زار العدوان محترفه واقتلعه من اتجاه الى آخر - أكرم قانصو: الحدث أدخلني مناخاً سوريالياً
تسبب العدوان الإسرائيلي الذي ضرب جسر صفير في الضاحية الجنوبية بضياع أعمال الفنان أكرم قانصو، مدير معهد الفنون في الجامعة اللبنانية، الفرع الأول. فالصواريخ التي رمت حممها على الجسر تسببت بتشليع أبواب وأثاث محترف الفنان، الذي يظن أن يداً خفيفة استغلت الوضع الأمني، وربما ستار الليل، لتسطو على ما تبقى من أعمال وأبحاث في المحترف.
تركنا قانصو يحكي لنا قصته مع الحدث الذي تسبب بتدمير وفقدان 25 لوحة بين زيتية وأكواريل، بالإضافة إلى بحثين معدين للنشر ولم تبقَ منهما ورقة يتكئ عليها:
بعدما حصل وقف إطلاق النار ذهبتُ لتفقد المحترف فلم أجد أي لوحة. لم يبقَ في المكتب سوى عدد قليل من الأغراض غير الثمينة. فقدت بحثين: واحداً عن واقع تدريس الفنون التشكيلية في المدارس اللبنانية الرسمية والخاصة، كنت أعده للجامعة اللبنانية، ضمن اتفاق مع إدارة الجامعة، وكان شبه منجز، ومعدا للطباعة، وهو نتيجة عمل ميداني استمر سنتين. وآخر حول الفنون الشعبية المادية في الجنوب اللبناني، وهو بحث كنت أعده لمجلس البحوث العلمية، وهو شبه منجز أيضاً وحصيلة عمل سنتين. لم تبقَ من البحثين ورقة واحدة.
ألم تتوقع ذلك؟ هل حاولت إنقاذ أعمالك؟
- كنت أتوقع الدمار، لكن لم أكن أتوقع السرقة. أثناء الأحداث لم أستطع الوصول إلى المحترف، فهو موجود في دائرة مستهدفة. صحيح أن الشظايا طاولته، إلا أن ما أعتقده هو أنه تعرض للسرقة بعد ذلك، وإلا لكنت وجدت آثار الأعمال وبعض أوراق البحثين اللذين ذكرتهما.
ماذا فكرت عندما وقفت أمام تعبك المهدور؟
- أصبت بالمفاجأة. وتفاجأت بأن تكون حصلت سرقة في تلك المنطقة وفي تلك الظروف بالذات. كل ما أتمناه أن تكون الأعمال سليمة ومحافظاً عليها، وأن يكون من حملها من المحترف على علم بقيمتها ويهتم بها.
مشكلتي الأساسية في البحثين اللذين أتمنى أن يُردّا لي بأي طريقة، فالأمر محرج بالنسبة إليّ، وقد مرّ وقت استحقاق تسليمهما، وأنا حالياً ضمن المهلة الممددة. مشكلتي اليوم كيف تسوّى العملية مع الجهتين المتفق معهما.
إذا كنت لا تستطيع استعادة البحثين فهل تستطيع استعادة الأعمال واستحضارها من خلال أعمال جديدة؟
- هذا المنطق لا أراه جدياً. لأن العمل الفني ينفذ مرة واحدة. إنما يمكن أن تشكل الحادثة حافزاً لي لعطاء جديد ومكثف بديل مما فقدت. العمل في مناخ فني كنت قد عملت عليه سابقاً ممكن، خصوصاً أن عدة الرسم لا تزال موجودة وقد <سامَحَنا> بها الفاعل.
ماذا كنت تعمل أثناء الأحداث، هل كنت ترسم أو تحضّر لأعمال جديدة، أو تستعرض أفكاراً مناسبة؟
-لا. حاولت أكثر من مرة التفكير بمشروع لوحة، لكن ذلك لم يحصل. شاهدت رسوماً في <السفير> من بعض الزملاء، لكن الأزمة الاجتماعية والأمنية التي كنا نعيشها والانتقال من منزل إلى منزل منعاني من إنجاز شيء، إضافة إلى أنني كنت أشعر بأن لا شيء يستطيع أن يعبّر ويجسد ما حدث. وماذا كان يمكن أن نقدم للناس الذين يبحثون عن أمنهم ومستقبلهم وقبل كل شيء سلامتهم. فإلى من نتوجه ومن ينتبه إلى رسومنا في الصحف. الأمر يمكن تأجيله.
يمكن أن تؤجِّل تنفيذ عمل ما، لكن حدثاً بهذه الشراسة وهذا العنف لا يمكن للفنان إلا أن يشعر به ويلمح فيه تصوراً أو يتخيل من خلاله عملاً. كيف فكرت في التعبير عن الحدث؟
- كانت تنتابني مجموعة أفكار، لكنها لم تنضج نهائياً حتى الآن، وهي تندرج في إطار اللوحة ذات المناخ السوريالي، لأن الواقع السياسي والاجتماعي والعسكري والضياع والغربة التي عشناها لا يمكن التعبير عنها إلا في منحى سوريالي. مع العلم بأن لوحاتي التي فقدت لا تدخل في هذا الجو، فجزء منها عن الطبيعة، وجزء آخر مستوحى من التراث الشعبي والمفردات الشعبية.
نفهم أن الحدث اقتلعك من اتجاه فني إلى آخر.
- طبعاً، عندما يكون الفنان في حالة هدوء وحلم يعبر عن واقعه بشكل مختلف، وإذا كان الواقع مختلفاً فهو ينفعل ويعمل ويبدع تبعاً لذلك، لأن الفنان ابن الواقع.
ماذا يمثل الفنان بالضبط في الواقع الذي عشناه مؤخراً؟ ما تعريفه؟ ما دوره؟
- الفنان هو جزء من الواقع، لا يستثنيه الحدث في عيشه ومستقبله. فالعدوان، الذي كان ضد الوطن وإنسانه وتراثه واقتصاده، يحرك حوافز الفنان ويدفعه إلى أن يكون متمرداً على ما يحدث. وللفنان دور هام في الثقافة والتعبير والرفض، وله وسيلته الخاصة.
لو وقفت أمام المربع الأمني بمَ تفكر، بأي عمل فني؟ هل تفكر في لوحة أم منحوتة أم عمل تجهيز أم فيديو آرت...؟ وكيف تفكر فيه؟
- في أكثر من مكان في لبنان شاهدت الكثير من مربعات الدمار، فالآلة التي عبثت بكل شيء واحدة.
ما أفكر فيه، باختصار، ليس غير لوحة زيتية في مناخ سوريالي.
احمد بزون من السفير 2006/09/0