(1885 - 1964)
أديب مخايل لحود – لبنان على المسرح - اعداد وتقديم الدكتور ايلي لحود (نبذة من كتاب)
السيرة الذاتية
معلم أديب شاعر صحفي ومسرحي
ولد في 25 كانون الثاني 1885 في عمشيت - قضاء جبيل، وتوفي في 5 كانون الثاني 1964. أنهى دروسه في مدرسة الحكمة عام 1904- من أساتذته المعلم سعيد الشرتوني - الخوري يوسف الحداد - عبد الله البستاني وجورج أبيض - ومن زملائه جبران خليل جبران - الأخطل الصغير (بشارة الخوري) - وديع عقل - أمين تقي الدين - محمد كرد علي، وغيرهم من الأدباء والمفكرين، والفلاسفة، والشعراء، الذين كانوا من أركان النهضة وعصر الانبعاث.
أنشأ مدرسة داخلية، اسمها المدرسة الوطنية في عمشيت سنة 1908، أخذت على عاتقها تربية النشء تربية وطنية، وثقافية، وعلمية متفتحة، مسهمة في احياء اللغة والأدب العربيين المهددين بسياسة التتريك والعثمنة، وبتيار الثقافة التركية والأجنبية، وسمومها وكانت المدرسة هذه، الى جانب العربية، تدرس اللغات الفرنسية، والانكليزية، والايطالية، والسريانية. تخرج منها عدد كبير من الأدباء والشعراء والمفكرين.
أسهم في تحرير جريدة "الحكمة" وجريدة "بيبلوس" لنسيبيه سليم وهبه، وروفايل لحود من 1909 الى 1913.
وهو من أوائل الذين نقلوا النشاط المسرحي من بيروت الى الجبل.
عين عام 1916 مديراً للدروس العربية في المكتب العثماني في جبيل. ودرس الأدب واللغة في المدارس والكليات الآتية: كلية الآباء اليسوعيين في بيروت - مدرسة الاخوة المسيحيين في طرابلس - مدرسة الحكمة في بيروت - مدرسة عينطورة - مدرسة ميفوق - مدرسة الأخوة المريميين في جبيل - كلية الشويفات - كلية طرطوس...
له آثار متنوعة وان نشاطه لم يقتصر على الأدب والشعر والمسرح فحسب بل تعداه الى التاريخ، والجغرافيا، والاجتماع، والعلوم... لكنه مع تنوع نشاطه، وتعدد و جوهه، برز في التعليم، والأدب، والشعر، والمسرح تأليفاً واخراجاً.
من آثاره المطبوعة: الدوحة العمشيتية: تاريخ عائلات عمشيت - حضارة العرب في الجاهلية والاسلام: يتحدث عن قبائل العرب وعاداتهم وتقاليدهم وروائعهم وقصورهم وفنونهم - نيل الأرب في تاريخ العرب: كتاب وضع ليكون في متناول كل طالب وأديب ويبحث شتى الموضوعات الأدبية - العادات والأخلاق اللبنانية: كتاب اجتماعي يعرض لجميع العادات التي درج عليها اللبنانيون في الحفلات المختلفة كالمآتم والأعراس والولادة والعمادة وتقاليدهم في الأعياد والمناسبات الدينية والدنيوية. أما مؤلفاته المخطوطة فهي: رفيق الكاتب في ثلاثة أجزاء، يهتم بالأرض والسماء، والحيوان، يبحث الكلمات التقنية في اللغة. وله جزء رابع اسمه فوائد رفيق الكاتب - دروس أشياء حديثة: وضع بطريقة، واسعة، وجديدة، اذ جمع الكتاب بين دفتيه، العلم واللغة - جغرافية لبنان الابتدائية والتكميلية: كتاب مدرسي أسلوبه جديد ومشوق - جراب الأدب: كتاب يحوي الكثير من النوادر، والملح، والفكاهات، لقتل السأم والافادة في الوقت نفسه - نيل الأرب في تاريخ العرب (الجزء الثاني) - وله تعريبان عن الفرنسية الأول بعنوان تاريخ الالزاس، و الثاني قصة ابن آوى، الى جانب درجات القراءة الفرنسية؛ للصفوف الابتدائية (طبعت سنة 1909).
وضع أديب لحود مسرحيات عدة نثرية - شعرية مطبوعة مثل: "لبنان على المسرح" طبعت في (نيويورك – الهدى) سنة 1919: قصة ما عاناه اللبنانيون من عذاب وألم في الحرب العالمية الأولى – "الفتاة المفقودة": خلاف بين زعيمين عربيين يؤدي الى اختطاف ابنة أحدهما – "الشهامة والشرف" أو شيرين الفارسية: رواية عربية فارسية عن فتاة أبت أن تستسلم لابن زوجها المتيم بها – "القديسة بربارة" العذراء الشهيدة: رواية دينية – "أمرؤ القيس" والفتاة الطائية - تصور الذكاء العربي الفطري – "زينب الزباء": تصور الطموح العربي عند المرأة العربية ودهاءها السياسي – "بشر بن أبي عوانه": رواية الشجاعة في خدمة الحب والكرامة - منها ما طبع في المطبعة السليمية لسليم وهبه، ومنها ما طبع في دار صادر.
كما وضع مسرحيات عدة مخطوطة مثل: خطيب اخته - الكندية الحسناء - علياء فرنسيس - حسناء الأندلس – قاتل أخيه - الشهامة والتضحية - تيوفان بطل الاستشهاد.
ومسرحيات هزلية: الاخوان - معاون طبيب الأسنان - عنفيص الراعي - دعيبس والجابي – المحاميان - الخادم الأبله - قرياقوس البخيل - الخليفة الموهوم - زواج زنوبا - دعبول وزقزوق.
ونخص بدراستنا اليوم عنه، والتعريف بمسرحه، المسرحيات الثلاث: "لبنان على المسرح" – "الزباء" (أي زنوبيا) – "الشهامة والشرف" نظراً لما حملته هذه المسرحيات من بذور مهمة تتفتح براعماً، على ضوء قراءتنا الحديثة، لتسهم في ما آل اليه مسرحنا اللبناني فيما بعد، وصولاً الى أيامنا هذه.
مؤلف ومخرج
ان ما ميز أديب لحود؛ الى كونه مؤلفاً، مسرحياً، وشاعراً، هو أنه كان ملماً في ادارة الممثل وفي الاخراج، وكان يعمل على تدريب الممثلين بنفسه في قاعة مدرسته الكبرى، وأحياناً في منزله بالذات، وقد كنت شاهداً بنفسي، وكنت لا أزال صبياً صغيراً على احدى التمارين التي جرت في صالون المنزل، بعد أن أفرغ من محتوياته لهذا الغرض، ولم يسمح لي بالدخول لصغر سني فكنت أصغي الى التعليمات وأسمع أصوات الممثلين رجالاً ونساء، من وراء الحائط والباب، وذات مرة رحت ألهو بكيس الملابس الكبير الذي أتى به من عند المسرحي حينذاك عيسى النحاس الذي كان يؤجر الملابس لكل أنواع العروض التمثيلية. وكنت أراه يشرف بنفسه على رسم وطلاء الستارات التي كانت تشير الى الفصول والأماكن المختلفة، والى الستارات الجانبية المكملة، ويحضر الموسيقى على النوبة وعلى الفونوغراف، والمؤثرات الخارجية، التي كانت تنتج بواسطة أدوات مختلفة، وغالباً ما كان ينتجها الممثلون أنفسهم بأصواتهم المختلفة من وراء الكواليس، أما فيما يختص بالاضاءة فكان يستعمل ما كان يسمى باللوكس أي القنديل على الكاز ذو الشاشة البيضاء والذي كان يسمح لمشغله بواسطة ابرة عيار، أن يخفت الضوء أو يقويه. وذات ليلة ذهبت لحضور مسرحية له، على سطح أحد المنازل برفقة أبي وأخي، وكان العرض ليلاً، رأيته يستعمل للاضاءة أكثر من قنديل من هذا النوع. وكانت الستارات واللوحات القماشية تتبدل بسرعة فائقة، للمحافظة على الايقاع قبل كل فصل بواسطة بكرات حديدية وحبال رفيعة من كل جانب، والخشبة كانت دوماً عالية، واتجاهها بالنسبة للجمهور جبهوي.
لم يقدم بحسب اعتقادي أديب لحود، المسرح الوسطي، وكان اهتمامه ينصب على الشعور الداخلي، والدخول في الشخصية، وجلالة المظهر، والتأثير الصوتي واللفظي، دون اهتمام كبير بما نسميه اليوم اللعب أو التعبير الجسدي الا في النادر وفي بعض الأدوار الكوميدية، أو خلال المشاهد الترفيهية، والمحاورات الخرساء. ويبدو أنه درب الممثلين على الفن الصامت، وكيفية التعبير دون كلام، مشدداً على ايماءات الوجه واليدين. ويروى أنه ذات مسرحية، أراد أحد المعرقلين الغيارى، أن يخاصم العمل المسرحي الفني، فعمل على اقناع ممثل من ممثليه على الانسحاب، ليلة واحدة قبل العرض المقرر. فما كان من أديب لحود الا أن تجرأ ولعب الدور محل الممثل الغائب، وجرى العرض كالمعتاد والمقرر دون أن يشعر أحد بذلك. اذ أنه كان وهو المؤلف والمخرج يحفظ كل أدوار الممثلين. وقد كان يوزع على كل ممثل بعد القراءة الأولى كتيباً صغيراً بالدور مع الجملة الأخيرة لدور الممثل الذي يسبقه أو يتحاور معه. دون اغفال اهتمامه بالمظهر، وبالماكياج والشعر للرجال والنساء، الشباب منهم والشيوخ، وبتحضير أدوات الزينة والمساحيق، وتشييب الشعر، وصباغه، وتركيب اللحى والشاربين والحواجب وأحياناً استعمال الصبغة الحمراء للدماء (بخدعة معينة)، واستعمال الأقنعة، واللوازم التراثية والعربية واللبنانية، والاكسسوارات من بنادق قديمة، وسيوف، ورماح، وخناجر، وطرابيش، وقبعات، وكفيات وعقالات، وخوذ، وأحذية خاصة، وعصي... ونرى أحياناً ممثلين رجال يلعبون أدوار نساء ونساء لعبن دور الرجال: ان دور برباره في مسرحية القديسة برباره لعبه رجل.
ظل أديب لحود – في معظم ما كتب – كلاسيكياً في المسرح، بالنسبة لوحدة الحدث، وتقسيم المسرحية الى فصول ومشاهد، ومراعاة عدم القتل على المسرح. لكنه مزج بين النثر والشعر بذكاء نادر مستعملاً على سبيل المثال الشعر في المونولوغ، أو حينما يكون الممثل أو الممثلة لوحده، أو لوحدها. وكان الشعر وسيلة ليضمنه مشاعره الداخلية، ولواعجه، في حالات الوجد، والهيام، والصبابة، والعتاب، أو الحزن والغم، وللصراخ بصوت عال، ضد الظلم والجور، والطغيان، أو التعبير عن الغضب، أو البوح بالمقاصد الداخلية، والمرامي القريبة أو البعيدة، وفي رواية حادثة لم نرها، أو اعطاء تفاصيل الأمور للمشاهدين الراغبين في معرفة الخفايا، وكل شاردة وواردة. وكانت عنده الجرأة في جعل بطلته امرأة في أكثر من مسرحية ونسمي هنا مثلاً على ذلك: الزباء - شيرين الفارسية - الكندية الحسناء - بربارة الشهيدة - علياء فرنسيس.
وقد كان في ما يكتب يرى تنفيذ العمل على المسرح. فلم تطرح نصوصه مشكلة عند تنفيذها على الخشبة، ولم يكتب نصاً الا ليمثل. وما كتب قط بايغال أدبي صرف، لا علاقة له بالتسلسل الدرامي المسرحي، لذا فقد امتلك حس التنفيذ، وحافظ على ايقاع بحسب الموضوع المطروح أو المعالج، على الرغم من أن لغته كانت في بعض النصوص، تعتبر أدبية كتركيب، وبنية، ومفردات، وأوصاف، ونعوت، الا أنها درامية كهيكلية، وتركيب درامي، وتعاقب أحداث، وتطور، وايقاع، وعنصر مفاجأة، وتشويق. وكان يعرف تماماً كمخرج، وليس فقط ككاتب، متى ينهي الفصل، ومتى يبدأ الفصل الجديد، تاركاً عند المشاهد الشوق والشغف، لمعرفة خواتم الأمور، والذي ستسفر عنه، والى أي منقلب ستنقلب، والى أين ستودي بالأحداث ورجالاتها وأبطالها.
وكان خبيراً بامكانيات الممثل الجسدية، والصوتية، وكيفية التناغم بينهما، ويكره المبالغة، وكل زيادة لا لزوم لها، حيث صرخ ذات مرة بممثل راح يصرخ بصوت مبالغ به: ثقبت لي أذني. كما أنه يكره المبالغة في الحركة وكثرتها، حتى يظل النص هو الأبرز، ويتنعم المشاهد بالبيان، والشعر، في المواقف المتوهجة من العرض. وقد اتسم ممثلوه بالاتزان، وتحلوا بالنطق الجميل، والكلمة الحلوة، والأناقة في الحركة واللباس، والتهذيب في التعامل مع أحداث المسرحية، والخفر في اظهار مشاعرهم الداخلية وأحاسيسهم، فكنت ترى شخوصه أنيقة واضحة، صريحة، تعرف هدفها وتسعى اليه، ومدركة لحدودها، غير منتهكة لها، أو عابثة بمصائرها، ضنينة بنفسها، وقواها الداخلية، وانفعالاتها، ومعاناتها...
وقد تميز أيضاً ممثلوه بالدينامية وسرعة الحركة، وفن المبادرة، اذ كان معظمهم يتقن عمليتي الدخول والخروج، دون تردد أو مماطلة، ويعرف كيف يقتحم الموقف ويتخبط في أمواجه، ويخرج منه؛ مرفوع الرأس مرتين: مرة كشخصية، ومرة كممثل. وكان الممثلون - كما دربهم بصرامة – يؤدون الأبيات الشعرية وكأنها أبيات نثرية، مرجحين كفة التخاطب المسرحي على كفة الالقاء الشعري، دون أية غنائية في الصوت، أو تبجح في الحركة، أو خطأ في التشكيل، أو عنتريات منبرية، لا طائل من ورائها. وكان أديب أثناء التمرينات، يأخذ في اعادة الجملة التعبيرية دون كلل - وبصبر ممزوج بعصبيته المعهودة، حتى استنفادها، واستنفاد طاقة الممثل، وكان الجميع لا يجهل جديته وقسوته على الممثلين في هذا المضمار ويعرفون أيضاً طرافته وتحليه بروح النكتة عند الاستراحة، أو في أوقات الفراغ.
وقد كانت مقدمات رواياته الشعرية من أهم ما كتب شعراً، وتحتوي على ملخص مهم لأهم أحداث الرواية كما كان يسميها. وقد كانت بمثابة برنامج للجمهور والمشاهدين كان يلقى شفهياً بدل أن يطبع ويوزع على الحاضرين كما البرنامج المطبوع الذي يوزع عند بدء العمل المسرحي.
وقد فطن أيضاً - ونظراً لتمرسه بفن التمثيل، واعتماده الوثيق على الزمن، والوقت المنقضي، الى أن المشاهد لا يمكنه، أن يظل محتفظاً برباطة جأشه، ومقدرته على الاصغاء، وجديته طيلة الفصول الخمسة للمسرحية، فعمد على اقحام مسرحيات صغيرة هزلية، أو اسكتشات، أو ألعاب، أو لوحات مضحكة، داخل فصول المسرحية، في هدف الترفيه عن المشاهدين، ومدهم باللذة والمتعة، ونزع كل تشنج أو خوف أو توجس من أفئدتهم وعقولهم ونفوسهم. وأحياناً في نهاية المسرحية المأساوية.
وكان الممثلون في نهاية العرض، وبعد أدائهم التحية، يتحولون الى كورس فينشدون معاً على طريقة الفودفيل أو الكورس اليوناني، النشيد الختامي.
وكان يكتب الأناشيد في مسرحياته الوطنية للبداية أحياناً، وللنهاية، أحياناً أخرى.
ولم يكن يفرض على ممثليه موهبة، ومقدرة، وتقنية المطربين أو المغنين، بل ما يهمه، أن يكون للمثل أذن موسيقية، أي عليه أن يغني بالشكل الصحيح والسليم، لذا فقد كان لدى ممثليه الجرأة في الغناء الجماعي وفي التعبير عن سعادتهم، وفرحهم، في ختام العمل المسرحي كوسيلة أيضاً للترحيب بالمشاهدين، ولشكرهم أيضاً تاركين في ذاكرتهم الأثر الجميل.
لقد كان أديب لحود مؤلفاً، ومخرجاً، وممثلاً اذا اقتضى الأمر، كما رأينا، وقد أخرج أيضاً مسرحيات لسواه: كالخوري يوسف الصايغ - وعبد الله البستاني - يوسف مراد الخوري - والخوري يوسف الحداد - ونجيب حبيقة، وهنالك مسرحية أخرجها سنة 1926 بعنوان الأميران كانت معربة من قبل الخوري يوسف العمشيتي، الذي كان من أساتذة المدرسة الوطنية، ثم أصبح فيما بعد خوري أسقفاً وأمين سر البطريركية المارونية، وهو أديب له مؤلفات عدة.
ارتبط أديب لحود ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ العربي، وله كتب في هذا المضمار: منها "نيل الأرب في تاريخ العرب" جزءان (واحد غير مطبوع) – و"حضارة العرب في الجاهلية والاسلام" الأول طبع في المطبعة السليمية في عمشيت، والثاني في دار صادر. فاستوحى من تاريخ العرب أجمل مسرحياته، ورنا الى التاريخ اللبناني في أزمنته الصاخبة والناتئة، فألف "لبنان على المرسح" و "علياء فرنسيس" بطلة مرجعيون. وكنا نرى دوماً في نتاجه عناوين خلدت المرأة. وقد أدمت حوادث الحرب العالمية الأولى قلبه، فجسدها بهذه المسرحية "لبنان على المرسح" التي طبعت في مطابع جريدة "الهدى"، للأخوين مكرزل في نيويورك، ونفدت نسخها. تجدر الاشارة بأن الأديب كان يستعين بأحد المشرفين على الطلبة الخوري بشاره منصور عبيد لتأمين التجهيزات اللازمة لهذه المسرحية. وافتتن بأعمال علياء فرنسيس، وبفروسيتها في مرجعيون، فخلدها بمسرحية حملت اسمها. كان أديب لحود مثالياً، أراد في مسرحه أن يخلد القيم الانسانية الكبرى، والصفات الحسنة، والشمائل النبيلة، كالوفاء، والفروسية، والشرف، والشهامة، واغاثة الملهوف، والكرم، والذود عن الوطن، وصون العرض، والأمانة، والوداعة، والبطولة والشجاعة، ومحبة القريب، والعفة، والوداد، وخوف الله... صفات وشمائل أخذ البعض منها من التاريخ العربي، والبعض الآخر من تنشئته المسيحية على أيدي والدين فاضلين ورعين من وجهاء القوم في بلدته عمشيت.
كما أنه مزج الشعر بالنثر، في مرونة واحتراف، قل نظيرهما. فكانت مقدمات رواياته شعرية، وكذلك بعض المونولوغات، اقتناعاً منه بأن الشعر هو في أساس المسرح وقد ولد المسرح من رحم الشعر. وقد كتب أيضاً الكوميديات والمهازل والمشاهد المضحكة كونه كان يتمتع بروح مرحة، وحس بالنكتة، لكنه آثر في صياغتها، اللغة المحكية، لأنها أكثر ملأمة للكوميديات. وقد وضع المحاورات الخرساء أي الايمائية مع تغييب كلي للكلام. ولم يكن هذا الفن يعرف بعد في بلادنا. وقد استعمل أيضاً خيال الظل.
(سنة 1911 تخلل فصول رواية "بروتس" لعبد الله البستاني محاورة خرساء مضحكة - سنة 1912 تخلل فصول رواية "يوسف الحسن" لعبد الله البستاني محاورة خرساء مضحكة - سنة 1914 عرض "ابليس والتاجر" رواية خرساء - سنة 1923 تخلل فصول رواية "الأرمنية الحسناء" محاورة خرساء هزلية - سنة 1926 تخلل فصول مسرحية "الأميران" تعريب الخوري يوسف العمشيتي محاورة خرساء). وقد استعمل أيضاً تقنية خيال الظل في البعض من مسرحياته (بحسب روايات شفهية) - شرشف أبيض وقنديل عجلة مربع أو مستطيل. وبذلك لا يمكننا أن نغفل دوره الريادي في فن الايماء.
وجدير بالذكر- كما سبق وتحدثنا عن ذلك - أن كل ما كتبه من مسرحيات كان يمثلها قبل طباعتها، ومنها ما مثل ولم يطبع. فالتمثيل سبق الطباعة في كل ما ألف، ووضع، وكتب. وكان يعرض المسرحيات في مسرح المدرسة الوطنية (وكانت قاعة كبرى متعددة الاستعمالات والنشاطات، أصبحت الآن جزءاً من منزل حفيده أيلي لحود) وفي داخل الدور التراثية، وبعض المنازل المنشرحة والقديمة في بلدته (كمنزل نسيب لحود) وغيره... وخلال الصيف كان يقدم المسرحيات على سطوح المنازل، تيمناً بعادة ايطالية متعلقة بالعروض المسرحية. وهناك حتى الآن سطوح باقية لثلاثة منازل شهدت آنذاك تمثيل مسرحيات لأديب لحود وفرقته (سطح السيد كريستوف كرم - سطح فوق مطبعة عمشيت الحالية بجانب ساحة الجيش اللبناني في الشارع الذي يحمل اسم مدرسته واسمه، وسطح منزل السيد جرجي طرابلسي سابقاً مقابل بيت المحامي والأديب عبد الله لحود)، وكانت تقوم فرقته بجولات شملت منطقة عمشيت وجبيل والبترون وكسروان والفتوح. وكانت الفرقة أحياناً تبيت ليلها قبل العرض أو بعده في اللوكندات التي كانت منتشرة وشائعة حينذاك. وقد أسس فرقته من طلاب وخريجي مدرسته الوطنية، ومن الأهل، والأقارب والأصدقاء، وأبناء البلدة والجوار. وكان يدرب هو بنفسه، وبصوته الجهوري، الممثلين، ويشرف على تحضير الديكور والملابس والعناصر المكملة وكل مستلزمات الخشبة، وغالباً ما يستعمل الفونوغراف والنوبة والكرنيطة والكثير من المؤثرات الصوتية والايحائية. وكانت لفرقته ستارة مرسوم عليها ملاك يحمل اكليلاً ترفع كشعار للفرقة في بداية كل عرض مسرحي، فقدت أو سرقت الله أعلم. وقد مثلت مسرحياته في أماكن عدة (منها في بقنايا في جل الديب) وغيرها من المناطق اللبنانية في مناسبات أعياد القرى. طبعت كما ذكرنا لبنان على المرسح في نيويورك ونفدت نسخها، والآثار الباقية في المطبعة السليمية لقريبه سليم بك وهبه، الذي كان يصدر جريدة الحكمة، وفي دار صادر. وهناك امكانية لوجود نسخ من بعض مسرحياته في المكتبة الشرقية (الجامعة الياسوعية)، وفي مكتبة الجامعة الأميركية، وفي دار الكتب الوطنية. وعند الخاصة، والتلاميذ.
بانوراما نشاطه المسرحي
بدأت مسيرة أديب لحود المسرحية مع تأسيسه لمدرسته الوطنية سنة 1908، حيث قدم محاورة صغيرة (كما أسماها هو) بعنوان "حب الوطن" بين بيار بطل الافرنسيس وكارلوس الدوق دي بوربون. "مات بيار في خدمة ملكه فرنسيس الأول، وكانت وفاته في ساحة الحرب في رومانيا سنة 1524. أما أمير الجيش هو كارلوس المعروف بقند سطبل دي بوربون الذي خان وطنه فرنسا، وخدم في جيش الأعداء لأمور نقمها على أهل جلدته".
سنة 1909 في 2 و3 تموز أخرج أديب لحود مسرحية وكان يسميها رواية. بعنوان "مار يوحنا مارون" للخوري يوسف الصايغ، مؤلفة من ثلاثة فصول وصفت بالأدبية والوطنية والتاريخية وقد ورد في سجل المدرسة ما يلي: "يصير تمثيلها يوم الجمعة للنساء فقط في تمام الساعة 9 عربية. ويوم السبت للرجال الساعة الواحدة بعد الغروب... ويتخلل الرواية ألحان موقعة على الفونوغراف والكرنيتة والنوبة"، جدير بالذكر أنه حتى في كنائس البلدة كان هناك مكان مخصص للنساء، ومكان للرجال، بحيث أن القادم مع زوجته، وبعد دخوله باب الكنيسة يذهب الى مكان، وزوجته تذهب الى مكان آخر فتلتحق بالنساء المصليات.
سنة 1909، وبعد افتتاح المدرسة - وكان الاقبال عليها عظيماً – ألف أديب لحود رواية "القديسة برباره الشهيدة" وأخرجها لتمثل ليلة عيدها، وقد نشرت جريدة "الحكمة" في عدد 20 من السنة الأولى الخبر مفصلاً: "احتفلت هذه المدرسة ليلة السبت 3 كانون بتمثيل رواية القديسة برباره الشهيدة... أم القوم ردهة التمثيل زرافات زرافات... ذكر أديب أفندي لحود أهمية الروايات، وما لها من التأثيرات في قلوب الشعوب. أجاد الممثلون القاءً وايماءً؛ قوطع بتصدية الأيدي مراراً. وكان يتخلل فصول الرواية، أناشيد وقدود، موقعة على الالحان الموسيقية مع فصول هزلية..".
في 3 تموز من سنة 1910، قدم أديب لحود مسرحية "حرب الوردتين" للعلامة عبد الله البستاني، في دارة نسيب روفايل لحود، وهو عم النائب السابق روفايل لحود والد الفنان روميو لحود، ومما ورد في جريدة الحكمة: "حضرها جمع غفير من أهل الطلبة، وأعيان البلدة، والقرى المجاورة، وتكلم فيها الأديب أيضاً".
سنة 1911 ومساء أول تموز، أخرج أديب لحود رواية عربية لعبد الله البستاني بعنوان "بروتس" ذات خمسة فصول، وكانت للرجال حضرها جمع غفير ومما دون في سجل المدرسة: "ابتدأ التمثيل، فخلبت ألباب الحاضرين، نظراً لما شاهدوه في الطلبة من الجرأة على الكلام، وتوقيع الالقاء والايماء، الأمر الذي قلما يحدث نظيره في أكبر المدارس. تخلل فصول الرواية محاورة خرساء مضحكة، ومحاورة افرنسية. ومثل دور هزلي بالانكليزية. ختمت الرواية بدورة حربية رياضية. ولفظ الشماس الأديب شكري الخوري عدوان خطاباً حيا به الحضور، وأثنى على براعة الممثلين".
عام 1912، وعصر التاسع والعشرين من حزيران عرض أديب لحود مسرحية "يوسف الحسن" لعبد الله البستاني. حضرها جمع غفير، لم تشهد المدرسة مثله في باقي السنين، كما ورد في جريدة الحق عدد 158 في 13 تموز 1912 لصاحبها الخوري طوبيا عطالله -
بيت شباب. وهي عربية شعرية للنساء فقط، تحتوي على خمسة فصول. وفي اليوم التالي أعيد تمثيلها للرجال. تخلل فصول الرواية أيضاً محاورة خرساء مضحكة، وقدود، وأناشيد، موقعة على الكرنيتة، والفونوغراف.
وقرب أيام المرافع سنة 1912، وبناء لطلب من أعضاء جمعية صوت الحق قدمت مسرحية صليب السجين، وقد أهدت الجمعية للمدرسة ستاراً من قماش مدهوناً لتمثيل الرواية هذه، وباقي الروايات.
سنة 1913، وفي مطلع شهر تموز، أخرج أديب لحود رواية "تنصر الملك النعمان" ليوسف مراد الخوري وهي عربية شعرية، قدمت عصر الثلاثاء للنساء ثم أعيد تمثيلها مساء الأربعاء للرجال. كان يتخلل فصول الرواية أناشيد مطربة، ومحاورات مضحكة. وفي صيف السنة نفسها في 15 آب، أخرج أديب رواية آرثور دوق بريطانيا للخوري يوسف الحداد. حضرها جمع غفير، وتخلل فصولها، لعبة رياضية تعرف باسم (Drll).
وان آخر أعمال الطور الأول سنة 1914 وقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، واقفال المدرسة، بسبب الظروف. وفي 2 تموز قدم أديب ثلاثة أشياء متنوعة: العمل الأول من فصل واحد بعنوان "قرص الحلوى" وهي تدور حول محاورة أولاد صغار لوالدهم. العمل الثاني هو رواية خرساء مضحكة بعنوان "ابليس والتاجر" أما العمل الثالث فمسرحية هزلية من فصل واحد بعنوان "قرياقوس البخيل".
واثر اندلاع الحرب العالمية الأولى، وحين كانت المدرسة مقفلة، كتب أديب لحود مسرحية "لبنان على المرسح"، وسنأتي على تفصيل الحديث عنها لاحقاً، وأخرجها وقدم اجازة تمثيلها الى السلطات المختصة حينها في 12 حزيران سنة 1919، وحصل على الموافقة لا مانع من تمثيلها فقدمها، ودار بها مع فرقته وعرضها في أماكن عدة. ومع استئناف فتح مدرسته وفي أواخر سنة 1922- 1923 أخرج مسرحية "الأرمنية الحسناء" بحضور نوبة أيتام الأميركان في جبيل التي كانت ألحانها تتخلل الفصول. وخلال سنة 1923- 1924 وقرب أسبوع المرافع قدم محاورتين "أمرؤ القيس مع البدوية الفتاة" و بشر بن أبي عوانة مع عمه عمرو وقد ذكر في سجل المدرسة بأنه بسبب حداد في العائلة لم تقدم رواية كالمعتاد في آخر السنة. أما في السنة التي تلت (1924- 1925) وقرب أسبوع المرافع أيضاً فقد قدم رواية "توافان الجندي الشهيد" وفي 30 حزيران من السنة نفسها وعلى أحد السطوح التي ذكرناها آنفاً، أخرج رواية "حرب الوردتين" لعبد الله البستاني، وقد تخلل الفصول محاورات هزلية افرنسية وعربية.
أما في سنة (1925- 1926) فقد أخرج مسرحية عربها الخوري يوسف العمشيتي - وقد أتينا على ذكره سابقا ً- بعنوان "الأميران"؛ وهي مسرحية تاريخية أدبية مأساوية ذات ثلاثة فصول، وذلك على مسرح المدرسة في الساعة الثامنة زوالية من يوم الأحد. وقد تخلل فصول الرواية محاورة عربية هزلية، ومحاورة خرساء وأناشيد موقعة على الأصول، وألحان موسيقية.
وهذه المسرحية تعلن انتهاء الطور الثاني للمدرسة.
ان الطور الثالث للمدرسة لم يبدأ قبل سنة 1933، واستمر حتى الخمسينات، من القرن الماضي.
ففي سنة 1933 وفي الرابع من كانون الأول مثلت رواية "القديسة برباره الشهيدة"، وفي آخر السنة مثلت رواية "الموثبان قاتل أخيه". وسنة 1934 وفي 29 تموز مثلت رواية "أمرؤ القيس مع الفتاة الطائية" في الساحة العمومية، على أحد السطوح. وسنة 1935 في 14 حزيران عرض أديب لحود رواية "قاتل أخيه".
وفي 25 نيسان سنة 1937 أخرج رواية "الأشباح" للخوري يوسف الحداد برعاية وزير التربية حبيب أبي شهلا الذي أوفد نيابة عنه الأستاذ خليل تقي الدين فحضر مصحوباً بالاستاذ يوسف غصوب. وفي سنة 1938 في 29 حزيران وفي 3 تموز مثلت رواية "الفارس الأسود" لمرتين على التوالي. وفي ختام سنة 1938 مثلت رواية "توافان الشهيد". أما في عيد القديسين بطرس وبولس في 29 حزيران من سنة 1939 فقد أخرج أديب لحود رواية "تنصر النعمان" ليوسف الخوري، حيث مثلت للمرة الأولى للأهل، وفي المرة الثانية أعيد تمثيلها للعموم، في أول تموز. بعدها لم تجري المدرسة أي نشاط بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، حيث أمر المفوض السامي باخلاء المدارس في لبنان. بعد ذلك تابع أديب لحود نشاطه في التأليف والاخراج، فأخرج مسرحية "جريمة النهر" لنجيب حبيقه سنة 1940. وفي صيف 1953 مثل رواية "الكندية الحسناء" على سطح أحد المنازل مع فرقته. وقدم مسرحية "بشر بن عوانة" سنة 1954. و"الزباء" سنة 1955. ومسرحية "شيرين الفارسية"، أو "الشهامة والشرف" سنة 1956.
وكان قد كتب وأخرج مسرحية "علياء فرنسيس بطلة مرجعيون" واشترك نصاً في جائزة التأليف التي نظمتها "حلقة المسرح اللبناني" سنة 1955. وهي قصة واقعية تاريخية جرت حوادثها، أثناء الاضطرابات في حاصبيا، والقليعة، وبيروت بين عام 1854- 1865. لم يغفل الأديب المسرح الساخر من خلال روايات هزلية ساخرة - ذكرناها من قبل - كان يعتبرها وسيلة ناجحة الى النقد البناء المنصف، كما يعتبرها أيضاً، ضرورية للترويح عن المشاهدين لأن المسرح متعة.