خير الله خير الله في عاطفته وفي منزله
المعرض العدد التاسع والعشرون آب - تشرين الاول 1930 ص 9.
كاتب عربي فرنسي خدم لبنان وسوريا ثلاثين سنة، عائشاً ثلثيها في باريس ، عاملا في عاصمة فرنسا على خدمة بلاده اعمالاً حرة مستقلة كأنه في وطنه.
ولد خير الله في جران في 27 كانون الثاني عام 1882. وبدأ يتعلم في مدرسة البلدة ثم في مدارس كفيفان ومار يوحنا مارون وعينطورة. وسافر الى بلجيكا في طلب العلم، تلميذا اكليركيا.
ولما عاد الى الجبل ابتدأ يعلم في كفيفان. ثم توظف على عهد مظفر باشا في حكومة لبنان، كاتبا في قلم الهندسة وكان باشا يعتمده ترجمانا خاصا له يتكل عليه في مختلف الامور. وترك الحكومة في زمن يوسف باشا، وتعين استاذا في مدرسة الحكمة. واعطى دروسا خاصة وذهب الى البرامية في ضاحية صيدا معلما لاولاد جنبلاط وصحب البارون اوبنهايم المستشرق الالماني في حفرياته الاثرية بين دجلة والفرات.
واشتغل في الكتابة باللسان الفرنسي فانشأ كتابا ( حول المسألة الاجتماعية والمدرسية في سوريا) طبعه سنة 1908 واهداه الى المطران بطرس شبلي، دعا فيه الى توحيد التعليم والتربية على ما يوافق مصالح البلاد، وكان له صدى مهم في الصحف العربية والفرنسية.
وحرر في جريدة الليبرته لما تولى ادارتها الاستاذ شارل دباس رئيس الجمهورية عام 1909 . وكتب في ( لارفي سيرين) لفيليب التيان. وفرنس كتاب الكشكول لبهاء الدين العاملي ورواية " مجنون ليلى" قيس العامري. ولا يزال الاول مخطوطة والثانية اختصرها وطبعها بعد عشر سنين.
وانصرف الى لغة العرب درساً وبحثا وانشاء سنتين معا مخصصا لها يوميا ثماني ساعات فدعا في مجلة الحسناء الى الاخاء التام بين الرجل والمرأة في النفع والاصلاح. وحض فيها على وجوب معرفة الرجل للمرأة. وكتب في جريدة الحرية سلسلة مقالات في اصول العمران تابع نشرها خمسة اشهر ثم جمعها كتابا على حدة حالت موانع دون اعادة طبعه والف رسالة في الفلسفة والفلاسفة نشرتها مجلة العرفان في عدة اجزاء.
وتوالت مقالاته في الجرائد والمجلات. ومن اثاره في ( النور) تعريب قصيدة " سلام على ارض سوريا " نظمها لجوق فرنسي انشدها الممثلون في مسرح زهرة سوريا قبل اعلان الدستور. وعرب مواضيع عديدة لعدة صحف. وترجم عن الالمانية والفرنسية رواية " غليوم تل" للشاعر الالماني شلر. سافر عام 1911 الى باريس واخذ يكتب في جرائدها وكان كتابه " حول المسألة الاجتماعية والمدرسية في سوريا" قد جعل اسمه معروفا في فرنسا قبل ذهابه اليها. فعهدت اليه مجلة العالم الاسلامي ان يكتب لها فصولا في وصف سوريا، ارضها وتاريخها وحالها اجتماعيا ادبيا وسياسيا. فعني بذلك جيدا وجمع هذه الفصول كتابا طبعه باسم " لاسيري" سنة 1912 في نحو مئة وخمسين صفحة واتصل بجريدة " الطان" وتخصص للكتابة فيها في المواضيع الشرقية وكثيرا ما اوفدته مندوبا عنها لدرس الامور من مصادرها كما فعل عام 1913 لما جاء لاستطلاع حال الاصلاحيين في سوريا ومثلما اتى في العام التالي.
ومن مآتيه في باريس سعيه لتأليف الجمعية اللبنانية سنة 1912 واشتراكه في السنة التالية في المؤتمر العربي. وتطوع في مدة الحرب في الجيش. عانى اتعابا شديدة في خدمة فرنسا حبا باصلاح بلاده.
ودعي في القاء محاضرة في قضية لبنان. وكسياسي مهم مهد له الكلام فيه كوشان احد اعضاء الاكاديمية الفرنسية في ربيع 1915 وطبعت ندوته والتمهيد مضيفا اليها نظام الجبل والبروتوكولات التي تلته وغيرها من الوثائق الرسمية في رسالة على حدة.
وعهدت اليه اللجنة اللبنانية بعرض مطالبها على مؤتمر الصلح الملتئم في فرسايل فعرضها بنفسه في جلسة 15 شباط سنة 1919 وقدم كتابا مفتوحا الى عصبة الامم في خريف 1919كتبه في اللغة الفرنسية وطبعه على حدة باسم ( معضلة الشرق او البلاد العربية المحررة) فترجمه عارف بك النكدي ونشره تباعا في جريدة المفيد الشامية واعادت طبعه على حدة في جزأين جريدة الحقيقة البيروتية. وبسبب هذا الكتاب أبعد خير الله عن جريدة " الطان" زهاء عامين اشتغل فيهما في مجلة ( البروغري سيفيك) باسم رينه كيرال ثم عاد اليها.
لم يدع فرصة يستطيع فيها نفع بلاده الا اغتنمها وقد عاد مرارا بعد الحرب الى سوريا يستطلع احوالها. وهو في كتاباته واحاديثه منصف المرأة، عالم بمواهبها ، قادر اهميتها داع الى مساواتها بالرجل وتعزيزها في المجتمع.
وكان يحسن الفرنسية كأحد ابنائها الممتازين وعرف بعض الالمانية والانكليزية والسريانية وباشر درس العبرانية وله بعض كتابات ما زالت مخطوطة في لغتي العرب والفرنسيين حالت دون طبعها موانع.
اما انسب ختام ننهي به سيرة الفقيد فهي كلمة من كتاب ارسله اليّ في اواخر عام 1910 يصف فيها نفس الكاتب " جننا بالكتابة وحبها. جننا بالاصلاح. جننا بكل ما هو جميل، لان النفس ميلا غريزيا يدفعها قسرا الى الجمال والصلاح. لان بعض البشر خلقوا ليشقوا بنفس طماحة الى الخير تتعبهم وتجعلهم على رغم منهم كمصابيح تحترق لتنير، ذاك جنون نحن نقاسيه ولا نفهمه ولا نقوى على دفعه. ذاك جنون يحمل بحياتنا متراوحة بين اليأس والامل، بين التعب الحقيقي والراحة الوهمية. ذاك جنون قد يزيننا ولكنه لا محالة ان صدق وطال سيقضى علينا منه كما قضى غيرنا وذهب كالهباء المنثور ولم يخلف بعده حتى ولا اسما يتردد بين الذكرى والنسيان".
جرجي نقولا باز