أنطوان ملتقى: "زيارة المرأة العجوز" الجلاد والضحية... وغنائية زائدة
السفير - 14 حزيران 1987
عاد الفنان انطوان ملتقى الى المسرح. مخرجا ً "المرأة العجوز" مسرحية الكاتب السويسري فريدريك دورنمات. (مسرح مارون نقاش - مار مخايل).
ترجم النص بحرفية مسرحية وصياغة بالعامية اللبنانية متحركة وحية، ادوار أمين البستاني، ومثلت لطيفة ملتقى "كلارا زاهاناس" العائدة الى قريتها "غولن"، يعدما أثرت وقررت الانتقام من حبيبها "أيل" (نقولا دانيال).
في صباها حملت كلارا من ايل. وامام القاضي انكر ابوته واشترى شاهدين قالا انهما ضاجعا الصبيبة. وهكذا عهرت القرية بكاملها الفتاة ونبذتها. فسافرت. واليوم عادت لتؤلب أهل القرية على حبيبها الخائن، مخصصة جائزة كبيرة و ثمنا ً لجئته. ولذلك حملت معها في القطار، بالاضافة الى اثنين من أزواجها التسعة والقاضي الذي حكمها والشاهدين وخدمها. تابوتا ً مزينا ً على قياس الحبيب الذي دمرها، ليدفن في حديقة أحد قصورها وتطل عليه من شرفتها كل صباح، فهي تحبه رغم كل شيء.
كلارا الضحية التي صارت الجلاد، لا يسعها غير الانتقام من العالم الذي عهرها ولذلك "سأحوله سوقا ً عمومية". فالجلادج والضحية وجهان متلازمان. يظهر أحدهما فيختفي الآخر، وبالدور. وسيء الحظ من لم يسعف في حياته ليلعب الدورين. لأن الحياة لا تكتمل الا بهما. ولا نحسب من سبق الى دور الجلاد أو الضحية، أو من تأخر، يربح أو يخسر أكثر. مجرد اقدار تضعك في حالات لا تلبث أن تتبدل.
مهما ذهب عرض ملتقى رهافة وشفافية، لا يفارقك الاحساس بصفته الاكاديمية (التعليمية) تمثيلا وسيناريو واخراجا ً وديكورا ً واضاءة. فتوزيع الممثلين على الخشبة. وتقسيمها بين رفة "كلارا" في جهة. ودكان "ايل" في الجهة الثانية، والديكور الذي لا يطمح الى اكثر من ملاءمة وجود الممثلين. دون أن يتحول المكان الى عنصر فاعل في المشهد (باستثناء الاشارة الى مشهد عذب مكتوب في سيناريو دورنمات، حين تحول جوقة الممثلين انفسهم اشجارا ً لصناعة الغابة حيث تضاجع الجبيبان ماضيا وحفرا اسميهما.
و اداء الممثلين القريب من الغناء أكثر منه الى التمثيل من ضمن أسلوب عرف به ملتقى وبعض مجايليه من المسرحيين اللبنانيين، ويطبق على أي نص لآية فكرة انتمى.
واكتفاء المخرج من الأفكار والصور والمشاهد والتخيلات والتفاصيل المسرحية، بما "يصنع" عرضا ً متقنا ً، ناجحا ً.
ذلك يعني افتقاد الجديد فغي مسرحية انطوان ملتقى. حرفيته وعمله من ضمن صرامة شكلية - تقنية جاءا على حساب مزاجية الفنان وجنونه وابداعه وقلقه الفني بحثا ً عن تعابير وصور مسرحية. وعن شكل يناسب نص دورنمات القاسي. الجارح بفظاظة، والذي لا تناسبه الغنائية العالية التي صبغ بها.
ممثلو "زيارة العجوز" يغنون حواراتهم. يلحنون الجملة فيضيعون معناها المنطقي. ومعنى كل كلمة فيها. انها طريقة عرف بها ملتقى وبعض زملائه في حركة الستينات. وهي طريقة فريدة في العالم، جعلت بين مسرحيات هذه الحركة، على شفافيتها. وبين الناس حاجزا ً حتى المثقف من الجمهور بات يسائل عن السبب والخلفية لهذا المد الانشادي في جميع أعمال انطوان ولطيفة ملتقى المسرحية والتلفزيونية. وعن شرعية تطبيق هذا النفس المشبع غنائية وفخامة الى حد الملحمية، على قصة بوليسية مثل "10 عبيد زغار" (في التلفزيون) أو على "زيارة العجوز" بالذات!!
تلك أسئلة أطرحها ألان بسرعة في عمق المسيرة المسرحية لملتقى، وربما مسيرة حركة الستينات الطليعية، ولا تنتقص من أهمية "زيارة العجوز" وجدية اعدادها للخشبة بعين فنان أصيل، يضبط كل حركة وصوت واشارة، ويعرف نقل عمل من الخزانة العالمية بمتانة الخبير وقراءة المثقف.
في أول المسرحية "عدية" (موشح) و"عدية" ثانية للختام، تنظم التهم للشرق والغرب" و"الدول الكبرى" و"اللعبة الدولية" نافرة في اسقاطها على المسرحية الحاملة في شخصياتها من الرموز والوضوح ما يغني عن شرح.
سررنا بعودة أنطوان ملتقى الى المسرح. وبعمله الجميل، والذي يحض على البحث، ويثير مع سواه المناخ المسرحي الحقيقي بالهمين الانساني والفني.
جوزف عيساوي
المثقف يقول كلمته في قضايا الساعة: لطيفة ملتقى: الحل في تحكيم الضمير - انطوان ملتقى: وعي الذات يخفف المأساة - جريدة العمل 19 شباط 1986
وللمثقف ايضا ً كلمته في كل ما جرى ويجري في لبنان اليس هو ابن هذا الوطن؟ ألم يدفع أكثر من غيره ضريبة البقاء، في بلد تمزق احشاءه نار الغدر الأعمى؟ ألم يدفع من روحه وقلبه وعقله ثمن التشبث بهذه الأرض ومتابعة الابداع والخلق وسط ظلام الملاجىء وعتمة الطرقات الخاوية؟
نعم دفع االمثقف ككل لبناني ثمنا ً باهظا ً من ذاته. ولا يزال. والسؤال الملح اليوم أكثر من أي يوم مضى، الى أين؟ ومتى النهاية؟
العمل فتحت الباب أمام كل من يتعاطى القلم ويتعامل مع الريشة من شعراء وادباء وفنانين ومسرحيين تستوضحهم رأيهم في ثلاثة:
- الاتفاق الثلاثي
- قضية استقالة رئيس الجمهورية
- الحل للخروج من دوامة الحرب.
"والعمل" اذ تتطرق الى هذا الموضوع مع أهل الثقافة. انما ايمانا ً منها بأن هؤلاء هم الركيزة الاولى التي دعمت بقاء لبنان طيلة الاحد عشر عاما ً من الحرب المدمرة. وبالتالي من حقهم كما المقاتلين والسياسيين أن يساهموا في صنع السلام وفي بناء وطن مستقبلي يكون أفضل من الذي نعيش.
الرأي الآول في هذا المجال كان للشاعر سعيد عقل، تلاه رأي الموقف المسرحي والمخرج ريمون جباره، فالفنان سمير أبي راشد، ثم الشاعر موريس عواد، فالأديب جورج مصروعة والفنان بول غيراغوسيان فالشاعر رياض فاخوري. رأي اليوم للمسرحيين أنطوان ولطيفة ملتقى:
- ما هو موقفك من الاتفاق الثلاثي؟
لطيفة ملتقى: الاتفاق الثلاثي وفق ما ورد وحسب المعطيات التي توافرت للمواطنين من خلال ما نشرته الصحف وتداوله السياسيون وبذلك الشيء الهام حتى نركض وراءه ونسعى الىيه كحلا ً للأزمة التي نعيش فيها نحن لا نتعاطى السياسة لنعرف ما يحاك في الكواليس والتالي ما هي خلفيات او الابعاد الى تطبيق الاتفاق أو عدم تطبيقه ولكن ما يصلنا كاف لتكوين فكرة عامة تسمح القول ان هذا الاتفاق ليس على مستوى المعاناة التي عشنا وهو لا يضمن لنا تطلعاتنا لوحاتنا في العيش بسلام في ارض هذا الوطن.
أنطوان ملتقى: الاتفاق الثلاثي في حد ذاته كاتفاق مبدأ عن مضمونه وما يكسب هذه الفئة او تلك او ما يحل من واحد أو يعقد أخرى بعيد اشد البعد عما يسمى الديمقراطية التي نتغنى بها ولا نكف عن ذكرها في مناسبة او غير مناسبة والمعروف أن المسيحيين في شكل خاص يمارسون في الديمقراطية بها الى حد بعيد. اطلاقا ً من ايماني بهذه الديمقراطية لا أقبل ولا أرضى ان يوقع احد عني اتفاقا ً من دون أن يطلب مني. هذا كان موقفي منذ بدء التحدث عنه. أنا ضد هذا الغلط ولا أسمح أن يتحدث باسمي أحد لا يأخذ في الاعتبار رأي الشعب ويتبنى طروحاته نحن، على الأقل كمسيحيين لم نتعود هذا الأمر. فهناك أشياء غير معقولة حدثت في المبدأ من دون أن أدخل في التفاصيل. واعتبرها ضد كرامتي وحريتي وبالتالي لا أقبل ان يوقع أحد اتفاقا ً باسمي من دون أخذ رأيي في الاعتبار، حتى وان جاء الاتفاق لمصلحتي أو ضدها.
ما هو موقفك من قضية استقالة رئيس الجمهورية؟
لطيفة ملتقى: مركز رئاسة الجمهورية أصبح مكسر عصاء لكل من يريد أن "يقش خلقه" نتيجة فشل مشاريعه وطموحاته واحلامه. ففي كل مرة يرون أبوابا ً مغلقة أمام تحقيق اهدافهم، يطلبون باستقالة رئيس الجمهورية تغطية لفشلهم امام مؤيديهم ومناصريهم. رئاسة الجمهورية لا يمكن أن تمس ولا يسمح لآحدج ان يمسها . وأنا أدعم هذا الرأي مئة في المئة لا بل الف في المئة لقناعتي الراسخة بضرورة ترفيع هذا المنصب وابعاده عن الحساسيات الشخصية. خصوصا ً أنه يتبين في كل مرة أن هدف المطالبات بالاستقالة ليس شخص الرئيس في حد ذاته من أجل ما يدعون تحقيقه فس سبيل الاصلاح. بل مركز رئاسة الجمهورية. وهذا ما نرفضه كليا ً وبكل اصرار من حيث المبدأ، فكيف من حيث التفاصيل والابعاد؟
انطوان ملتقى: المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية ليست جديدة وقد أصبحت قضية معروفة ومتداولة في عهد كل رئيس. فما أضحى أكيدا ً وثابتا ً من خلال التجارب المذكورة ان الهدف من هذه المطالبة ليس شخص الرئيس بل الرئاسة في حد ذاتها وهذه موضة ما زلت اسمع بها منذ نشأتي الاولى. فرئيس الجمهورية يشبع في البدء ويقدم له كل دعم وحين تقع مشكلة ما تعترض تحقيق ما يصبون اليه، يبدأون حملة المطالبة بالاستقالة وانا أعتبر ان هذه اللعبة غير ديمقراطية وأقف ضدها مئة في المئة وحتى انني لا أقبل التحدث فيها وكمواطن لا أقبل أن يطرح موضوع مماثل على البحث.
- كيف تتصور الحل للخروج من دوامة الحرب التي نعيش؟
لطيفة ملتقى: اعتقد ان السبيل الوحيد لذلك هو تحكيم الضمير حتى يهدينا الله الى الطريق القويم ونجد الطريقة المثلى للخروج مما يتخبط فيه عن مأساة منذ ما يزيد على عشرة أعوام. كل ما حصل في الماضي ويحصل اليوم لا مبرر له . ففي كل الدول العالم، تجد الطوائف التي تعيش سويا ً في وطن واحد نفسها امام مشاكل شائكة عدة تعمل بالحوار والمناقشة والبحث لأيجاد حل لها. في حين يحدث العكس لدينا في لبنان. اعتقد ان الحال التي وصلنا اليها هي من غضب الله. وارجو منه تعالى أن يهدي جميع الأطراف حتى ينتقي الحقد من القلوب ويصار فعلا ً الى الاتفاق بروح طيبة بعيدا ً عن المصالح الشخصية في سبيل وطن هو للجميع.
اعتقد أن الازمة اللبنانية تفوق مقدرات ابناء هذا الوطن. لأنها في اصولها وتشعباتها لا تعود اليهم فقط فلو اقتصرت الخلافات على اللبنانيين وحدهم. لكانت حلت ازمتهم منذ امد بعيد ولكن التدخلات الخارجية أكبر من أن تستطيع ان نتحكم بها ونخضعها لارادتنا "نحنا معترين" ننتظر في الزاوية حتى تنتهي الدول الكبرى من اللعب بنا وثؤمن السبيل لانقاذنا. وفي انتظار ذلك فان كل الاتفاقات التي تعقد والأحاديث التي تجرى هي غير مجدية وان كانت تسهم بعض الشيء في التخفيف من وطأة المآساة التي نعيش.
أنطوان ملتقى: العلة الرئيسية ان الحل ليس في ايدي اللبنانيين. يقولون أن المسؤولية تقع علينا ربما هذا صحيح في بعض الأشياء لأن أرضنا الاجتماعية خصبة لدخول المؤامرة وتفاعلها بين ابناء هذا الوطن. من المؤكد ان المؤامرة لن تقف عند حدود لبنان انما ستتخطاه الى دول الشرق الاوسط، ولكننا بدأنا نحن تحمل المسؤولية الأولى عن أنفسنا وعن سوانا. هذه المؤامؤة "وسخة" جدا ً وكثيرون ممن أبدوا رأيهم فيها كانوا على حق.
اعتنقد أن الشيء الوحيد المتاح أمامنا هو ان نعي ذاتنا التي اضعناه منذ مدة بعيدة. خصوصا ً أن الوضع شجع على استغلال هذا الضياع. كيف الحل: اعتقد أننا لا نملكه. وليس من سبيل سوى وعي الذات حتى تنهي الدول الكبرى أزماتها وتقرر انهاء المحنة التي نعيشها في لبنان.
كنيسة للمسرح والسينما والفنون - أنطوان ولطيفه ملتقى يختبران ويطبقان ما يجلب الأطفال والمتجاوبين - النهار 10 كانون الثاني 1981
بنيا مسرحهما الاختباري حلى حجم عطشهما الى العطاء، فجاءت الحرب تهدم ما صنعته ايديهما في سنين من الايمان والنشاط المنطلق من انتمائهما الى المدرسة التعبيرية في المسرح.
أنطوان ولطيفة ملتقى احسستهما، مدى خمس سنوات، خارج مسرحهما الاختباري وكأنهما مبتورا الرئة التي كانت تضخ لهما الهواء، كانا يدوران في حلقة يائسة فارغة من وسيلة التعبير، ركيزة حياتهما.
وزمن التهجير الفكري والجسدي كان طموحهما اعادة النظر في كل ما كون التزامهما المسرحي أو أقل من ذلك، المضي من المنطلق الذي ربيا عليه عجينتهما قبل الحرب، وهذه سرابها لم يكن ليؤذن بغير عمل على خشبة موقتة لا تعي مستقبلها وينتهي وتفقد الحلقة الجامعة الموضوع المطروح غالبا ً قضية غصة شعب، والجمهور الشاهد الأكثر من ملتزم، اذا القضية قضيته والغصة في حلقه.
زمن المسرح الاختباري كان الجمهور يتحلق عند انتهاء المسرحية حول الادوار، يقترب من مؤلفها ومخرجها وممثلها يستمع ويناقش، ومحركه كأس نبيذ أحمر، وأن تعب التقى هنيهة على الحصيرة. وكانت المسرحية المعطاة مرآة تعكس انتماء هذا الجمهور الذي انتقاله من المقعد الهامشي الى حضن المسرحية، فيه أكثر من معنى أوله فك الحواجز بين القاعة والخشبة أي بين الانسان الواضع قناعا ً والانسان المتعري من صدق ما يقال، فيزول انكماش الجالسين في مقاعدهم بآزاء تلقائية ساكني الخشبة. وكذلك شد المشاهد الى لب الموضوع فيستوعب أكثر مما يلهو، ويضحي شريكا ً في لعبة.
وحسرة لطيفة وأنطوان ملتقى، خلال سنوات الحرب، لم تكن في الركود المسرحي من حيث البحث عن مسرحية تلائم الانسان، واخراجها وتوزيع ادوارها. كان ذلك متوافرا ً كلما سنحت الفرصة واستراح المقاتلون وظهر مكان صالح بعيد من المخاطر. الحسرة كانت في بعد الجمهور المشاهد، عن الخشبة وقضيتها كما قبل أن يكون المسرح الاختباري الذي ما أرادوه الا لتقصر المسافات وتتبدد خفايا الكواليس.
والمشروع، وهما قائمان عليه الآن، الى جانب معهد الفنون الجميلة، سيرد حتما الى المسرح الاختباري شأنه والمكان المفقود استبدجل به آخر والخشبة المحور، من حوله العمل المسرحي واهدافه.
كنيسة مار ميخائيل القديمة، حيث تعمد انطوان ملتقى، قائمة على مساحة تحت الأرض من ثماني مئة متر مربع، عرضها عليه المطران اغناطيوس زيادة راعي ابرشية بيروت، ليجعل منها مكانا ً ثقافيا ً مقيدا ً فيجاور فيه المسرح والفن التشكيلي واللقاءات الادبية.
ومن دراسة طويلة بدأت هندسة المكان بناء لتصاميم اعدها المهندس جان حرفوش. والغاية جعل تلك المسافة متعددة التكافؤ وذات ديكور متحرك يتحايل على النشاطات المطروحة فيضمها في أن دون ان يصدم نشاط آخر.
وضع ملتقى نموذجا ً من فئات أخشاب وفوتر ملون، ولعب بالمقاعد والخشبة وتصور أبعادها. والصالة الفسيحة التي صارت شبه مجهزة للموسم الثقافي الغزير، كما سيبدأ به أنطوان ولطيفة ملتقى، تضم في أن مسرحا ً ونادي سينما وقاعة للفن التشكيلي والنحت والموسيقى والمحاضرات والكتب.
والتصميم متحرك، فالى الجدران المكسوة بالستائر والارض بالموكيت تبقى الاشياء متحركة تتفكك وتتركب دون أن تكون ثابتة.
مسرح مار ميخائيل يتحدى المخرج. فما من نوع اخراج الا له خشبته التي حركها أنطوان ملتقى أشكالا ً عدة، كلاسيكي ايطالي ذو خشبة مستقلة تصبح بلعبة خفية اليزابيتية تدخل الوسط ووسطية دائرية يكون فيها الجمهور متحلقا ً ونصف بانورامية وبانورامية كاملة، على عكس الدائرية التي تدعو الناس الى الوسط في مقاعد تدور على ذاتها لملاحقة الخشبة التي تحتاج الى ملاحقتها 360 درجة على غرار الكاميرا.
الاضاءة تكثفت في السقف لتتكيف مع كل مسرح. ومكبرات صوت تلغى أو تشغل بحسب الرغبة والشكل.
وجهات الصالة الاربع خصصت لشاشات سينمائية لنادي سينما أو لامتداد مسرحي.
وانفاذا للمشروع تألفت لجنة من المونسنيور حارث خليفة والاب لويس الحلو والاب بطرس مرعي كلفها راعي والاب بطرس مرعي كلفها راعي ابرشية بيروت، تامين نفقاته ليكون قيد العمل.
والمسرح على نمط بسيط خال من الزخرفة، يلاحظ في غياب اللون الزاهي، فالستائر سوداء لاستيعاب الضوء والارض رمادية والمقاعد عنابية. وهو الحلم الذي تحق:
- فمنذ زمن أنا ولطيفة نبحث كل منا عن أسلوبه في مركز للتفتيشات من حيث الخشبة والجمهور والتفاعل والممثل، كنت أحلم بأن أكون حرا ً طليقا ً غير مقيد بالعوائق التي يخلقها المكان، وتفرضها الخشبة.
أن الأوان لأن نعمل كرجال علم يأخذون النخبة من المسرح ويشتغلون. ان مرحلة الاختبار مرحلية. وههنا اليوم ان نثبت للمسرح وجوده، متوجهين الى اكبر عدد من الناس بأفضل الطرق واصلين الى قلب المتفرج فيغدو مشاركا ً أكثر من متفرج".
ويقول أنطوان ملتقى ان التفتيشات التي قاما بها في الماضي اوصلتهما الى ان المسرح الشرقي غائب تقليديا ً، "تقاليدنا الفنية المسرحية لاوجود لها"، فاقتسبا من الغير من أعمال الغرب.
"فكرنا يومها أترى الاقتباس المستورد يجلب الجمهور اليه وينفعل له؟"
ومن هنا نقطة الاختبار عند لطيفة وانطوان ملتقى "فكرا في المكان، لماذا؟ لأنه متصل بالأنسان، لان هذا يبقى بيته امتدادا لرؤياه الفلسفية والكونية والجودية، فاختلفت العمارات مع اختلاف الشعوب. والمسرح يجب أن يكون امتدادا ً لرؤى الشعوب وتاليا ً المكان الذي يختاره رجل المسرح امتدادا ً لرؤاه:
"المسرح التقليدي (الايطالي) لا يتماشى مع لبنان. نحن جماعة نزيل الحواجز بيننا وبين الاشياء. والجدران بيننا وبين جيراننا، نحب المشاركة والمجاورة، أذكر عندما كنت صغيرا ً حفلة رجل دون مقاعد بل طاولات عليها تزكة عرق والناس مع فرقة الزجل مستمعين في البدء ثم قائلين قافية، حين استتب الكيف".
لطيفة وانطوان ملتقى اعتمدا ً لمسرحهما الجديد برنامجين توأمين. مسرح أطفال دائما ً وآخر للراشدين تعزز فيه ناحية النقاش. والعبرة من مسرح الأطفال ستصل ولا ريب الى الكبار ليكونوا من مشاهديه.
والافتتاح بعملين: مسرحية للصغار اقتبستها لطيفة ملتقى من اسطورة صينية حول قرية تعيش تحت رحمة الاستبداد الى ان تنمو فكرة الخير بين الأهالي، ويتعاونوا على الخلاص بالحيلة أو الزكاء أو الذكاء لا فرق. وستلح لطيفة ملتقى على الحركة والايقاع لتبت المسرحية حياة.
وفي سنة جبران خليل جبران يهىء انطوان ملتقى مراحل من كتاب "النبي" كتبها للمسرح الآن بليسون، فتكون الفاتحة جدية، تحمل ختم المسرح النخبوي الذي يريده الثنائي ونفحة أخرى في المسرح اللبناني الذي هب هبته على خشبات بيروت كلها.
مي منسى
لطيفة ملتقى محترفها الجديد اقوى من التقاعد - النهار 14 تشرين الثاني 1997
اجيال من ممثلي لبنان وممثلاته الاكاديميين، تتلمذوا على يديها ويدي زوجها انطوان ملتقى ورفاقه رواد المسرح اللبناني الحديث، خلال 31 عاما، امضتها في معهد الفنون الجميلة (قسم المسرح) التابع للجامعة اللبنانية منذ انشائه عام 1966. لطيفة ملتقى التي احيلت قبل اكثر من عام عام التقاعد لم تجد بدا من اكمال مسيرتها في اعداد الممثلين، فقبلت من دون تردد بعرض لانشاء محترف مسرحي: "زارني مدير مدرسة "الحضارة" في الزلقا جوزف نصار مع عدد من الطلاب الجامعيينن من اختصاصات مختلفة، عرضوا رغبتهم في دراسة المسرح لايمانهم بأنه وسيلة حضارية لبناء شخصية المرء على كل الصعد، وخصوصا ً أن نصار صاحب تجربة مسرحية وشارك سابقا ً في اعمال عدة. فكرة انشاء المحترف ولدت في مدرسته، وخصص لنا غرفة جهزها بالاضاءة والمتطلبات الازمة وانطلقنا".
عدد كبير من الطلاب انتسب الى المحترف عند انشائه، بقي منهم اليوم أحد عشر طالبا ً تراوح اعمارهم بين 18 و28 عاما ً مدفوعين بحماسة غريبة. والعدد مرشح للزيادة اذا توافر امكان فتح دورة جديدة، اما برنامج الدورة فمنطلق حتما ً من تجربة ملتقى في معهد الفنون وخارجه: "في المحترف اطبق تجربتي في معهد الفنون واضيف اليها ما اختمر من اعمال قمت بها فوق الخشبة. فثمة اضافات ادخلتها الى منهج التعليم اتاحت لي حرية العمل، بعيدا ً عن الهم الاكاديمي واجواء الامتحانات والساعات المحصورة وسواها من الامور التي غالبا ً ما تفيدنا في اطار التعليم الجامعي.
ينقسم العمل في المحترف مرحلتين:
- المرحلة الاولى: توازي السنة التحضيرية والسنة الاولى من برنامج معهد الفنون، وتشتمل على تمارين جسد وصوت وارتجال "ومونولوغ وديالوغ".
- المرحلة الثانية: يعمل خلالها الطلاب على نصوص ومسرحيات قصيرة ينفذونها.
وتمتد المرحلتان سنتين متتاليتين. واللقاء أسبوعي (يوم الثلثاء) من السادسة مساء حتى نحو منتصف الليل: "العمل مكثف. وكنت افضل ان التقي الطلاب مرتين أسبوعيا ً ولكن الامر متعذر حاليا ً. وفي ختام الدورة يحصل الطالب على افادة بالنشاط الذي مارسه في المحترف". لا شروط محددة للانتساب الى المحترف: "يهمنا الجدية والمثايرة. لأننا نتطلع الى قطف ثمار هذه المرحلة عبر الاعداد لأنشاء فرقة للنشاطات المسرحية تقدم مستقبلا ً أعمالا ً جادة. والمجال مفتوح امام الجميع. ولمزيد من المعلومات يمكن لمن يرغب أن يتصل بي على رقم الهاتف 0000000