نجيب محفوظ، ودّع أولاد حارته ورحل (القاهرة – عمار علي حسن)
لم ينفعل نجيب محفوظ عندما سئل في حوار أجري معه مؤخراً، بمناسبة حلول ذكرى ميلاده الثالثة والتسعين، عن رأيه فيما يجري على أرض العراق وفلسطين، بل حافظ على الوتيرة نفسها من الهدوء والحكمة التي تستر وراءها أشياء لا تزال غامضة عن علاقة الرجل بالسياسة، وقال «إن العدل هو الذي يحل مشكلتي العراق وفلسطين». لم ينتمِ نجيب محفوظ طيلة حياته الى أي تنظيم سياسي، لكن حياده هذا كان أقرب الى الحيلة الفنية منه الى الموقف السياسي. وقد حدد رؤيته السياسية الليبرالية على لسان ابطاله في العديد من رواياته وفي مقدمتها «الكرنك»، «ثرثرة فوق النيل»، «ميرامار»، «اللص والكلاب»، «يوم قتل الزعيم»، «السمان و الخريف». أي انه جعل رواياته ساحة لطرح افكاره السياسية، ووصل في اعتماد هذا النهج الى درجة مرتفعة، بحيث يمكن القول ان رواياته قد تخلو من أشياء كثيرة، لكنها لا تخلو قط من السياسة.
وتتلخص هذه الرؤية، كما طرحها محفوظ على لسان خالد صفوان أحد أبطال رواية «الكرنك»، في " اولاً: الكفر بالاستبداد والدكتاتورية، ثانياً: الكفر بالعنف الدموي، ثالثاً: يجب ان يطرد التقدم معتمداً على قيم الحرية والرأي واحترام الانسان، وهي كفيلة بتحقيقه، رابعاً: العلم والمنهج العلمي هو ما يجب ان نتقبله من الحضارة الغربية دون مناقشة. أما ما عداه فلا نسلم به إلا من خلال مناقشة الواقع، متحررين من أي قيد، قديم أو حديث" . الى جانب ذلك كان لقضية الانتماء مكانة عالية في أدب محفوظ، لدرجة انه تخصص فيها، أكثر من أي أديب عربي آخر. وقد بدأت ملامح هذا الانتماء تتشكل في أدبه من خلال انفعاله وهو طفل بثورة 1919 ضد الاستعمار الانكليزي ثم موقفه من حزب الوفد الذي كان يقود النضال الوطني آنذاك، في بعض أعماله الروائية مثل «المرايا» و «حكايات حارتنا» وكذلك إحدى قصص مجموعته «صباح الورد».
لكنه عاد ليحدد موقفه، بشكل اكثر عمقاً، من مختلف حكام مصر، منذ الملك مينا وحتى الرئيس السادات، في كتاب «أمام العرش»، وفيه شرح مآثر وعيوب كل زعيم، من خلال محكمة رمزية تخيلها محفوظ، ضمت كلا من ايزيس واوزوريس وحورس، وركز الكتاب على زماننا المعاصر، عاقداً مقارنة بين كل من سعد زغلول ومصطفى النحاس، وجمال عبد الناصر وأنور السادات. واتخذ خطوة أكثر ايضاحاً في تحديد موقفه من القضايا السياسية والاجتماعية التي فرضت نفسها على المجتمع المصري والعربي، من خلال الزاوية الصغيرة التي كان يكتبها في صحيفة الاهرام، والتي تمَّ جمعها، في عدة كتب.
وحول الانتماء والهوية، يقول محفوظ «مصر 1919 آمنت بمصريتها، ومصر 1952 آمنت بالعروبة. الآن الإسلام السياسي يطرح العالم الإسلامي كله كدائرة للانتماء، واجبنا ان نخلق من هذه الانتماءات الثلاثة انتماء اكبر، يحافظ على مكوناتها الأصلية، ويربطها برابطة تكاملية، تزيدها قوة وصلابة، بدلاً من أن تهدر قواها في صراعات عمياء».
أما عن الحرية والعدالة فيرى محفوظ أنهما قيمتان عظيمتان لا غنى للبشرية عنهما، ويؤكد ان «الحرية وحقوق الانسان لن تكون ضربة موجهة للعدالة، ولن تصادر الحرية والكرامة باسم العدالة وباللجوء للقهر والاستبداد والإرهاب الرسمي»، وينحاز محفوظ الى الرأي الذي يؤكد ان الحرية ليست هبة ولا منحة، لكنه في المقابل يشير الى انها لا تتحقق بالشتائم واتهام الأبرياء وتوهم المكانة، انما هي «ثمرة جهاد الاحرار، ولا تجيء نتيجة لوجود المجتمع الحر، لكنها تخلقه من خلال جهاد مر، لم يكف، قديماً ولا حديثاً، عن تقديم الشهداء والضحايا». وكل ماسبق لا يعني ان محفوظ قد خرج عن الخط العام الذي حدده لحياته وهو الابتعاد عن السلطة، لكنه ركز على العموميات، ونأى بنفسه عن السياسة اليومية أو الصراع السياسي الوقتي بين هذا الحزب او ذاك، ولذا لم يخض تجربة السجن، التي عاشتها كثير من الأدباء المصريين، خلال ستينات وسبعينات القرن العشرين.
وعلاوة على موقفه المبدئي من السلام مع اسرائيل، يبقى اوضح رأي سياسي عبَّر عنه محفوظ هو ذلك الذي اثار عليه خلال عام 1998 زوبعة من النقد الحاد، ظل طيلة حياته حريصاً على تجنبها، فقد هاجم بضراوة التجربة الناصرية، واعتبر ان كثيراً من قرارات عبد الناصر المصيرية، والتي جلبت له شعبية جارفة، كانت متسرعة، وقادت مصر الى انتكاسات وعرضتها للأخطار، ومنها مثلاً تأميم قناة السويس، وحرب الاستنزاف. لكن حتى هذا الرأي الصريح لم يبعد محفوظ كثيراً عن نهجه السابق في عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع السلطة، اذ أنه وجه انتقاداته لنظام وقائد رحل عن دنيانا، ولم يعد بمقدوره ان يلاحقه أو يحاسبه على ما قال.
لقد لخص الناقد الراحل غالي شكري حياة نجيب حفوظ في عبارة اثيرة حيث وصفه بأنه «أشجع فنان وأجبن انسان»، وهي العبارة التي لا تزال تنطبق على أديبنا العربي الكبير. فمحفوظ طالما وجه انتقادات لاذعة للسلطة، عبر الرمز والصراحة الحذرة، من خلال نصوص أدبه الفياض، لكنه حرص دوماً على ان تكون مواقفه من الحكومات المتعاقبة في مصر اضعف من أن تورطه في مشكلة، او تلقيه يوماً في غياهب السجن، الذي كان قدراً للكثيرين من أدباء ومفكري مصر، في العقود التي خلت.
رواية التحولات الاجتماعية الملتبسة لجواد صيداوي
ما من اديب عربي معاصر ، شاعراً كان أم كاتباً ، حظيت أعماله الأدبية باهتمام واسع، سواء من القراء ام من النقاد ، بمثل ما حظيت به روايات الكاتب المصري نجيب محفوظ، ولا نجد ذلك أمراً مستغرباً، أو سراً من الأسرار، ذلك ان نجيب محفوظ، المولود في القاهرة سنة 1912 ، قد برهن في بواكيره الأدبية : " همس الجنون" 1938 ، وهي مجموعة قصصية، وفي رواياته التاريخية الثلاث: «عبس الأقدار » 1939و « رادوبيس » 1943و«كفاح طيبة » 1944، برهن عن موهبة روائية واعدة لفتت اليها النقاد في النصف الأول من القرن العشرين. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وما خلفته تلك الحرب من تحولات عميقة في المجتمعات البشرية كافة، انتقل محفوظ من تاريخ مصر القديم، الغني بالأمجاد، الى الواقع المصري، الذي نال نصيبه من تلك التحولات، فصدرت له رواية «القاهرة الجديدة» 1945، التي أثارت غضب السلطة وغضب شيوخ الأزهر بسبب واقعيتها الصارخة والجارحة، وتلتها أربع روايات هي «خان الخليلي» 1946 ، «زقاق المدق» 1947، «السراب » 1948 ، «بداية ونهاية» 1949 ، وقد توجت هذه المرحلة، من ابداع محفوظ، بعمارته الروائية الرائعة ثلاثية، «بين القصرين» وهي من الروايات التي تسمى بالفرنسية «Roman fleuve»أي «الرواية – النهر» لتناولها عدة أجيال متتالية من أسرة واحدة، وقد عززت الثلاثية، بسياقها التماسك، وسبر أعماق أشخاصها ولغتها الجلية، وتقنيتها الروائية العالية، عززت ما اكتسبه الكاتب من شهرة في مصر وفي العالم العربي على حد سواء، بفضل رواياته السابقة واثبتت في الوقت عينه جدارته في مجال الكتابة الروائية. يقول الكاتب المصري جمال الغيطاني «تلميذ» محفوظ في الكتابة الروائية، في كتابه «نجيب محفوظ يتذكر» 1987 ، نقلاً عن لسان استاذه: «كتبت الثلاثية وأنا في عنفواني، صبور جلود. ان عملاً كهذا كان يحتاج الى صبر، الى صحة. لو انك رأيت ارشيف الثلاثية، وما خططته من أجل كل شخصية ستدرك مدى ما أقول. كل شخصية كان لها ما يشبه الملف حتى لا انسى الملامح والصفات» (نجيب محفوظ يتذكر . ص103) .
تناولت روايات نجيب حفوظ، في هذه المرحلة من مسيرته الابداعية، الطبقة المتوسطة في مصر، او ما يسمى بالبورجوازية الصغيرة، بطموحاتها، وانفعالاتها، وتمزقاتها النفسية وتخبطها الفكري وسعيها المحموم الى «الصعود» مع ما قد يرافق هذا السعي من انتهازية، وتنكر للقيّم الموروثة والمبادىء الانسانية السامية، ومن صراع حاد بين الأفراد والجماعات، لتحقيق حلم الصعود. أياً كانت العقبات، واياً كانت التضحيات. لكي «تتخلص» من الجذور القديمة التي تربطها بماضيها البائس، أي بالطبقات الشعبية الفقيرة، وقد أشار اقطاب الاشتراكية، أنجلز، ماركس، لينين، الى الطبقة الوسطى والتجاذبات التي تعصف بها وتشدها. أما الى الركون لواقعها البائس، وأما الى محاولة الصعود الى الطبقة العليا، وهذا ما تناوله الكاتب الفرنسي بلزاك (1799-1850) . قبل مئة سنة من نجيب محفوظ في العديد من رواياته، ففي رواية «الأب غوريو» (Le père Goriot) مثلاً، يقول بلزاك، على لسان أحد أشخاص الرواية، يخاطب شاباً طموحاً من شبان باريس، ابان تألق البورجوازية الفرنسية، وسيطرتها على مقاليد الأمور، بعد ثورة 1789 : «أنكم، في باريس وحدها، خمسون الف شاب، تسعون، جميعكم الى المناصب العليا، ولن يتحقق لكم ذلك الا اذا أطل بعضكم بعضاً كالعناكب».
واذا كان تناول هذا الجانب الاجتماعي يتكرر، غير مرة في روايات هذه المرحلة، عند نجيب محفوظ الا انه يبرز بقوة، وبحدة في رواية «بداية ونهاية» حيث نجد، مرة أخرى عائلة من البورجوازية الصغيرة مات عنها عائلها الموظف تاركاً ولدين في مرحلة التعليم الثانوي، حسنين وحسين، وولداً فاشلاً، حسن، لا يصلح للدراسة ، وفتاة ساذجة، نفيسة ، يصفها الكاتب بقوله، بايجاز موح: لا مال، ولا جمال ولا أب...». يعيش الأبناء الأربعة من راتب والدهم التقاعدي الضئيل، وقد اضطرت «نفيسة» الى العمل على ماكينة الخياطة لكي تزيد مدخول العائلة قليلاً، كما بدأ «حسن» المنحرف يقدم بعض المساعدات من عمله «قواداً» ومن التجارة بالمخدرات. وكان حسنين، الابن الأكبر يعرف طبيعة تلك المساعدات ومصدرها، وان أخاه حسن دفع له القسط الأول من مصاريف الكلية الحربية بعد نجاحه في الالتحاق بها، مما يحصل عليه من أعماله المنحرفة، ولم يكن ذلك يسوؤه في أعماق ضميره، فحسنين، اذن، هو محور هذا التناقض الاجتماعي المحزن والذي لم يكن ليجرأ على مواجهته. وقد ترك نجيب محفوظ لذلك الشقيق المنحرف ان يكشف لحسنين القيام بهذا الدور حين جاء هذا الأخير يعاتبه على حياته غير الشريفة، فقال له حسن، في مواجهة عاصفة بينهما:«حياة شريفة؟... لا تعد هذه العبارة على مسمعي فقط أسقمتني... أتحسب ان حياتي، وحدها، غير الشريفة؟ يا لك من ضابط واهم! حياتك، أنت، غير شريفة كذلك، فهذه من تلك. ولقد جعلت منك ضابطاً بنقود محرمة مصدرها تجارة المخدرات وأموال هذه المرأة (واشار الى صورة عشيقته) فأنت مدين لي ببدلتك لهذه المومس والمخدارت. ومن العدل، اذا كنت ترغب حقاً في أن أقلع عن حياتي الملوثة، أن تهجر أنت حياتك الملوثة، فاخلع هذه البدلة ولنبدأ حياة شريفة معاً...".
لكأننا بنجيب محفوظ في تناوله الذكي لهذه الانحرافات المرضية يريد ان يقول لنا ان الحلول الفردية لا تؤدي الى انقاذ المظلوم من مأساته، ومن لعنة الفقر والانسحاق ، وانما يكمن الحل في عمل جماعي منظم ومتماسك لكي تفرض العدالة نفسها، وقد سبق لتنجيب محفوظ ان أشار الى ذلك، على نحو أكثر وضوحاً في رواية «القاهرة الجديدة». يقول الروائي المصري ادوار الخراط (العدد الأول من مجلة فصول، ربيع 1992) عن هذه المرحلة من انتاج محفوظ، وعن الأشخاص الذين يعمرون عالمها الروائي: "... فهم عندي، أي اولئك الأشخاص، على الرغم من الأردية الواقعية (الثقيلة) بؤرات تتركز فيها، الى درجة التوهج والاشعاع الحاد، تكوينات نفسية واجتماعية دقيقة ومستلهمة، بحدس صادق، من صميم حياتنا المصرية، اولاً، ثم من جوهر تشكيلاتنا النفسية الانسانية، التي نشارك الانسان فيها طالما كان هو انساناً. كما أظن ان سراً من أسرار جاذبيتها الآسرة، واقناعها الكامل، وحيويتها الباهرة، انها ليست قوالب جامدة، وليست اشكالاً مصيرية بلا روح. وليست تركيبات مصطنعة، وانما هي، في اعتقادي، شأنها في كل الأعمال الفنية الصادقة، مستقطرات صافية، مركزة من جوهر الانسان الموضوع في بيئته الحيوية والنفسية والاجتماعية والكونية معاً".
بعد الثلاثية توالت روايات عدة، لم يتخل فيها محفوظ عن الجانب الاجتماعي، وانما غدت أكثر شمولية واكثر غنى من حيث تناولها، بالاضافة الى الموضوعات الاجتماعية، موضوعات سياسية وفكرية. منها «السمان والخريف»، «ثرثرة فوق النيل»، «ميرامار»، «اللص والكلاب»، «الطريق»، وسواها. وذروة أعماله في هذه الفترة هي رواية «اللص والكلاب»، حيث تبدو، الى سطوة الظروف الاجتماعية، ملامح من الفلسفة الوجودية، في سبك روائي جذاب. وكان ختام هذ المرحلة روايته الجريئة «أولاد حارتنا» ذات المضمون الكوني الذي اثار ردود فعل غاضبة من الأوساط الدينية المتعصبة، كادت ان تؤدي بحياته ورواية «أولاد حارتنا» هي التي مهدت أمامه السبيل الى جائزة «نوبل» وقد استحقها نجيب محفوظ عن جدارة.
في أوج الهجوم على «الواقعية »، نجيب محفوظ تجاوز تعبيراتها الايديولوجية (حمزة عبود)
لا أذكر اسم الرواية الاولى التي قرأتها لنجيب محفوظ. كما انني لا اذكر متى قرأت تلك الرواية. ويبدو لي الآن ان الحديث عن محفوظ يتصل بمرحلة لا يمكننا استعادتها من مناسبات او عناوين محددة. فأعمال نجيب محفوظ تشكل على الأغلب سيرة هذه المرحلة، التي تمتد لأكثر من جيل، في كل ما تنطوي عليه من علاقات وأبعاد لا تزال تعمل في تكويننا الثقافي والاجتماعي والسياسي. وان قراءة هذه الأعمال اذن ستضعنا أمام فصول من سيرتنا التي يتناولها محفوظ في نصوص منفصلة ومتكاملة في آن.
لقد عبّر نجيب محفوظ عن تداعيات مرحلة حافلة بالتناقضات الاجتماعية والثقافية والسياسية، الا ان هذه التناقضات لم تأخذ اطراً واشكالاً موازية لأشكالها في الواقع. كما انها لم تخضع للتعبيرات الإيديولوجية والخطابات الرسمية التي راجت في الروايات الرومانسية قبيل وبعد ثورة يوليو ( السباعي، عبد القدوس، محمد عبد الحليم عبدالله..) .
لقد عبّرت واقعية محفوظ عن رؤيته الخاصة (التي تتضمنها طريقة السرد والأبعاد الدرامية للحوادث) للأدب الواقعي. وهو يعبّر عن رؤيته هذه في كتاب «نجيب محفوظ يتذكّر» الذي اعدّه الروائي جمال الغيطاني، بقوله:
«كنت أكتب طبقاً للمنهج الواقعي في نفس الوقت الذي كنت أقرأ أعنف هجوم على الواقعية. كان الأدب العالمي الحديث قد تعرّض للواقع من خلال مئات الأعمال، ثم انكفأ الى الداخل وما وراء الواقع. لكن بالنسبة إليّ والى الواقع الذي اعبّر عنه لم يكن قد عولج معالجة واقعية بعد...
الغوص الى الداخل يبدو منطقياً مع بطل جويس لأنه منطوٍ ومغلق...
كنت أكتب وفق منهج اقرأ السخرية منه، أقرأ نعيه، لكنني أعتقد ان إدراكي كان سليماً ".
لقد أحيا نجيب محفوظ، على خلاف ما شاع في عدد من الدراسات النقدية، من اتجاهات مختلفة في الستينات، أسلوباً خاصاً يصعب إدراجه في سياق الرواية الواقعية الغربية. في «الثلاثية» التي هي ابرز أعمال محفوظ والتي شكلت احدى المحطات الرئيسية في قراءتنا للرواية العربية، تأخذنا طريقة السرد وعلاقتها بفكرة الزمن. وهي في هذا المنحى تستلهم فن الحكاية أكثر مما ترتكز الى أسس بنائية وبنية درامية (ذات بعد مركزي) كما نجدُ في الرواية الغربية، كما تلازمنا الحوارات والشخصيات في صلتها الوثيقة والعضوية بتحولات الواقع. وعبر هذه الصلة سوف تظهر لغة الرواية كحالة راهنة وفي الاشكال التي تتهيأ عبر علاقات النص الداخلية.
وان لغة الرواية بهذا المعنى، تنشأ في سياق علاقتنا المباشرة بالواقع أكثر مما تتصل بأنساق سابقة.
ان واقعية نجيب محفوظ تتجاوز الأطر الوصفية الى التعبيرات والايقاعات العميقة التي تتعيّن من خلالها جغرافية الواقع الاجتماعية (الطبقات، المذاهب، انماط السلوك، العادات...)
والسياسية (عرابي، زغلول، الشيوعية، الأخوان، الناصرية...)
والفكرية (ماركسيون وعبثيون واصوليون...).
انها باختصار واقعية واقعنا الذي لا يزال حافلاً بالازمات والآمال المتعثرة، والذي لن نتمكن من قراءته أو تأمله في نص أدبي أو تاريخي كما نقرأه في روايات محفوظ.
شهادات:
شهادات قيلت في نجيب محفوظ بعد نيله جائزة نوبل عام 1988 نشرت في الزميلة «السفير».
- اذا كانت هذه الجائزة كسباً للأدب العربي، فان انفتاح العالم على هذا الأدب هو بالتأكيد اثراء كبير لهذا العلم.
أدونيس.
- انني مقتنع بأن نجيب محفوظ من أكثر الذين يستحقون هذه الجائزة.
أمين معلوف
- تتوفر في نجيب محفوظ كل الشروط لاستحقاقه هذه الجائزة... كلي أمل في أن يساعد منح جائزة نوبل لنجيب محفوظ على تحسين صورة العربي في العالم.
محمد درويش
- أشعر انه من الظلم الا يحصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل قبل ذلك، انها فرصة كي يتعرف العالم الى الأدب المصري والى نماذج عظيمة منه.
جمال الغيطاني