قضية الطبيعة وأبعادها - الدكتور حناف منصور
مظاهر الطبيعة - الحيوان - امرؤ القيس
الفرس
وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل
مكر مفر، مقبل مدبر معا ً كجلمود صخر حطه السيل من عل
كميت يزل اللبد عن حال متنه كما زلت الصفواء بالمتزل
على الذيل جياش كأن اهتزامه اذا جاش فيه حميه غلي مرجل
مسح اذا ما السابحات على الونى أثرن الغبار بالكديدج المركل
يزل الغلام الخف من صهواته ويلوي بأثواب العنيف المثقل
درير كخذروف الوليد أمره تتابع كفيه بخيط موصل
له أيطلا ظبي، وساقا نعامة وارخاء سرحان، وتقريب تتفل
ضليع اذا استدبرته سد فرجه بضاف فويق الأرض ليس بأعزل
كأن سراته لدى البيت قائما ً مداك عروس أو صلاية حنظل
كأن دماء الهاديات بنحره عصاره حناء بشيب مرجل
مظاهر الطبيعة - الحيوان - بشامة بن الغدير
الناقة
فقربت للرحل عيرانة عذافزة ً عنتريسا ً ذمولا
مداخلة الخلق مضبورة اذا أخذ الحاقفات المقيلا
لها قرد تسامك نيه تزل الولية عنه زليلا
تطرد أطراف عام خصيب ولم يشل عبد اليها فصيلا
توقد شازرة ً طرفها اذا ما ثنيت اليها الجديلا
بعين كعين مفيض القدا ح اذا اراع يريد الحويلا
وحادرة كنفيها المسيح تنضج أوبر شتا غليلا
وصدر لها مهيع كالخليف تخال بأن عليه شليلا
فمرت على كشب غدوة ً وحاذت بجنب اريك أصيلا
توطأ أغلظ حزانه كوطء القوي العزيز الذليلا
اذا أقبلت قلت مذعورة اطاع لها الريح قلعا ً جفولا
وان أدبرت قلت مشحونة من الرمد تلحق هيقا ً ذمولا ً
وان أعرضت راء فيها البصير ما لا يكلفه أن يفيلا
يدا ً سرحا ً حائلا ً ضبعها تسوم وتقدم رجلا ً زجولا ً
وعوجا ً تناطحن تحت المطا وتهدي بهن مشاشا ً كهولا
تعز المطي جماع الطريق اذا أدلج القوم ليلا ً طويلا ً
كأن يهديها اذا أرقلت وقد جثرن ثم اهتدين السبيلا
يداعائم خر في غمره قد أدركه الموت الا قليلا
مظاهر الطبيعة - الحيوان - علي بن أبي طالب
الطاووس
ابتدعهم خلقا ً عجيبا ً من حيوان وموات، وساكن وذي حركات، فأقام من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته ما انقادت له العقول معترفة به، ومسلمة ً له، ونعقت في أسماعنا دلائله على وحدانيته وما ذرأ من مختلف صور الأطيار التي أسكنها أخاديد الأرض، وخروق فجاحها وراسي أعلامها، من ذات أجنحة مختلفة، وهيئات متباينة، مصرفة في زمام التسخير ومرفرفة ً بأجنحتها في مخارق الجو المنفسح والفضاء المنفرج، كونها بعد أن لم تكن في عجائب صور ظاهرة، وركبها في حقاق مفاصل محتجبة ومنع بعضها بعبالة خلقه أن يسمو في السماء خفوفا ً، وجعله يدف دفيفا ً، ونسقها على اختلافها في الأصابيع بلطيف قدرته، ودقيق صنعته، فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه، ومنها مغموس في لون صبغ قد طوق بخلاف ما صبغ به.
ومن أعجبها خلقا ً الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل، ونضد ألوانه في أحسن تنضيد، بجناح أشرج قصبه، وذنب أطال مسحبه، اذا درج الى الأنثى نشره من طيه، وسما به مظلا ً على رأسه كانه قلع داري عنجه نوتيه يختال بالوانه، ويميس بزيفانه، يفضي كافضاء الديكة ويؤر بملاحقة أر الفحول المغتلمة في الضراب! أحيلك من ذلك على معاينة لا كمن يحيل على ضعيف اسناده؛ ولو كان كزعم من يزعم انه يلقح بدمعة تفسحها مدامعه فتقف في ضفتي جفونه، وان أنثاه تطعم ذلك ثم تبيض لا من لقاح فحل سوى الدمع المنبجس لما كان ذلك باعجب من مطاعمة الغراب تخال قصبه مداري من فضة وما أنبت عليه من عجيب داراته وشموسه خالص العقيان وفلذ الزبرجد؛ فان شبهته بما أنبتت الأرض قلت: جنى جني من زهرة كل ربيع؛ وان ضاهيته بالملابس فهو كموشي الحلل او مونق عصب اليمن؛ وان شاكلته بالحلي فهو كفصوض ذات ألوان قد نطقت باللجين المكلل، يمشي مشي المرح المختال، ويتصفح ذنبه وجناحيه فيقهقه ضاحكا ً لجمال سرباله، وأصابيع وشاحه.
فاذا رمى ببصره الى قوائمه زقا معولا ً يكاد بصوت يبين عن استغاثته. ويشهد بصادق توجعه؛ لأن قوائمه حمش كقوائم الديكة الخلاسية وقد نجمت من طنبوب ساقه صيصية خفية، وله في موضع العرف قنزعت خضراء موشاة ومخرج عنقه كالابريق؛ ومغرزها الى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية، أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال، وكأنه ملفح بمعجر أسحم الا انه يخيل لكثرة مائه وشدة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به. ومع فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الأقحوان أبيض يقق، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق وقل صبغ الا وقد أخذ منه بقسط وعلاه يكثرة صقاله وبريقه وبصيص ديباجه ورونفه فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربها أمطار ربيع ولا شموس قيظ؛ وقد ينحسر من ريشه ويعرى من لباسه فيسقط تترى، وينبت تباعا ً، فينحت من قصبه انحتات أوراق الأغصان ثم يتلاحق ناميا ُ حتى يعود كهيئته قبل سقوطه: لا يخالف سالف ألوانه، ولا يقع لون في غير مكانه. واذا تصفحت شعرة ً من شعرات قصبه أرتك حمرة ً وردية ً ، وتارة ً خضرة ً زبرجدية ً، وأحيانا ً صفرة ً عسجدية ً فكيف تصل الى صفة هذا عمائق الفطن أو تبلغه قرائح العقول، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين وأقل أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه، والألسنة أن تصفه؟ فسبحان الذي بهر العقول عن وصف خلق جلاه للعيون فأدركته محدودا ً عن تلخيص صفته وقعد بها عن تأدية نعته. وسبحان من أدمج قوائم الذرة والهمجة الى ما فوقها من خلق الحيتان والفيلة؛ ووأى على نفسه أن لا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح ألا وجعل الحمام موعده والفناء غايته.
مظاهر الطبيعة - الحيوان - أبو الطيب المتنبي
الأسد
ورد اذا ورد البحيرة شاربا ً ورد الفرات زئيره والنيلا
متخضب بدم الفوارس لابس في غيله من لبدتيه غيلا
ما قوبلت عيناه الا ظنتا تحت الدجى نار الفريق حلولا
في وحدة الرهبان الا أنه لا يعرف التحريم والتحليلا
يطأ الثرى مترفقا ً من تيهه فكأنه آس يجس عليلا
ويرد عفرته الى يأفوخه حتى تصير لراسه اكليلا
وتظنه مما يزمجر نفسه عنها لشدة غيظة مشغولا
قصرت مخافته الخطى فكأنما ركب الكمي جواده مشكولا
القي فريسته وبربر دونها وقربت قربا ً خاله تطفيلا ً
ما زال يجمع نفسه في زوره حتى حسبت العرض منه الطولا
ويدق بالصدر الحجار كأنه يبغي الى ما في الحضيض سبيلا
وكأنه غرته عين فادنى لا يبصر الخطب الجليل جليلا
سبق التقاء له بوثية هاجم لو لم تصادمه لجازك ميلا
خذلته قوته وقد كافحته فاستنصر التسليم والتجديلا
قبضت منيته يديه وعنقه فكأنما صادفته مغلولا
مظاهر الطبيعة - المطر - امرؤ القيس
ديمة
ديمة هطلاء فيها وطف طبق الأرض تحرى وتدر
تخرج الود اذا ما أشجذت وتواريه اذا ما تشتكر
وترى الضب حفيفا ً ماهرا ً ثانيا ً برثنه ما ينعفر
وترى الشجراء في ريعه كرؤوس قطعت فيها الخمر
ساعة ثم انتحاها وابل ساقط الأكناف واه منهمر
راح تمريه الصبا ثم انتحى فيه شؤبوب جنوب منفجر
ثج حتى ضاق عن آذيه عرض خيم فجفاف فيسر
قد غدا يحملني في أنفه لا حق الألطين محبوك ممر
مظاهر الطبيعة - المطر - علي بن أبي طالب
دعاء في الاستسقاء
اللهم! قد انصاحت جبالنا، واغبرت أرضنا، وهامت دوابنا، وتحيرت في مرابضها، وعجت عجيج الثكالى على أولا دها، وملت التردد في مراتعها، والحنين الى مواردها.
اللهم! فارحم أنين الآنة، وحنين الحانة! اللهم! فارحم حيرتها في مذاهبها، وانينها في موالجها!
اللهم! خرجنا اليك حين اعتكرت علينا حدابير السنين، واخلفتنا مخايل الجود، فكنت الرجاء للمبتئس، والبلاغ للملتمس. ندعوك حين قنط الأنام، ومنع الغمام، وهلك السوام، ان لا تؤاخذنا باعمالنا، ولا تأخذنا بذنوبنا؛ وانشر علينا رحمتك بالسحاب المنبعق، والربيع المغدق، والنبات المونق، سحا ً وابلا ُ، تحيي به ما قد مات، وترد به ما قد فات..
اللهم! سقيا ً منك محيية ً، مردية، تامة، عامة، طيبة، مباركة، هنيئة، مريعة، زاكيا ً نبتها، ثامرا ً فرعها، ناضرا ً ورقها، تنعش بها الضعيف من عبادك، وتحيي بها الميت من بلادك.
اللهم! سقيا منك تعشب بها نجادنا وتجري بها وهادنا، وتخصب بها جنابنا، وتقبل بها ثمارنا، وتعيش بها مواشينا، وتندى بها أقاصينا، وتستعين بها ضواحينا، من بركاتك الواسعة، وعطاياك الجزيلة، على بريتك المرملة، ووحشك المهملة. وأنزل علينا سماء ً مخضلة، مدرارا ً هاطلة، يدافع الودق منها الودق، ويحفز القطر منها القطر. غير خلب برقها، ولا جهام عارضها، ولا قزع ربابها، ولا شفان ذهابها؛ حتى يخصب لامراعها المجدبون، ويحيي ببركتها المسنتون!
مظاهر الطبيعة - المطر - أبو تمام
مطر الصحو
مطر يذوب الصحو منه وبعده صحو يكاد، من الغضارة، يقطر
غيثان: فالأنواء غيث ظاهر لك وجهه، والصحو غيث مضمر
يا صاحبي تقصيا نظريكما تريا وجوه الأرض كيف تصور
تريا نهارا ً مشمسا ً قد شابه زهر الربى فكأنما هو مقمر
دنيا معاش للورى حتى اذا حل الربيع فانما هي منظر
أضحت تصوغ بطونها لظهورها نورا ً، تكاد له القلوب تنور
من كل زاهرة ترقرق بالندى فكأنها عين اليك تحدر
تبدو، ويحجبها الجميم كأنها عذراء، تبدو، تارة، وتخفر
حتى غدت وهداتها وتجادها فئتين، في حلل الربيع، تبختر
مظاهر الطبيعة - المطر - بدر شاكرالسياب
انشودة المطر
كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم
وقطرة قطرة تذوب في المطر...
وكركر الاطفال في عرائش الكروم،
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودة المطر...
مطر...
مطر ...
مطر...
تثاءب المساء، والغيوم ما تزال.
تشح ما تشح من دموعها الثقال
كأن طفلا ً بات يهذي قبل أن ينام:
بأن أمه - التي أفاق منذ عام
فلم يجدها، ثم حين لج في السؤال
قالوا له: "بعد غد تعود..."
لا بد أن تعود
وان تهامس الرفاق أنها هناك
في جانب التل تنام نومة اللحود
تشف من تلاابها وتشرب المطر،
كأن صيادا ً حزينا ً يجمع الشباك
ويلعن المياه والقدر
وينثر الغناء حيث يأفل القمر
مطر...
مطر..
أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟
وكيف تنشج المزاريب اذا نهمر؟
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟
بلا انتهاء - كالدم المراق، كالجياع،
كالحب، كالاطفال، كالموتى - هو المطر!
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروق
سواحل العراق بالنجوم والمحار،
كأنها تهتم بالشروق
فيسحب الليل عليها من دم دثار.
أصيح بالخليج: "يا خليج
يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والردى!"
فيرجع الصدى
كأنه النشيج:
"يا خليج
يا واهب المحار والردى..."
مظاهر الطبيعة - الشجرة - حميد بن ثور الهلالي
الشجرة - المرأة
علا النبت حتى طال أفنانها العلا وفي الماء أصل ثابت وعروق
فيا طيب رياها ويا برد ظلها اذا حان من شمس النهار وديق
وهل انا ان عللت نفسي بسرحة من السرح مسدود علي طريق؟
حمى ظلها شكس الخليقة، خائف عليها غرام الطائفين شفيق
فلا الظل منها بالضحى تستطيعه ولا الفيء منها بالعشي تذوق
وما وجد مشتاق أصيب فؤاده أخي شهوات بالعناق لبيق
بأكثر من وجدي على ظل سرحة من السرح، اذ أضحى، علي رفيق
مظاهر الطبيعة - الرياض - ابن الرومي
الروضة المرأة
ورياض تخايل الأرض فيها خيلاء الفتاة في الأبراد
ذات وشي تناسجته سوار لبقات بحوكه، وغواد
شكرت تعمة الولي على الوسمي ثم العهاد بعد العهاد
فهي تثني، على السماء، ثناء طيب النشر شائعا ً في البلاد
من نسيم كأن مسراه، في الأرواج، مسرى الأرواح في الأجساد
حملت شكرها الرياح فأدت ما تؤديه السن العواد
منظر معجب، تحية أنف ريحها ريح طيب الأولاد
تتداعى بها حمائم شتى كالبواكي وكالقيان الشوادي
من مثان ممتعات، قران وفراد مفجعات وحاد
تتغنى القران منهن في الأيك وتبكي الفراد شجو الفراد
مظاهر الطبيعة - الجبل - ابن خفاجة
وقور مطرق في العواقب
بعيشك هل تدري اهوج الجنائب تخب برحلي أم ظهور النجائب
فما لحت في أولى المشارق كوكبا ً فأشرقت حتى جبت أخرى المغارب
وحيدا ً تهاداني الفيافي فأجتلي وجوه المنايا في قنلع الغياهب
ولا جار الا من حسام مصمم ولا دار الا في قتود الركائب
ولا أنس الا أن أضاحك ساعة ً ثغور الأماني في وجوه المطالب
بليل اذا ما قلت قد باد فانقضى تكشف عن وعد من الظن كاذب
سحبت الدياجي فيه سود ذوائب لأعتنق الأمال بيض ترائب
فمزقت جيب الليل عن شخص أطلس تطلع وضاح المضاحك قاطب
رأيت به قطعا ً من الفجر أغبشا ً تأمل عن نجم توقد تاقب
وأرعن طماح الذؤابة باذج يطاول أعنان السماء بغارب
يسد مهب الريح عن كل وجهة ويزحم ليلا ً شهبه بالمناكب
وقور على ظهر الفلاة كأنه طوال الليالي مطرق في العواقب
يلوث عليه الغيم سود عمائم لها من وميض البرق حمر ذوائب
أصخت اليه وهو أخرس صامت فحدثني ليل السرى بالعجائب
وقال ألاكم كنت ملجأ فاتك وموطن أواه تبتل تائب
وكم مر بي من مدلج ومؤؤب وقال بظلي من مطي وراكب
ولاطم من نكب الرياح معاطفي وزاحم من خضر البحار جوانبي
فما كان الا أن طوتهم يد الردى وطارت بهم ريح النوى والنوائب
فما خفق ابكي غير رجفة أضلع ولا نوح ورقي غير صرخة نادب
وما غيض السلوان دمعي وانما نزفت دموعي في فراق الأصاحب
فحتى متى أبقى ويظعن صاحب أودع منه راحلا ً غير آيب
وحتى متى أرعى الكواكب ساهرا ً فمن طالع أخرى الليالي وغارب
فرحماك يا مولاي دعوة ضارع يمد الى نعماك راحة راغب
فأسمعني من وعظة كل عبرة يترجمها عنه لسان التجارب
فسلى بما أبكى وسرى بما شجا وكان على ليل السرى خير صاحب
وقلت وقد نكبت عنه لطية سلام فانا مقيم وذاهب
مظاهر الطبيعة - المساء - ابن الرومي
روضة الأصيل
وقد رنقت شمس الأصيل ونفضت على الفق الغربي ورسا ً مزعزعا ً
وودعت تادنيا، لتقضي نحبها وشول باقي عمرها فشعشعا
ولاحظت النوار، وهي مريضة وقد وضعت خدا ً الى الأرض أضرعا،
كما لاحظت عواده عين مدنف توجع، من أوصابه، ما توجعا.
وظلت عيون النور تخضل بالندى كما اغرورقت عين الشجي لتدمعا
يراعينها صورا ً اليها، روانيا ً، ويلحظن ألحاظا ً من الشجو خشعا ً.
وبين اغضاء الفراق عليهما، كأنهما خلا صفاء تودعا
وقد ضربت في خضرة الروض صفرة من الشمس، فاخضر اخضرار ً مشعشعا ً،
وأذكى نسيم الروض ريعان ظله، وغنى مغني الطير فيه، فسجعا،
وغرد ربعي الذباب خلاله، كما حثحث النشوان صنجا ً مشرعا ً،
فكانت أرانين الذباب هناكم، على شدوات الطير ضربا ً موقعا ً
وفاضت أحاديث الفكاهة بيننا، كأحسن ما فاض الحديث وأمتعا.
مظاهر الطبيعة - المساء - خليل المطران
جنازة الأضواء
يا للغروب وما به من عبرة للمستهام، وعبرة للرائي!
أو ليس نزعا ً للنهار وصرعة للشمس بين جنازة الأضواء؟
أو ليس طمسا ً لليقين، ومبعثا ً للشك بين غلائل الظلماء؟
أو ليس محوا ً للوجود الى مدىً وابادة ً لمعالم الاشياء،
حتى يكون النور تجديدا ً لها ويكون شبه البعث عود ذكاء؟
ولقد ذكرتك والنهار مودع، والقلب بين مهابة ورجاء،
وخواطري تبدو تجاه نواظري كلمى كدامية السحاب ازائي،
والدمع من جفني يسيل مشعشعا ً بسنى الشعاع الغارب المترائي،
والشمس، في شغف يسيل نضاره فوق العقيق على ذرى سوداء،
مرت خلال غمامتين تحدرا ً وتقطرت كالدمعة الحمراء،
فكأن آخر دمعة للكون قد مزجت بآخر أدمعي لرثائي،
وكأنني آنست يومي زائلا ً، فرأيت في المرآة كيف مسائي!
مظاهر الطبيعة - الليل والنهار - بشر فارس
نهار وليل
بودي لو أنهض والنهار باسم
فألمح الى عجائب فأستملي
لكني أخو العجز
لا أزال ظلا ً للنعاش المتثائب.
فلو اندفع النور لفتك بالأشواق
ذات مساء الى وليجة نفسي تحدرت
- بدوة من بدوات -
هل أردت تصفح البستان لا ثمر فيه ولا زهر؟
تحدرت وما استطعت الصعود
لوجهي صرعني هول ما دريت ما يكون
الحب وحده كان يقوى أن يسعفني فأصعد
لكنه جاء من بعد، من عل، من مغيب البعد
أقبل عاجلا ً مترعا ً بالضوء فيض غير مستحق
شد ما فتنني فذوبته في خاطرى
وفي الخاطر ظللنا روحا ً لصق روح
كلانا جاثم مخنق مخفق
هل كان في وسعى ان أدرك
قبل ان أغفو وأذهب في الغفوة
- يا له من سبات لطيف في ضميره خصب ونشاط -
هل كان في وسعي ان أحلم باليقظة الناعمة
بالأعجوبة يعانقها النور؟
في البدء داخل الليل نهاري واسرف
فغلظت العتمة
ولكني اصررت على التبصر
أصر
والآن الآن أذكر كيف لفت العتمة خاطري
يا لله! يا ظلمة تجري الخوارق في وليجة نفس
يا ظلمة ً أصبحت منبت مصير محير مصيري الوهاج
مظاهر الطبيعة - الخراب - امرؤ القيس
الاطلال
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوب وشمال
ترى بعر الارام في عرصاتها وقيعانها كانه حب فلفل
كأني غداة البين يوم تحملوا لدى سمرات الحي ناقف حنظل
وقوفا ً بها صحبي علي مطيهم يقولون: لا تهلك أسى وتجمل
وان شفائي عبرة مهراقة فهل عند رسم دارس من معول؟
مظاهر الطبيعة - الخراب - البحتري
قصر كسرى
صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس
وتماسكت، حين زغزغني الدهر، التماسا ً منه لتعسي ونكسي
بلغ من صبابة العيش، عندي، طففتها الايام تطفيف بخس
وبعيد ما بين وارد رفه، علل شربه، ووارد خمس
وكأن الزمان، أصبح محمو لا ً هواه مع الاخس الأخس
واشترائي العراق خطة غبن، بعد بيعي الشآم بيعة وكس
لا ترزني، مزاولا ً لاختباري، عند هذي البلوى، فتنكر مسي
وقديما ً عهدتني ذاهنات آبيات، على الدنيئات، شمس
ولقد رابني نبو ابن عمي، بعد لين من جانبيه وانس
واذا ما جفيت، كنت حريا ً ان ارى غير مصبح حيث امسي
حضرت رحلي الهموم، فوجهت الى ابيض المدائن عنسي
اتسلى عن الحظوظ، وآسي لمحل من آل ساسان درس
ذكرتينهم الخطوب التوالي، ولقد تذكر الخطوب وتنسي
وهم خافضون في ظل عال، مشرف، يحسر العيون ويخسي
مغلق بابه، على جبل القب ق، الى دارتي خلاط ومكس
حلل لم تكن، كاطلال سعدى، في قفار من البسابس ملس
ومساع، لولا المحاباة مني، لم تطقها مسعاة عنس وعبس
نقل الدهر عهدهن عن الجد ة، حتى غدون انضاء لبس
فكأن الجرماز، من عدم الأن س، واخلاقه، بنية رمس
لو تراه، علمت ان الليالي جعلت فيه مأتما ً ، بعد عرس
وهو ينبيك عن عجائب قوم، لا يشاب البيان فيهم يلبس
فاذا ما رايت صورة انطا كية، ارتعت بين روم وفرس
والمنايا مواثل، وانوشر وان يزجي الصفوف تحت الدرفس
في اخضرار من اللباس، على اصف ر، يختال في صبيغة ورس
وعراك الرجال، بين يديه، في خفوت منهم واغماض جرس
من مشيح، يهوي بعامل رمح، ومليح من السنان بترس
تصف العين انهم جد احيا ء لهم ، بينهم، اشارة خرس
يغتلي فيهم ارتيابي، حتى تتقراهم يداي بلمس
قد سقاني، ولم يصرد، ابو الغوث، على العسكرين، شربة خلس
من مدام، تقولها هي نجم أضواء الليل، أو مجاجة شمس
وتراها، اذا اجدت سرورا ً وارتياحا ً للشارب المتحسي
أفرغت في الزجاج في كل قلب، فهي محبوبة الى كل نفس
وتوهمت ان كسرى أبرويز معاطي، والبلهبذ أنسي
حلم مطبق على الشك عيني، ام امان غيرن ظني وحدسي
وكأن الايوان، من عجب الصن عة، جوب في جنب أرعن جلس
يتظنى، من الكآبة، ان يبدو لعيني مصبح أو ممسي
مزعجا ً بالفراق عن أنس الف، عز، او مرهقا ً بتطليق عرس
عكست حظه الليالي، وبات المشتري فيه، وهو كوكب نحس
فهو يبدي تجلدا ً، وعليه كلكل من كلاكل الدهر مرسي
لم يعبه أن بز من بسط الديبا ج، واستل من ستور الدمقس
مشمخر، تعلو له شرفات، رفعت في رؤوس رضوى وقدس
لابسات من البياض، فما تب صر منها الا فلائل برس
ليس يدرى، أصنع انس لجن، سكنوه، ام صنع جن لانس؟
غير أني أراه يشهد أن لم يك بانيه، في الملوك، بنكس
فكأني أرى المراتب والقو م، اذا ما بلغت آخر حسي
وكأن الوفود ضاحين حسرى، من وقوف خلف الزحام ، وخنس
وكأن القيان، وسط المقاص ير، يرجحن بين حو ولعس
وكأن اللقاء اول من أم س ، ووشك الفراق أول أمس
وكأن الذي يريد اتباعا ً، طامع في لحوقهم صبح خمس
عمرت للسرور دهرا ً، فصارت، للتعزي، رباعهم، والتأسي
فلها أن أعينها بدموع موقفات على الصبابة، حبس
ذاك عندي، وليست الدار داري، باقتراب منها، ولا الجنس جنسي
غير نعمى لاهلها عند أهلي، غرسوا من ذكائها خير غرس
أيدوا ملكنا ً، وشدوا قواه بكماة تحت السنور حمس
وأعانوا على كتائب أريا ً ط بطعن، على النحور، ودعس
واراني من بعد، أكلف بالأشراف طرا ً، من كل سنخ واس
مظاهر الطبيعة - الخراب - خليل مطران
قلعة بعلبك
هم فجر الحياة بالادبار فاذا مر فهي في الآثار
والصبى كالكرى نعيم ولكن ينقضي والفتى به غير داري
يغنم المرء عيشه في صباه فاذا بان عاش بالتذكار
ايه اثار "بعلبك" سلام بعد طول النوى وبعد المزار
ووقيت العفاء من عرصات مقويات اواهل بالفخار
ذكريني طفولتي واعيدي رسم عهد من اعيني متواري
مستطاب الحالين صفوا ً وشجوا ً مستحب في النفع والاضرار
يوم امشي على الطلول السواجي لا افترار فيهن الا افتراري
نزقا ً بينهن غرا ً لعوبا ً لاهيا عن تبصر واعتبار
مستقلا ً عظيما ً متخفا ً ما بها من مهابة ووقار
يوم اخلو "بهند" نلهو ونزهو والهوى بيننا أليف مجاري
كفراش الرياض اذ يتبارى مرحا ً ما له من استقرار
نلتقي تارة ونشرد أخرى كل ترب في مخبأ متداري
فاذا البعد طال طرفة عين حثنا الشوق مؤذنا ً بالبدار
وعداد اللحاظ نصفو ونشقى بجوار ففرقة فجوار
ليس في الدهر سعد ولكن تلد السعد محنة الاكدار
كلما نلتقي اعتنقنا كأنا جد سفر عادوا من الاسفار
قبلات على عفاف تحاكي قبلات الانداء والاسحار
واشتباك كضم غصن اخاه وكلثم النوار للنوار
قلبنا طاهر وليس خلياً أطهر الحب في قلوب الصغار
كان ذاك الهوى سلاما ً وبردا ً فاغتدى حين شب جذوة نار
حبذا "هند" ذلك العهد لكن كل شيء الى الردى والبوار
هد عزمي النوى وقوض جسمي فدمار يمشي بدار دمار
خرب حارت البرية فيها فتنة السامعين والنظار
معجزات من البناء كبار لاناس ملء الزمان كبار
البستها الشموس تفويف در وعقيق على رداء نضار
وتحلت من الليالي بشاما ت كتنقيط عنبر في بهار
وسقاها الندى رشاش دموع شربتها ظوامىء الانوار
زادها الشيب حرمة وجلالا ً توجتها به يد الاعصار
رب شيب اتم حسنا ً واولى واهن العزم صولة الجبار
معبد للاسرار قام ولكن صنعه كان اعظم الاسرار
مثل القوم كل شيء عجيب فيه تمثيل حكمة واقتدار
صنعوا من جماده ثمرا ً يجني ولكن بالعقل والابصار
وضروبا ً من كل زهر انيق لم تفتها نضارة الازهار
وشموسا ً مضيئة وشعاعا ً باهرات لكنها من حجار
وطيورا ً ذواهبا ً آبيات خالدات الغدو والابكار
في جنان معلقات زواه بصنوف النجوم والانوار
واسودا ً يخشى التحفز منها ويروع السكوت كالتزآر
عابسات الوجوه غير غضاب باديات الانياب غير ضواري
في عرانينها دخان مثار وبالحاظها سيول شرار
تلك آياتهم وما برحت في كل آن روائع الزوار
ضمها كلها بديع نظام دق حتى كأنها في انتثار
في مقام للحسن يعبد بعد العقل فيه والعقل بعد الباري
منتهى ما يجاد رسما ً وأبهى ما تحج القلوب في الانظار
اهل "فينيقيا" سلام عليكم يوم تفنى بقية الادهار
لكم الأرض خالدين عليها بعظيم الاعمال والاثار
خضتم البحر يوم كان عصيا لم يسخر لقوة من بخار
ركبتم منه جوادا ً حرونا ً فلقا ً بالمرس المغوار
ان تمادى عدوا ً بهم كبحوه واقالوه ان كبا من عثار
واذا ما طغى بهم اوشكوا ان ياخذوا لاعبين بالاقمار
غير صعب تخليد ذكر على الار ض لمن خلدوه فوق البحار
شيدوها للشمس دار صلاة واتم "الرومان"حلى الدار
هم دعاة الفلاح في ذلك العصر واهل العمران في الامصار
نحتوا الراسيات تحت صخور وابانوا دقائق الافكار
واجادوا الدمى فجاز عليهم انها الامرات في الاقدار
سجدوا للذي هم صنعوه سجدات الاجلال والاكبار
بعد هذا، اغاية فترجى لتمام، ام مطمع في افتخار؟
نظرت "هند" حسنهن فغازت، انت ابهى يا هند من ان تغاري
كل هذي الدمى التي عبدوها لك يا ربة الجمال جواري
مظاهر الطبيعة - العمران - بشار بن برد
السفينة
... وملعب النون أيرى بطنه من ظهره أخضر مستصعب
عطشان ان تأخذ عليه الصبا يفحش على البوصي أو يصخب
كان أصواتا ً بأرجائه من جندب فاض الى جندب
ركبت في أهواله ثيبا ً اليك أو عذراء لم تركب
لما تيممت على ظهرها لمجلس في بطنها الحوشب
هيأت فيها حين خيستها من حالك اللون ومن أصهب
فأصبحت جارية بطنها ملان من شتى فلم تضرب
لا تشتكي الأين اذا ما انتحت تهدي بهاد بعدها قلب
راعي الذراعين لتحريزها من مشرب غار الى مشرب
اذا انجلت عنها بتياره وارفض آل الشرف الأحدب
ذكرت من هقل غدا خاضبا ً أو هقلة ربداء لم تخضب
تصر أحيانا ً بسكانها حرير باب الدارخ المذنب
بمثلها يجتاز في مثله ان جد جدت ثم لم تلعب
دعموص نهر أنشبت وسطه ان تنعب الريح لها تنعب
مظاهر الطبيعة - العثران - البحتري
البركة
ميلوا الى الدار من ليلى، نحييها؛ نعم، ونسألها عن بعض اهليها
يا دمنة، جاذبتها الريح بهجتها، تبيت تنشرها طورا ً وتطويها
لا زلت في حلل، للغيث، ضافية، ينيرها البرق احيانا ً، ويسديها
تروح بالوابل الداني روائحها، على ربوعك، او تغدو غواديها
ان البخيلة لم تنعم لسائلها، يوم الكثيب، ولم تسمع لداعيها
مرت تأود، في قرب وفي بعهد؛ فالهجر يبعدها، والدار تدنيها
لولا سواد عذار، ليس يسلمني الى النهي، لعدت نفسي عواديها
يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها، والآنسات، اذا لاحت مغانيها
بحسبها أنها، في فضل رتبتها، تعد واحدة، والبحر ثانيها
ما بال دجلة كالغيرى، تنافسها في الحسن، طورا ً واطوارا ً تباهيها!
اما رأت كالىء الاسلام، يكلؤها من ان تعاب، وباني المجد يبنيها
كأن جن سليمان الذين ولوا ابداعها، فأدقوا في معانيها
فلو تمر بها بلقيس عن عرض، قالت: هي الصرح تمثيلا ً وتشببها
تنصب فيها وفود الماء معجلة، كالخيل، جارية من حبل مجريها
كأنما الفضة البيضاء سائلة من السبائك، تجري في مجاريها
اذا علتها الصبا، ابدت لها حبكا ً مثل الجواشن، مصقولا ً حواشيها
فحاجب الشمس، أحيانا ً، يضاحكها؛ وريق الغيث، احيانا ُ ، يباكيها
اذا النجوم تراءت في جوانبها ليلا ً، حسبت سماء ركبت فيها
لا يبلغ السمك المحصور غايتها، لبعد ما بين قاصيها ودانيها
يعمن فيها باوساط مجنحة، كالطير تنقض في جو خوافيها
لهن صحن رحيب في اسافلها، اذا انحططن، وبهو في اعاليها
صور الى صورة الدلفين، يؤنسها منه انزواء بعينيه يوازيها
تغني بساتينها القصوى، برؤيتها، عن السحائب، منحلا ً عزاليهات
كأنها، حين لجت في تدفقها، يد الخليفة لما سال واديها
وزادها رتبة، من بعد رتبتها، أن اسمه، يوم يدعى، من اساميها
محفوفة برياض، لا تزال ترى ريش الطواويس، نحكيه ويحكيها
ودكتين كمثل الشعريين غدت احداهما بازا الاخرى نساميها
اذا مساعي امير المؤمنين بدت للواصفين، فلا وصف يدنيها
ان الخلافة لما اهتز منبرها بجعفر، اعطيت اقصى امانيها
ابدى التواضع، لما نالها، دعة ً عنها، ونالته، فاحتالت به تيها
اذا تحلت له الدنيا بحليتها، رأت محاسنها الدنيا مساويها
يا ابن الاباطح من ارض، ايباطحها، في ذروة المجد، اعلى من روابيها
ما ضيع الله، في بدو ولا حضر، رعية، انت بالاحسان راعيها
مظاهر الطبيعة - العمران - محمد المويلحي
قصر الجيزة
من كتاب حديث عيسى بن هشام:
قال عيسى بن هشام - ووصلنا الى قصر الجيزة ومتحف الآثار. وملتقى السيارة من سائر الأقطار فدخلنا روضة تجري الأنهار من بينها. كأنها الجنة بعينها. ولما رأى الباشا مسالك الروض منضدة. وطرقه مرصعة مزردة. حسبها ارضا ً مفروشة. ببسط منقوشة واشكال الأمر عليه. فهم بخلع نعليه فقلت طريق معبد. لا فرش منجد. وحصباء ومرو. لا بساط وفرو. ثم شاهدنا قصرا ً يكل عنه الطرف. ويقصر دونه الوصف فسرنا نرتاد خلاله. ونتقيأ ظلاله. فاذا الأسود مقصورات في المقاصير. والأساود مكفوفات في الفوارير. ورأينا النمور. في الخدور، والرئال. في الحجال. والذئاب في القباب، والظباء في الخباء. فقال الباشا لمن هذه الجنان. وكيف يسكنها الحيوان. وما علمت من قبل ان الليوث الضواري، تسكن مغاني الجواري. وأن أوابد البيد، تتحجب في خدور الغيد. فقلت له سبحان القادر العظيم، هذا بيت اسماعيل بن ابراهيم. طالما كانت حجراته مطالع للأقمار. ودرجاته منازل للأقدار. كان اذا نادى صاحبه فيه "يا غلام"، شقيت أقوام وسعدت أقوام. ولبى نداءة البؤس والندى باسرع من رجع الصدى.
وكان من احتمى بظل هذا الجدار. تحامته غوائل الأزمان والأدهار. - هنا كان يفضل الأمر ويحكم. وينقض الحكم و يبرم - هنا كانت تنفرط فرائد القلائد. من أحياد الخرائد. فتختلط بمنثور أزهاره. وترصع لجين أنهاره - هنا كانت تتناثر الحلي من قدود الحسان. فتشتبه بأثمار الأغصان - هنا كانت تصدح القيان على المزاهر والأعواد. فتجيبها ذوات الأطواق فوق الأقنان والأعواد. فأصبح اليوم حديقة مبتذلة عامة. وموطئا ً لأقدام الخاصة والعامة.
مظاهر الطبيعة - الشخصيات - مارون عبود
معاز الضيعة
رأسه كالبطيخة، وحول أنفه الأفطس بثور زرقاء كأنها طلائع الزنجار في ذلك الوجه النحاسي المفلطح. عينان ثعلبيتان فوق شاربين كئيبين. مفركح أفرم، يلبس عباءة براقة ذات كمين دون الكوع. ليس يتخلى عن عصاه، أحيانا ً بعرضها كالرمح، وطورا ً يمدها فوق كتفيه، ويحني عليها الأصابع. ما رأيته يتعكز عليها الا بعد وقعة الذئاب.
يصف قطيعه كالعسكر المدرب؛ اذا شردت عنزة يناديها باسمها، فتعود الى مستقرها. رام ماهر، ان شاء أصاب القرن. وان أراد أصاب الفخذ؛ ويصيب المقتل ان كان قرما ً الى اللحم، فالويل للعاصيه من حجر جليات واذا عصى الكزاز فهناك المسؤولية العظمى والحساب العسير. عصا زعرور تهتز في الهواء وراع كأنه متر مكعب يهرول ليلقي على التيس دروسا ً مسلكية يستفيد منها كل فرد من أفراد الرعية، والتيوس تقبل الآداب!
مظاهر الطبيعة - الشخصيات - يوسف غصوب
بعض المتوظفين
ما توظف حتى عظم في عين نفسه فشمخ بانفه ونظر الى الناس شزرا ً. اذا مر في شارع أخذ الناس بصدره. واذا استقبل في مكتبه قطب حاجبيه وأدلى شفتيه ونفخ خديه واخذ يتكلم برفعة وعظمة يضن بالفاظه كانما هي درر يجود بها على سامعيه - وهيهات ما بينها وبين الدرر- فيلوكها في فيه ويسمح بها واحدة واحدة. هذا اذا رأى في زائره جدارة بالفاظه والا فلا يتكلم الا بالاشارة من رفع حاجب وتقليب شفة وهز اصبع.
مرض يصيب كثيرا ً من صغار المتوظفين اللبنانيين. وقد يصيب كبارهم ورثوه عن الزمن البائد.
ولكن أوقف احد هؤلاء المتغطرسين امام رجل اجنبي مهما كانت جنسيته ومهما كان مركزه من الهيئة الاجتماعية فتراه يهطل ويكبر ويقدم اليه كلتا يديه ويوسعه اكراما وتبجيلا ً ويكاد ينبطح امامه ثم يدعوه الى بيته ثم يولم له - على عيون الاشهاد - ثم يقتر على نفسه وعلى عائلته ليبذو في مظاهر الثروة وبحبوحة العيش ثم اذا ولى قام يملأ شدقيه حنقا ً وحقدا ً على الأجانب ويقول: ان بهم الطامة الكبرى لهذه البلاد. وينحي باللائمة عليهم من غير ما تفرقة بينهم ولا تمييز؟
ما رأيك في مأمور في احدى الدوائر العمومية كالبريد والجمرك وما شاكلهما اذا رأى أجنبيا ً- وان لم يعرفه -ترك مواطنيه وخرق له النظام وقدمه على غيره وقضى له حاجته بلطف بل بزيادة من اللطف ثم اذا انتهى معه وعاد الى أهل البلد دمدم وزمجر وابرق وارعد كأنه سيد مستبد على سدة ملكه وبالغ في اظهار سلطته وعلو شأنه حتى انه يوقف اصحاب الاعمال الزمن الطويل ولا محوج ولا مبرر لذلك.
العودة الى الريف - ميسون بنت بجدل
عيشة البدو أشهى
لبيت تخفق الأرواح فيه أحب الي من قصر منيف
وبكر يتبع الأطغان شعبا ً أحب الي من بغل زفوف
وكلب ينبح الطراق عني أحب الي من قط اليف
ولبس عباءة وتقر عيني أحب الي من لبس الشفوف
وأكل كسيرة في عقربيتي أحب الي من اكل الرغيف
واصوات الرياح بكل فج أحب الي من نقر الدفوف
وخرق من بني عمي ضعيف أحب الي من علج عنيف
خشونة عيشتي في البدو أشهى الى نفسي من العيش الطريف
فما أبغي سوى وطني بديلا ً وما أبهاه من وطن شريف
العودة الى الريف - جبران خليل جبران
مناحة في الحقل
عند الفجر قبيل بزوغ الشمس من وراء الأفق جلست في وسط الحقل أناجي الطبيعة. في تلك الساعة المملوءة طهرا ً وجمالا ً بينما كان الانسان مستترا ً طي لحف الكرى تنتابه الأحلام تارة واليقظة أخرى كنت متوسدا ً الأعشاب أستفسر كل ما راى عن حقيقة الجمال وأستحكي ما يرى عن جمال الحقيقة.
ولما فصلت تصوراتي بيني وبين البشريات وأزاحت تخيلاتي برقع المادة عن ذاتي المعنوية شعرت بنمو روحي يقربني من الطبيعة ويبين لي غوامض أسرارها ويفهمني لغة مبتدعاتها.
وبينما كنت على هذه الحالة مر النسيم بين الأغصان متنهدا ً تنهد يتيم يائس. فسألت مستفهما ً: لماذا تتنهد يا أيها النسيم اللطيف؟ فأجاب: لأنني ذاهب نحو المدينة مدهورا ً من حرارة الشمس، الى المدينة حيث تتعلق بأذيال النقية مكروبات الأمراض وتتشبث بي انفاس البشر السامة. من أجل ذلك تراني حزينا ً.
ثم التفت نحو الأزهار فرأيتها تذرف من عيونها قطرات الندى دمعا ً. فسألت:لماذا البكاء يا أيتها الأزهار الجميلة؟ فرفعت واحدة منهن رأسها اللطيف وقالت: نبكي لن الانسان سوف ياتي ويقطع أعناقنا ويذهب بنا نحو المدينة ويبيعنا كالعبيد ونحن حرائر. واذا ما جاء المساء وذبلنا رمى بنا الى الأقذار. كيف لا نبكي ويد الانسان القاسية سوف تفصلنا عن وطننا الحقل؟
وبعد هنيهة سمعت الجدول ينوح كالثكلى، فسألته: لماذا تنوح يا أيها الجدول العذب؟ فأجاب: لأنني سائر كرها ً الى المدينة حيث يحتقرني الانسان ويستعيض عني بعصير الكرمة ويستخدمني لحمل أدرانه. كيف لا أنوح وعن قريب تصبح نقاوتي وزرا ً وطهارتي قذرا ً؟
ثم أصغيت فسمعت الطيور تغني نشيدا ً محزنا ً يحاكي الندب فسألتها: لماذا تندبين يا أيتها الطيور الجميلة؟ فاقترب مني عصفور ووقف على طرف الغصن وقال: سوف يأتي ابن آدم حاملا ً آلة جهنمية تفتك بنافتك المنجل بالزرع، فنحن نودع بعضنا بعضا ً لأننا لا ندري من منا يتملص من القدر المحتوم. كيف لا نندب والموت يتبعنا أينما سرنا؟
طلعت الشمس من وراء الجبل وتوجت رؤوس الأشجار بأكاليل ذهبية وأنا أسأل ذاتي: لماذا يهدم الانسان ما تبنيه الطبيعة؟
العودة الى الريف - الياس أبو شبكة
الحان القرية
أرجع لنا ما كان يا دهر في لبنان
كانت لنا احلامنا والمنى
وكان صفو الزمان
كان الضمير الهني
من كنزنا المزمن
وراحة الوجدان
وكان...كان الأمان
والعيش حلو الجنى
يا دهر أرجع لنا
ما كان في لبنان
أرجع الى الأحداق
أطيافها المبعدة
ولليالي الوجاق والموقدة
ارجع الينا الصاج
والجرن والمهباج
وخصبنا في الربى
ونورنا في السرج
واسترجع الكهربا
وكاذبات الغنى
يا دهر ارجع لنا
ما كان في لبنان
ذاك النبيذ العتيق في الخابية
وذلك الابريق يهش في الزاوية
والنرجس المستفيق في الأنية
والريح لص مرق على رؤوس الحبق
كأنه ما سرق
كأنه ما جنى
يا دهر أرجع لنا
ما كان في لبنان
أرجع الى الوادي
فلاحه الغادي
وطيره الشادي
والرفش والمعولا
والموسم المقبلا
الى القلوب البأس
الى العيون الجمال
وعزة للنفس
وراحة للبال
أرجع لنا وجهنا
يا دهر أرجع لنا
ما كان في لبنان
العودة الى الريف - رشيد سليم الخوري
الولادة الجديدة
اذا الشمس يا أم لاحت هتفت هتاف الغريب رأى الموطنا
وقبلت غرتها بالبنان وطوقت بالساعدين السنا
كذلك كنت أمد يدي الى النار طفلا ً. أطفل أنا؟
واذ يكفهر جبين السماء وتسكب اجفانها الدمع طلا
وتنشر فوق الرؤوس المظلا ت لم ارض غير السحابة ظلا
كذا كنت أعشق خوض الجداول طفلا ً! فهل عدت يا أم طفلا ً
مررت باترايي التاجرين فلم الق الا العبوس الوقورا
فملت الى الحقل حيث الصغار تناغي الطيور وتجني الزهورا
فهل صار كل رفاقي كهولا وهل انا وحدي ظللت صغيرا ً؟
فأسمعني الطير عند الصباح جواب الطبيعة لي تنشد
بني! ولدتك طفلا ً جديدا ً فقل للرفاق الألى تعهد:
لقد ملأ الأرض أولادكم وانتم الى الآن لم تولدوا
العودة الى الريف - بدر شاكر السياب
أخبار جيكور
نافورة من ظلال، من أزاهير
ومن عصافير
جيكور، جيكور، يا حقلا ً من النور
يا جدولا ً من فراشات نطاردها
في الليل، في عالم الأحلام والقمر
ينشرن أجنحة أندى من المطر
في أول الصيف
يا باب الأساطير
يا باب ميلادنا الموصول بالرحم
من أن جئناك، من أي المقادير؟
من أيما ظلم
وأي أزمنة في الليل سرناها
حتى أتيناك أقبلنا من العدم؟
أم من حياة نسيناها؟
جيكور مسي جبيني فهو ملتهب
مسيه بالسعف
والسنبل الترف.
مدي علي الظلال السمر، تنسحب
ليلا ً، فتخفي هجيري في حناياها.
ظل من النخل، أفياء من الشجر.
أندى من السحر
في شاطىء نام فيه الماء والسحب
ظل كأهداب طفل هده اللعب
نافورة ماؤها ضوء من القمر
أود لو كان في عيني ينسرب
حتى أحس ارتعاش الحلم ينبع من روحي وينسكب
نافورة من ظلال، من أزاهير
ومن عصافير...
جيكور... ماذا؟ أتمشي نحن في الزمن
أم انه الماشي
ونحن فيه وقوف؟
أين أوله
وأين آخره؟
هل مر أطوله
أم مر أقصره الممتد في الشجن
أم نحن سيان، نمشي بين أحراش
كانت حياة سوانا في الدياجير؟
هل أن جيكور كانت قبل جيكور
في خاطر الله... في نبع من النور؟
جيكور مدي غشاء الظل والزهر
سدي به باب أفكاري لأنساها
وأثقلي من غصون النوم بالثمر
بالخوخ والتين والأعناب عارية ً من قشرها الخصر
ردي الي الذي ضيعت من عمري
أيام لهوي... وركضي خلف أفراس
تعدو من القصص الريفي والسمر
ردي ابا زيد، لم يصحب من الناس
خلا على السفر
الا وما عاد.
ردي السندباد وقد القته في جزر
يرتادها الرخ ريح ذات أمراس.
جيكور لمي عظامي، وانفضي كفني
من طينه، واغسلي بالجدول الجاري.
قلبي الذي كان شباكا ً على النار.
لولاك يا وطني.
لولاك يا جنتي الخضراء، يا داري
لم تلق أوتاري
ريحا ً فتنقل آهاتي وأشعاري
لولاك ما كان وجه الله من قدري
أفياء جيكور نبع سال في بالي
أبل منها صدى روحي
في ظلها أشتهي اللقيا، وأحلم بالأسفار والريح
والبحر تقدح احداق الكواسج في صخابه العالي
كأنها كسر من انجم سقطت
كأنها سرج الموتى تقلبها ايدي العرائس من حال
الى حال.
أفياء جيكور اهواها
كأنها انسرحت من قبرها البالي
من قبر أمي التي صارت أضالعها التعبى وعيناها
من أرض جيكور... ترعاني ,ارعاها.
الدعوة الى المدينة الجديدة - أبو نواس
عيشة الحضر أحب
أحب الي من وخد المطايا بموماة يتيه بهل الظليم
ومن نعت الديار ووصف ربع تلوح به على القدم الرسوم
رياض يالشقائق مونقات تكنف نبتها نور عميم
كأن بها الأقاحي جني تضحى عليها الشمس طالعة ً. نجوم
ومجلس فتية طابوا وطابت مجالسهم وطاب بها النعيم
تدار عليهم فيها عقار معتقة بها يصبو الحليم
كؤوس كالكواكب دائرات مطالعها على الفلك الأديم
يحث بها كخوط البان ساق له من قلبي الحظ الجسيم
لطرفي منه ميعاد بطرف وفي قلبي بلحظته كلوم
الحنين الى الوطن - أبو بكر بن زهر
في فراق الأوطان
ما للموله من سكره لا يفيق.. يا له سكران
من غير خمر! ما للكثيب المشوق يندب الأوطان
هل تستعاد ايامنا بالخليج وليالينا
اذ يستفاد من النسيم الأريج مسك دارينا
واذ يكاد حسن المكان البهيج أن يحيينا
نهر اظله دوح عليه انيق مورق فينان
والماء يجري وعائم وغريق من جنى الريحان
او هل اديب يحيي لنا بالغروس ما كان احلى
مع الحبيب وصافيات الكؤوس فاسقني واملا
عيش يطيب ومنزه كالعروس عندما تجلى
عيش لعله يعود منه فريق كالذي قد كان
اضغاث فكر تحدو به وتسوق هذه الألحان
يا صاحبيا الى متى تعذلاني أقصرا شيا
قدمت حيا والمبتلى بالغواني ميت حيا
جنى عليا عذب اللمى والمعاني عاطر ريا
هلال كله غزوال أنس يفوق سائر الغزلان
يا ليت شعري هل لي اليه طريق او الى السلوان
الحنين الى الوطن - رشيد أيوب
يا ثلج
يا ثلج قد هيجت اشجاني ذكرتني اهلي بلبنان
بالله عني قل لاخواني: ما زال يرعى حرمة العهد
يا ثلجح قد ذكرتني الوادي متنصتا ً لغديره الشادي
كم قد جلست بحضنه الهادي فكأنني في جنة الخلد
يا ثلج قد ذكرتني امي ايام تقضي الليل في همي
مشغوفة وتحار في ضمي تحنو علي مخافة البرد
يا ثلج قد ذكرتني الموقد ايام كنا حوله ننشد
نعنو لديه كانه المسجد وكاننا النساك في الزهد
يا ثلج انت بثوبك الباهر ونقائه كطوية الشاعر
لو كنت تدري الناس يا طاهر لبعدت عنهم ايما بعد
لو لم تذب في زفرة القلب او دمعي المنهال كالسحب
لبنيت منك هياكل الحب وحفرت في اركانها لحدي
ما وراء الطبيعة - الأوهام - تأبط شرا
الغول
الا من مبلغ فتيان فهم بما لاقيت عند رحى بطان
واني لقد اقيت الغول تهوي بسهب كالصحيفة صحصحان
فقلت لها: كلانا نضو أين أخو سفر، فخلي لي مكاني
فشدت شدة ً نحوي، فأهوى لها كفي بمصقول يماني
فأضربها بلا دهش فخرت صريعا ً لليدين وللجران
فقالت: عد. فقلت لها: رويدا ً مكانك، انني ثبت الجنان
فلم أنفك متكئا ً عليها لأنظر مصبحا ً ماذا أتاني
اذا عينان في رأس قبيح كرأس الهر مشقوق اللسان
وساقا محذج، وشواة كلب وثوب من عباء أو شنان
ما وراء الطبيعة - ابليس - الفرزدق
الشاعر وابليس
اذا شئت هاجتني ديار محيلة، ومربط أفلاء أمام خيام
بحيث تلاقى الحمض والدو، هاجتا لعيني أغرابا ذوات سجام
فلم يبق منها غير أثلم خاشع، وغير ثلاث للرماد رئام
ألم ترني عاهدت ربي، فانني لبين رتاج قائم ومقام
على قسم: لا أشتم الدهر مسلما ً، ولا خارجا ً من في سوء كلام
ألم ترني والشعر، أصبح بيننا دروء من الاسلام، ذات حوام
بهن شفى الرحمان صدري، وقد جلا عشا بصري منهن ضوء ظلام
فأصبحت أسعى في فكاك قلادة، رهينة أوزار علي عظام
أحاذر أن أدعى، وحوضي محلق، اذ كان يوم الورد يوم خصام
ولم أنتبه، حتى أحاطت خطيئتي ورائي، ودقت للهوان عظامي
لعمري، لنعم النحي! كان لقومه عشية غب البيع، نحي حمام
بتوبة عبد، قد أناب فؤاده، وما كان يعطي الناس غير ظلام
أطعتك، يا ابليس، سبعين حجة، فلما انتهى شيبي وتم تمامي
فررت الى ربي، وأيقنت أنني ملاق لايام المنون حمامي
ولما دنا رأس التي كنت خائفا ً، وكنت أرى فيها لقاء لزام
حلفت على نفسي لأجتهدنها على حالها: من صحة وسقام
ألا طالما قد بت، يوضع ناقتي ابو الجن، ابليس، بغير خطام
يظل يمنيني على الرحل واركا ً، يكون ورائي مرة وأمامي
يبشرني أن لن أموت، وأنه سيخلدني في جنة وسلام
فقلت له: هلا أخيك أخرجت يمينك من خضر البحور طوامي
رميت به في اليم، لما رأيته كفرقة طودي يذبل وشمام
فلما تلاقى فوقه الموج طاميا ً، نكصت، ولم تحتل له بمرام
ألم تأت أهل الحجر، والحجر اهله بانعم عيش في بيوت رخام
فقلت: اعقروا هذي اللقوح، فانها لكم، او تنيخوها لقوح غرام
فلما أناخوها، تبرأت منهم، وكنت نكوصا ً عند كل ذمام
وآدم قد اخرجته، وهو ساكن وزوجته، من خير دار مقام
وأقسمت، يا ابليس، انك ناصح له ولها، اقسام غير أثام
فظلا يخيطان الوراق عليهما، بأيديهما، من أكل شر طعام
وكم من قرون قد أطاعوك، أصبحوا أحاديث، كانوا في ظلال غمام
وما أنت، يا ابليس، بالمرء أبتغي رضاه، ولا يقتادني بزمام
سأجزيك، من سوآت ما كنت سقتني اليه، جروحا ً فيك ذات كلام
تعيرها في النار، والنار تلتقي عليك، بزقوم لها وضر ام
وان ابن ابليس وابليس ألبنا، لهم بعذاب الناس كل غلام
هما تفلا في في من فمويهما، على النابح العاوي اشد رجام
ما وراء الطبيعة - النعيم - علي بن ابي طالب
وصف الجنه
فلو رميت ببصر قلبك نحو ما يوصف لك منها لغرفت نفسك من بدائع ما أخرج الى الدنيا من شهواتها ولذاتها وزخارف مناظرها، ولذهلت بالفكر في اصطفاف أشجار غيبت عروقها في كثبان المسك على سواحل أنهارها، وفي تعليق كبائس اللؤلؤ الرطب في عساليجها وافنانها وطلوع تلك الثمار مختلفة في غلف أكمامها تحنى من غير تكلف فتأتي على منية مجتنيها، ويطاف على نزالها في أفنية قصورها بالأعسال المصفقة والخمور المروقة. قوم لم تزل الكرامة تتمادى بهم حتى حلوا دار القرار وأمنوا نقلة الأسفار. فلو شغلت قلبك أيها المستمع بالوصول الى ما يهجم عليك من تلك المناظر المونقة لزهقت نفسك شوقا ً اليها، ولتحملت من مجلسي هذا الى مجاورة أهل القبور استعجالا ً بها، جعلنا الله واياكم ممن سعى بقلبه الى منازل الأبرار برحمته.
ما وراء الطبيعة - النعيم والجحيم - القرآن
فواكه النعيم وشجرة الزقوم
"هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون. احشروا الذين ظلموا وازواجهم وما كانوا يعبدون. من دون الله فاهدوهم الى صراط الجحيم... وما تجزون الا ما كنتم. تعملون. الاعباد الله المخلصين. أولئك لهم رزقث معلوم. فواكه وهم مكرمون. في جنات النعيم. على سرر متقابلين. يطاف عليهم بكأس من معين. بيضاء لذة للشاربين. لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون. وعندهم قاصرات الطرف عين. كأنهن بيض مكنون. فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قال قائل منهم اني كان لي قرين. يقول اثنك لمن المصدقين. أاذا متنا وكنا ترابا ً وعظاما ً أثنا لمدينون. قال لهم هل أنتم مطلعون. فاطلع فرآه في سواء الجحيم. قال تالله ان كدت لتردين. ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين. أفما نحن بميتين. الا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين. ان هذا لهو الفوز العظيم بمثل هذا فليعمل العاملون. أذلك خير نزلا ً أم شجرة اللزقوم. انا جعلناها فتنة للظالمين. انها شجرة تخرج في أصل الجحيم. طلعها كأنه رؤوس الشياطين. فانهم لآكلون منها فمالؤن منها البطون. ثم ان لهم عليها لشوبا ً من حميم. ثم ان مرجعهم لاءلى الجحيم."