رسم العملة اللبنانية والطوابع ووضع الخرائط الطوبرغرافية لبيروت
بول كرروليف... فنان روسي و لبناني داهمه الفقر والعوز فمات بعضة
محمود زيات - الديار 2 نيسان 1999

قليلون هم الذين يعرفون قصة الفنان بول كوروليف. الذي وضع رسوماته على العملة اللبنانية، ومات من الجوع.

من هو الفنان الذي عاش 98 عاما ً والذي هاجر الى لبنان مع مطلع هذا القرن من روسيا، ليطبع اعمالا ً فنية رائعة على العملة اللبنانية؟ ولسيساهم في تخطيط مدينة بيروت ووضعها على الخرائط الطوبوغرافية؟؟

بعد انتصار الثورة الاشتراكية التي قادها فلاديمير ايليتش اوليانوف لينين، في العام 1917، هاجر كوروليف روسيا الى البلاد الاوروبية، واستقر في العاصمة الفرنسية باريس، كلاجىء سياسي، والسبب ان والده كان جنرالا ً في الجيش الروسي المناهض للحكم الشيوعي.

ثم مع اعلان "دولة لبنان الكبير" من قبل الانتداب الفرسي، انتقل كوروليف من باريس الى بيروت، بعد ان تابع تحصيله العلمي في مجال الطباعة الطوبوغرافية.

خرج الانتداب الفرنسي من لبنان، لكن كورليف بقي في بيروت، كمواطن اكتسب الجنسية... ويومها كثرت الروايات التي تحدثت عن علاقاته بالسفارة الروسية، رغم انه ابن جنرال مناهض للحكم الاشتراكي في روسيا.

عمل طوال حياته في الرسم على العملة اللبنانية والطوابع البريدية، كما ساهم في الثلاثينات بوضع الاسس الطوبوغرافية لمدينة بيروت.

نهاية كورليف

النهاية التي كانت بانتظار بول كورليف ، كانت درامية محزنة، لم يكن ليتصورها أحد، ويقول عارفوه انه كلن يمضي آخر ايامه في عزلة تامة داخل منزله، في احدى ضواحي بيروت المواجهة للبحر، مع مجموعة من الحيوانات الأليفة، بعد أن غزاه الجوع والفقر والعوز، وهذا ما جعله يعرض أعماله الفنية ولوحاته الثمينة للبيع، باسعار زهيدة، حتى تحول منزله الى مقصد لتجار التحف واللوحات.

وكورليف الغارق في تأملاته وافكاره، يسائل نفسه... هل يعقل أن يلاقي من وضع فنه ورسوماته على العملة اللبنانية التي يتداولها اللبنانيون منذ سنوات طويلة ، هذا المصير المجهول والقاتم؟ وهل يحوز أن يجوع من صمم رسومات الطوابع البريدية والاوراق الخاصة باليانصيب، والتي تصدرها الدولة اللبنانية؟

أسئلة كبيرة وكثيرة احتلت ما تبقى من مخيلة كوروليف الفنان اللبناني - الروسي الاصل الى ان جاءه من ينذره بأخلاء المسكن الذي يشغله، لأنه يقع ضمن المنطقة العقارية لمشروع الوسط التجاري لبيروت.

أكتملت المآساة عند كوروليف. فقر وعوز، أضيف اليهما تشرد، فالذي ساهم في تخطيط بيروت ووضع خرائطها الطوبوغرافية لم يجد فيها مسكنا ً يأويه في آخر ايامه.

عضة كلب مسعور

ويروي جيران بول كورليف الذين عايشوه عشرات السنين، كيف أن هذا العجوز المارد المتمرد، أخذ يودع حيواناته الأليفة التي ساكنته منزله، ووزعها عليهم كي تحظى برعايتهم بعد أن أحس بأنه عاجز عن الاستمرار في خدمتها.

الا أن كلبا ً واحدا ً لم "يلتزم" ب"قرار اخلاء المنزل"، ولم يوافق على قرار صاحبه بأن ينتقل الى منزل الجيران كي يلقى رعاية بديلة عن رعايته، فكشر عن أنيابه، لكن كوروليف صرخ في وجهه محاولا ً طرده من المنزل، فكان أن هجم الكلب على صاحبه، غارزا ً انيابه في يده.. ..

ونقل كوروليف الى المستشفى للمعالجة من عضة الكلب المسعور، واستمر العلاج مدة شهر، قضى على أثرها كوروليف متأثرا ً بمضاعفات أحدثتها عضة الكلب.

... وهكذا، انتهت حكاية بول كوروليف الذي عاش بصمت، وطبع رسوماته على العملة اللبنانية، من الليرة وال10 ليرات وال25 وال50 والمئة وال250 ليرة، من دون أن يدري اللبنانيون الذين تبادلوا هذه العملة، هوية صاحب الرسومات التي كانت مواضيعها تتمحور حول أهم المعالم الأثرية والتاريخية في لبنان.

Interested in the book: The Money of Lebanon – Collectors Edition