من صنف الرجال الذين يعاكسون السيدات، وتأخذ عنه فكرة سيئة!
ولذلك ترك ملاحقة فوزية، واختفى. وفي اليوم التالي ركن سيارته، وبدأ يتمشى الى جانب بيت فوزية! ومضت ثلاث ساعات وهو يقف قرب المنزل، أو يمشي، لعله يراها تخرج، ولكن دون فائدة. وفكر للحظة بأن يذهب ويدق على باب البيت، ويسأل عنها... ثم تراجع حتى عن مجرد التفكير في هذا فماذا لو ان اهلها كانوا من النوع المحافظ الذي قد يكون رد الفعل عندهم عنيفاً، ويتعرض اسماعيل بذلك لأهانة، خصوصا ً وهو يعرف أن في "الاسكندرانية، قبضايات، وفتوات، يضربون بدون رحمة ولا تفكير اذا ما اعتقدوا ان هناك أمرا ً يمس شرفهم!..
ومع ذلك فقد فكر انه سيدخل خاطبا ً، سيقول لأهلها أحبها، واريد أن أتزوجها على شرع الله وسنة رسوله.
ولكن السؤال سيكون عندئذ : كيف احببتها!!. يجب أن تكون قد قابلتها قبل ذلك وهنا تصبح البنت في موقف حساس ولا يسلم الشرف الرفيع ايضا ً..
وعدل اسماعيل عن كل ذلك، وركب سيارته، وعاد الى المسرح.. ووجد أن أصعب السبل، هو أسلمها وأنه ليس عليه الا ان يعترف لزوجة مدير المسرح بما يعتلج في قلبه، ويطلب منها أن تبلغ صديقتها بذلك...لعل وعسى!..
وفعل ذلك في نفس اليوم.. ولم تكذب زوجة مدير المسرح خبرا ً، بل دعت فوزية لحضور أحد عروض الفرقة، وحضرت بالفعل!.. واستطاع اسماعيل أن يقابلها.. وحاول في المقابلة أن يجد أي مناسبة، لكي يفاتحها بحقيقة مشاعره نحوها، ورغبته في الزواج منها، ولكنه كلما كان يحاول كلما وجد شيئا ً يسد الطريق بينه وبين فوزية، بل ويجبره على الصمت، وعلى أن لا يقول شيئا ً أبدا ً!
وتساءل في نفسه، بعد هذا الاحجام: ترى هل شعورها نحوه، هو نفس شعوره نحوها؟ وحاول أن يطرق على الوتر، ان يعرف على الاقل..
واشتبك في حوار معها، وسألها عن الصحة والأحوال، وبعد أن قدم لها التمنيات الطيبة تعمد أن يقول شيئا ً غامضا ً عن الحب، والزواج، والاستقرار..
ولكنها لم تبد أي حماس لهذا الحديث، بل وبدا عليها انها ادارت وجهها. وتريد ان تكمل استدارته...
وتضايق اسماعيل ياسين، من عدم اكتراثها به، وبهذا الموضوع الحيوي الذي يفرحه، فان عدم اكتراثها يعني انها لا تحمل له ذرة مما يحمله لها.. ودار في رأسه فورا ً خاطر ملح، وهي امامه: يجب ان ينساها...فهي ليست له، ولا تأبه به، او تهتم له!
ثم ناقش الأمر: ولكن كيف؟ كيف ينساها وصورتها لا تبارح ذهنه ليل نهار، وكيف ينساها وهو يلاحقها بأفكاره، كيف ينساها، وقد أضحى فريسة لحبها..
وقرر ان يفاتحها بصراحة.. وقال لها وقد انشغلت صديقتها بالحديث مع احدى الفنانات: فوزية..احنا مش حنشوف بعض؟! وتطلع اليها ينتظر جوابا ً فاذا بها لا تقول نعم او لا!.. ومع ذلك فقد شعر بينه وبين نفسه بأنها رمقته بنظرة فيها عطف وتساؤل!.. وارتبك اسماعيل ولم يكرر السؤال..ثم انتهت المقابلة..
ومضت الأيام...
وبعد هذه الأيام عرف اسماعيل بمحض الصدفة أن بعض الأصدقاء الذين شعروا بمحاولاته مع فوزية، ومشاعره نحوها تطوعوا لتشويه سمعته أمامها، واحدهم قال لها:
- اياك ثم اياك ان تفكري في هذا الرجل، لأنه كذا، وكيت، وكذا!
ولم يتورع ثالث عن القول لها: - ان اسماعيل زير نساء، وقد تزوج مرتين وطلق مرتين! وقال لها الرابع: - يجب ان تبعدي عنه، لأنه انسان شرير، وقد هربت زوجته الأولى منه، ثم هربت بعدها زوجته الثانية، ولهذا لن يكون مصيرك احسن منهما، فهو في غاية القسوة، وفي غاية الغيرة، شكوكه عمياء، وتحوله الى مجنون في تصرفاته، وقد كان يغلق الباب بالمفتاح على زوجته!
وعرف اسماعيل بأمر كل هذه الوشايات.. وقرر ان لا يتحدث فيها، لا ينفيها أبدا ً، واكتفى بأن كان يتطلع الى فوزية كل ليلة تأتي بها الى المسرح..
ولكن صديقه مدير المسرح، أرسل زوجته لكي تهمس في أذني اسماعيل:
- ان فوزية تريد ان تقابلك في كازينو "شاطىء ، الابراهيميه" على الكورنيش غدا ً في الثامنة مساء!
وذهب الى الكازينو في الموعد المحدد، تسبقه دقات قلبه. وهناك وجدها في انتظاره، لقد سبقته الى الموعد، وكانت تجلس في زاوية بعيدة عن العيون! وذهب اليها، والدنيا لا تسعه من فرط سعادته، فها هةو أخيرا ً سيجلس معها لوحده، سيجلس مع الانسانة التي أحبها عن اعماقه، أحبها كما لم يحب من قبل!
واقترحت عليه ان يذهبا الى السينمنا فوافق على الفور، ومشى الى جانبها، وهو يحس بأنه يمشي على أحلام كبيرة وآمال رائعة!
وأطفأت الأنوار، وبدأ عرض الفيلم، ولكن اسماعيل لم يتطلع أبدا ً الى الشاشة، بل كان يتطلع اليها فقط. ثم وجدها هي الأخرى تتطلع اليه، وبدأ يهمس بكلمات من قلبه كلمات حارة جدا ً جعلها تقول له بهمس أيضا ً: أنت بتحبني صحيح يا اسماعيل؟ ووجدته يجيبها: - لا،لا أحبك، فالحالة التي أعيش فيها لا يمكن ان تسمى حبا ً انها أكثر وأكبر أنا أعبدك يا فوزية.
وسكت قليلا ً، ثم استطرد:
- ولكن المشكلة ليست في اني أحبك حبا ً ملك على الدنيا كلها!
وسألته؟ ما هي المشكلة أذن؟ وقال لها:
- المشكلة: هل تبادلينني هذا الحب الكبير؟
وأطرقت برأسها، رغم انه لن يرى حمرار خدودها في الظلام، وقالت له بما يشبه الهمس
أبوه.
وفورا ً قال لها: - وتتجوزيني؟
كان ردها: - أنا موافقة...
وقال لها: - وتعيشي معايا على الأرض؟
وردت بأنوثة وخجل: أعيش معاك على البلاط، على الحصيرة، اذا كنت واثق من انك عايز تعيش معايا طول العمر!..
وعاد ليكرر: بس أنا راجل فقير..
وقالت له: وأنا حا لأعمل أيه بفلوسك...اذا كنت مليونير!
وتابع: - أنا على باب الله... كل يوم بيومه!
وردت: وأنا على باب الله معاك، ان ما كنش في فراخ، نأكل طعمية... وحيبقى للطعمية معاك، طعم اللحمة والديك الرومي!
وعاد يقول: - أنا مش عايزك تندمي!
وكان ردها: أنا بحبك، واللي بيحب ما يندمش...
وقال اسماعيل بعد ذلك: - أنا مسافر بكرة للقاهرة..
ووجدها تقول له: وأنا معاك.. واستغرب
- معايا!!. ازاي!!. ليه؟
وكان ردها: علشان نتجوز...
وذهب اسماعيل ياسين الى القاهرة... واستقبل فوزية، لدى وصولها في اليوم التالي لوصوله مباشرة، وفرح بها فرحا ً لا يوصف، لأنه تأكد في ذلك الوقت من أن فوزية تحبه فعلا ً، فقد تركت أهلها، وأتت اليه!
وأقامت فوزية في بيت صديق اسماعيل مدير المسرح. ريثما تتم اجراءات الزواج، وكان من أهمها استئجار شقة، وتزويدها بأدنى حد يضمن الراحة، ويتناسب مع وضع اسماعيل المادي!..
ويومها استأجر اسماعيل شقة معلم الرقص:"ايزاك ديكسون، في حي العباسية، وكان قد أعلن عن رغبته في تنازله عن شقته لقاء مبلغ مائة جينيه، واستطاع اسماعيل أن يقنعه بالتنازل عنها مقابل 75 جينهاً!
واستملها اسماعيل، بعد ان وقع عقد الايجار، وتوجه الى محلات "اربكو" واشترى بعض أدوات المطبخ، واشترى من شارع الازهر بعض الاثاث الرخيص ووضعه الى جانب الاثاث المستعمل. والموجود في الشقة.
وحين انتهى من اعداد الشقة الزوجية المتواضعة، ذهب الى بيت صديقه مدير المسرح. وتم الاتفاق على أن يعقد القران: يوم الخميس... وكان يوم الخميس الذي اتفق فيه على عقد القران، هو يوم الحفلة الشهرية، التي تحييها كوكب الشرق: أم كلثوم، واحتفل اسماعيل بقرانه، وهو مع عدد قليل جدا ً من المدعوين، يستمعون الى أحدث اغنية لها في ذلك الحين، وتم عقد القران في بيت صديقه مدير المسرح!
وفي نهاية هذا الحفل البسيط ، والمختصر، أخذ اسماعيل عروسه فوزية، وذهبا الى بيتهما في العباسية، والذي شهد بعد ذلك أيام شهر عسل حقيقية... فقد اكتشف اسماعيل في زوجته ست بيت ماهرة، تحسن كل الاعمال المنزلية، الى جانب ايماتنها بأن "القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود، وكانت تقتصد من مصروف البيت، لكي تزوده بالأدوات التي كانت تنقصه!
وكانت السعادة بهذه الزوجة تبدو على اسماعيل ياسين بل وتنعكس ابداعا ً على عمله!