اللغة العربية ومنطق ارسطو – نجيب مسعد – تراثنا الأدبي المعاصر
نشوء اللغة العربية - النهضة الادبية الحديثة واحتكاك لبنان ومصر بالغرب - كفاح اللغة العربية من النفوذ الفارسي واليوناني - منطق ارسطو والنحو العربي - طه حين واللغة العربية
التفكير العربي في صميمه تفكير عقلي، ونحو العربية هو صورة واضحة من مفهوم العقلية العربية التي برعت منذ القديم في المنطق والعلوم والرياضيات، ويصح أن يقال: ان دراسة اللغة العربية من أمتع الدراسات اذ لكل قاعدة من قواعدها منطقية كما هو الحال "بين مدرستي الكوفة والبصرة.
واذا أمعنا النظر والتدقيق في لغتنا نجد أنها كانت قبل الاسلام لغة العدنانيين من العرب أي لغة الحجاز ونجد وشمالي الجزيرة، وكانت لهجات ناطقها تختلف قليلا ً باختلاف القبائل المتعددة، وكان لقريش النصيب الوافر في توحيد اللغة وتهذيبها، ثم نز القرآن الكريم فخلدها على ممر السنين.
وقد ترك عرب الجاهلية ثروة قيمة من الشعر والأمثال والمعلقات كديوان: الحماسة، وأمثال العرب للضبي، وجمهرة الأمثال للعسكري. ولما جاء الاسلام اذا بالقرآن يصبح المرجع الأمين للغة، وضبط في عصر الراشدين ودون له أربع نسخ صحيحة. وفي عصر الأمويين اتسعت الفتوحات وانتشر العرب في البلاد الاسلامية، واشتد المقام الى ضبط اللغة وقواعدها، فوضع أبو الاسود شيئا ً من علم النحو، كما وضع غيره صور الحركات من ضمة وفتحة الى كسرة، كما نقلت الدواوين الشعرية من الفارسية والرومية والقبطية الى العربية بتفنن وانطلاق، فتحت أسواق الأدب في الكوفة والبصرة، وتألفت الحلقات، وتجمع الأدباء والشعراء والعلماء وقرروا السير بالرسالة الملقاة على عاتقهم بكل قواهم، مضحين بكل ما يملكون من وسائل الايضاح. ونشأ من جهة ثانية: القراء والمفسرون واللغويون، وازدهرت الخطابة، وبلغ الشعر مرتبة عالية متفوقاً على العصور السالفة، وفي مقدمة من نبغ من الشعراء: لأخطل والفرزدق وجرير وجميل بن معمر وعمر بن أبي ربيعة وقيس الملوح وقيس ذريح وكثير عزة، وبدأ بعض العلماء في كتابة التاريخ، ناقلين الى العربية العلوم السريانية والفارسية والهندية. وهكذا ظلت الحضارة العربية في تقدم ونمو، تكافح في سبيل رفع شأنها ومقامها الى أن أقبل عهد الخلائف الأول من بني عباس، فبلغت المدنية العربية غايتها الكبرى، اذ نقلت الى لغتنا زبدة من العلوم القديمة كالطب والفلسفة والفلك والطبيعيات والمنطن والعروض والفقه. فاستقبلها الشعب العربي بترحاب وظماء، وكان يشجع هذه البادرة المباركة خلفاء بني عباس: كالمنصور والرشيد وامأمون، وكانوا يتذوقون دقائق اللغة ومحاسن الشعر، فيميزون بين الغث والسمين، واشتهر من الأدباء: عبد الله بن ظاهر وآل برمك والفضل بن الربيع وأبي دلف العجلي. وراجت بعد ذلك سوق الأدب واللغة في البصرة والكوفة، وانتقل مقرها الى بغداد عاصمة الرشيد، حيث نبغ فيها بشار بن برد وأبو نواس وأبو تمام وعبد الله بن المقفع وعمر بن مسعدة وسهل بن هرون، كما تفوق في اللغة الخليل بن أحمد البصري الفراهيدي حيث وضع أول معجم عربي في ضبط اللغة ومفرداتها واستخراج علم العروض.
وفي صدر الدولة العباسية ظهر النحاة وفي مقدمتهم: سيبويه صاحب أروع كتاب لغوي، ويأتي من بعده الكسائي والفراء.
غير أن هذا التقدم لم يعمر طويلا ً، اذ عمت الفوضى في القرن الثالث للهجرة على أثر تسلط الأتراك على الخلفاء، فتهادت سوق الشعر والترسل والأدب، وساءت القواعد، وفشت اللهجات الركيكة السقيمة التي مزقتها لهجات متفككة دامسة، وكان كل قطر عربي يستقل بلهجة منفردة عن لهجة القطر الشقيق. ورغم هذا التقهقر وهذا التواني فقد ظهر في القرنين الثالث والرابع للهجرة شعراء وأدباء ولغويون لهم مكانتهم في الأوساط الأدبية: كالبحتري وابن الرومي والجاحظ والاصبهاني وابن قتيبة وابن دريد.
وانقسمت البلاد الاسلامية في القرن الرابع للهجرة الى دول مستقلة فاستقرت البوهيميه في فارس والعراق، والفاطمية في مصر والحمدانية في حلب والجزيرة، وتفرق الشعراء والأدباء في كل بقعة من هذه الدول المنقسمة، وظهر ملوك وأمراء يتذوقون الشعر والأدب، فشجعوا هذه الباردة المجيدة، وأحاطوا المنتجين بعطفهم ورعايتهم، وكان من جراء هذا التشجيع نضوج العلم والآداب، وفتح دور الكتب، وتصنيف المعاجم، وظهور الروايات والقصص. وقد اشتهر من الشعراء والكتاب كثيرون أخص منهم: المعري وأبو فراس وأبو الطيب والشريف الرضي وبديع الزمان. ومن اللغويين: الأزهري والجوهري.
غير ان هذه النهضة وهذه العناية من الأمراء والملوك لم تدم طويلا ً، اذ أن السلاجقة دخلوا العراق في منتصف القرن الخامس للهجرة، واكتسح الفاتح العاتي جنكيزخان الديار الاسلامية فأبادها بشكل يرثى لها، وقضى بذلك على الشيوخ والأطفال والنهضة الفنية التي بنيت بعد جهود جبارة ودأب مستمر. بيد أن العلماء لم يسأموا من جراء هذا العمل البربري، فعمدوا من جديد الى بناء ما هدمه هذا السفاك الظالم، اذ قيد الله لهم الدولة الفاطمية، فالأيوبية، واجتمع العلماء واللغويون والشعراء حول رجال هاتين الدولتين، وشرعوا يتفاهمون على أسس بناء اللغة من جديد، واضعين نصب عينهم تقويمها من الوعورة لتكون سهلة المنال، تقبل عليها الأذواق وكان من جراء هذا العمل المثمر ظهور طائفة من العلماء أخص منهم: الزمخشري صاحب معجم "أساس البلاغة" و"المفصل في النحو" وابن الحاجب صاحب كتب "الكافية في النحو والشافية في الصرف" كما ظهر في القرن الثامن الفيروز أبادي صاحب قاموس "المحيط" وأقبلت الغوادي الدكناء اذ دخل العثمانيون بلادنا في القرن العاشر للهجرة، فقضوا على لغتنا، وأعلنوا اللغة التركية اللغة الرسمية في البلاد، لكن بعض المدارس المسيحية والاسلامية في ديار الشام كانت لهم بالمرصاد، وكانت تتمسك بلغة الأجداد ولم تهملها رغم الصعوبات التي كانت تواجهها، وسارت في هذاالقبيل بعض الجوامع. كالأزهر في مصر حيث كانت تدرس القرأن واحتفظت باللغة العربية كشرط أساسي لضمان سيادتها ونهضتها.
وظل الترك في طغيانهم غير غائبين بالكيان العربي، مهشمين اللغة العربية وأمجادها الى أن تغلبت جيوش الحلفاء والثورة العربية عليهم في الحرب العالمية الأولى فأخرجتهم من بلاد الشام واليمن والعراق والحجاز، ثم نهضت الدولة العلوية في مصر على يد محمد علي فعززت اللغة العربية، وعممت نشرها في البلاد، وقام رهط من اللغويين يصححون هفواتها، وكان في مقدمتهم: النعسان والجندي والغلاييني.
النهضة الادبية الحديثة واحتكاك لبنان ومصر بالغرب
بدأت نهضتنا الأدبية الحديثة في مصر والشام، وامتدت الى سائر الأقطار العربية، وكان لبنان السباق في هذا الميدان الرحب وان كان هذا الاحتكاك قديم العهد، غير أنه قد تجلى بوضوح وجلاء في القرن السادس عشر وما بعد، عندما قصد الأمير فخر الدين المعني حاكم لبنان أوروبا واتصل بأمراء توسكانة ليقف بنفسه على أسس النهضة الغربية، وكان من جراء هذه الزيارة ولادة نهضة مباركة في موطن الأرز، اذ بادر الأمير للبناني الكبير الى عقد محالفات تجارية وودية، واهتم الغرب بلبنان وكان يشجعهم موقعه الجغرافي وحب اللبناني للعلم والمعرفة. وكان في مقدمة من أظهروا عطفا ً زائدا ً بابا رومه حيث أمر يوليوس الثالث بفتح المدارس في الشرق الأدنى ولا سيما في لبنان، كما أنشأ البابا غويغوريوس الثالث عشر في رومه المدرسة المارونية التي خرجت طائفة من الرهبان والأعلام. وكانت أوروبا تتبع خطوات باباوات رومه المباركة باعجاب وتقدير، وقررت السيرفي هذا الميدان المشرف. فعمدت للحال بتخريج طائفة من الفتيان اللبناني، وكان لويس الرابع عشر ملك فرنسا يتعهد بتعليمهم مجانا ً.
واهتم المرسلون الأوروبيون بلبنان، فتوافدوا اليه من كل حدب وصوب فأنشأوا المدارس، واطلعوا ابناءه على أسس الثقافات الأوروبية الحديثة، تاركين للحجة والمنطق الفصل بين فكرتي الشرق والغرب. وكان اللبناني تواقا ًالى العلم والتجديد، محبا ً للمعرفة، فنهل من هذه الثقافات زبدتها، ومزح بين سحر الشرق وروعة الغرب، فأتى بأدب وجداني حي، وكان من جراء هذا الاحتكاك المجيد ولادة طائفة من الأعلام أخص منهم: القس جبرائيل الصهيوني الاهدني، والمطران جرمانوس فرحت، والخوري بطرس التولوي، والقس حنانيا المنير، والخوري يوسف سابا، وابراهيم الحاقلاني، والأب بطرس مبارك، والخوري يوحنا العجيمي.
أما احتكاك مصر بالغرب فيبدأ في أواخر القرن الثامن عشر للميلاد، عندما أقبلت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت لاحتلال مصر رغبة في التوسع وسد الطريق الهند في وجه انكلترا. وسار الأسطول الفرنسي يشق عباب الماء في أواسط شهر أيار عام 1798 الى مالطة فاحتلها، ثم قصد الاسكندرية وتغلب على المماليك حكام مصر الفعليين في ذلك الحين، وكانت حملة نابليون ايجابية وان كانت استعمارية. لقد خلص مصر من طغيان المماليك وعتاوتهم، وأيقظ في شعبها روح الوطنية والجهاد والكرامة، وعمل على تنوير العقول بالارشاد والعلم، وضم الى حملته ما يقارب مئة وستة وأربعين عالما ً فرنسيا ً جاء بهم خصيصا ً لتعليم الشعب المصري البائس، وعمد هؤلاء العلماء على تهذيب العقول وتنوير البصائر، فاتحين أمام الناشئة آفاقا ً جديدة من العلم والمعرفة، وأسسوا معاهد علمية فرنسية، ومجمعا ً علميا ً مصريا ً، ودارا ً للكتب، ومدرستين وطنيتين، ومراصيد جوية، ومختبرات كيماوية، ومسرحا ً للتمثيل، وجلبوا معهم مطبعة عربية هي أولى المطابع التي قامت في مصر بطبع الكتب والصحف والمجلات، ناهيك عن اضافة بعض الكتب والمراجع عن مصر مما عثر عليها في فرنسا وايطاليا وكانت بمثابة مرجع أمين للتراث المصري القديم.
ولما خرج الفرنسيون من مصر عام 1801، جلس محمد علي على عرش حكومتها عام 1805، وجعل رائده نشر العلم والثقافة، وقد استعان بالفرنسيين أصحاب هذه البادرة المجيدة. وكانت أولى مشاريعه فتح بضع مدارس منوعة، وارسال بعثات من الطلاب الى فرنسا لدرس العلوم، وكان حريصا ً على نشر اللغة العربية وآدابها، فخورا ًبمفرداتها، وكانت معظم الدروس التي يلقيها الأساتذة الفرنسيون تترجم الى العربية. وبهذا يصح أن نقول ان محمد علي هو ركن من أركان النهضة الحديثة.
بيد ان ان هذه النهضة المباركة لم تعمر طويلا ًن اذ تلاشت عندما انتقلت الولاية الى حفيده عباس باشا، ثم الى ابنه سعيد باشا، وما ان تولى اسماعيل باشا الحكم حتى أعاد الى هذه النهضة المباركة مجدها وقيمتها، فنشر العلم وأسس المدارس، وفتح دورا ً للكتب، وأرسل البعثات الثقافية الى الغرب، وطبع الكتب العلمية المفيدة، والدواوين الشعرية القديمة، والترجمات المختلفة، ونشط الصحافة وظهرت في أيامه طائفة من الصحف أصحابها مصريون ولبنانيون وأشهرها: "الأهرام" عام 1875، و"المحروسة" عام 1879. وظلت المدارس المصرية تدرس اللغة المصرية الى بعد عام 1882، وان كانت بعض المدارس العليا كمدرسة الطب، فقد جعل فيها التدريس بالانكليزية. أما الصحافة فنشطت في عهد اللورد كرومر ممثل انكلترا في مصر، وظهرت في أيامه طائفة من الصحف والمجلات أخص منها: جريدة "المقطم" عام 1889، وجريدة "المؤيد" عام 1889، ومجلة "الهلال" عام 1892
ولم تكن الصحف والمجلات وفقا ً على مصر وحدها، فقد ظهرت في سوريا صحف عديدة أهمها: "المقتبس" التي أصبحت "القبس" و"فتى العرب" و"الف باء". وفي بغداد ظهرت جريدة "الزوراء" عام 1868.
وفي لبنان كان له مركز الصدارة في عالم الصحافة العربية، فأنشأ خليل الخوري عم 1858 جريدة اسبوعية هي "حديقة الأخبار"، وأصدر المعلم بطرس البستاني صحيفة "نفير سوريا "عام 1860، وظهرت عام 1867 جريدة "لبنان" بأمر من داود باشا، وظهرت مجلة "الزهرة" ليوسف شلفون، و"الجنان" لبطرس البستاني عام 1970 ومن ثم ظهرت "النحلة" للقس لويس الصابونجي، و"الجنة" لسليم البستاني وفي عام 1975 ظهرت "ثمرات الفنون" لعبد القادر القباني، ومجلة "المقتطف" لصاحبيها فارس نمر ويعقوب صروف عم 1876 ثم انتقلت الى مصر عام 1887، وظهرت "لسان لحال" لخليل سركيس عام 1877، وجريدة بيروت لمحمد رشيد الدنا عام 1886.
ومما لا شك فيه ان لغتنا قد استفادت كثيرا ً في هذا العصر، اذ ان الأدباء لم يقفوا عند حدود النثر والشعر والصرف والنحو، بل وضعوا المعاجم ينظمون بها اللغة. وكان للبنان الفضل الأكبر، فاستطاع أبناؤه بفضل اجتهادهم ودأبهم المتواصل أن يصنفوا معاجم سهلة واضحة، وكان بينهم تنافس ظاهر. وأول من فتح الطريق المعلم بطرس البستاني حيث وضع "محيط المحيط" واستقى معظم مناهله من "القاموس المحيط" للفيروزبادي. وخرج المعلم سعيد الشرتوني "أقرب الموارد" وكانت مناظرة واسعة النطاق بينه وبين الشيخ ابراهيم اليازجي، اذ ان الأخير أقر بأن زميله قد اقتبس معجمه عن "محجيط المحيط".
وطلبت المطبعة الأميركية في بيروت من المعلم جريس همام معجما ً تنافس به المطبعة الكاثوليكية. فاختصر بعض التفاسير والشروح في كتاب "معجم الطالب" فقابله اليسوعيون بمعجم "المنجد"، وطبعت مطبعة صادر "المعتمد" لجرجي شاهين. وأعادت المطبعة الأميركية الكرة من جديد، فطلبت معجما ً يوازي" محيط المحيط" وبعد العناء والتعب اهتدوا الى الشيخ عبد الله البستاني في كتابيه "البستان" و"فاكهة البستان". وهكذا تقدمت اللغة بفضل هذا التنافس المثمر، وبلغت المعاجم مرتبة الكمال، وبرع من جراء هذه البادرة طائفة من الشعراء البارزين أمثال: اليازجي والبستاني، والشدياق، والبارودي، والمصري، ونجيب الحداد، وأديب اسحق، ومارون نقاش، وغيرهم من الذين أعادوا الى اللغة وآدابها كيانها ومجدها.
ولم يقف اللبناني عند هذا الحد، وان كان قد ظهر تفوقا ً بتصنيف المعاجم والمحافظة على اللغة، وبرع من غيره بالمصطلحت العلمية الناجحة كمعجمي: "الحيوان" و "أسماء النجوم" للدكتور أمين المعلوف؛ انما أراد أن يظهر اللغة العربية وآدابها باسلوب جديد منطقي، وكانت أولى هذه البادرة أن أظهرت الجامعة الأميركية عناية فائقة في تدريس اللغة وآدابها، وطبعت بعض كتبنا القديمة كتاريخ: "ابن الفرات" وديوان "ابن لساعاتي". وتناولت الجامعة اليسوعية اللغة العربية كشرط أساسي للحضارة الحقيقية، وأول خطوة قامت بها طبع بعض المخطوطات اللغوية القديمة للثعالبي، وكتاب "التهافت" للغزالي، وكتاب "تهافت التهافت" لابن رشد. كما معجم " المنجد" والأب بلو اليسوعي معجمين مدرسيين الأول فرنسي - عربي، والثاني عربي - فرنسي.
لذا يجب اعتبار وحدة اللغة عنصرا ً أساسيا ً في تكوين الأمة، وأن يكون لكل مجتمع لغة أو لغات يتخاطب بها أفراده، ويتفاهمون، ويتفاعل تفكيرهم، وتزدوج ثروتهم العلمية، ومتى صارت اللغة لغة جماعات معينة تكون قد حملت التراث الأدبي والثقافي. وهذه حقيقة ملموسة يمكن تلخيصها بالقول المأثور: "اللغة عنصر من عناصر الأمة."
كفاح اللغة العربية من النفوذ الفارسي
تأثر الأدب العربي بالأدب الفارسي، وظهر هذا التأثر بوضوح ظاهر في انتاج بعض القدماء. وقد نزح الفينيقيون أصلا ً من شواطىء الخليج الفارسي حيث لا تزال جزوره تضم حتى الآن ذكريات عديدة، حتى ان الأدب الفارسي الكلاسيكي فيه كثير من الاستشهاد بالمدن اللبنانية والفن الفينيقي، وقد جاء في الغوليتان حيث يتحدث "سعدي" عن موعظته التي ألقاهها في محراب بعلبك. وظلت العلاقات الثقافية بين فينيقيا والفرس ولم تنقطع، وان كان التبادل الثقافي قد أخذ شكلا ً جديدا ً بعد نزول القرآن.
والجدير بالذكر ان البلاد العربية قد بلغت مركزا ً مرموقا ً منذ آلاف السنين وكانت مهدا ً للحضارات المختلفة بفضل الفينيقيين، اذ ان الحضارة الفينيقية كانت قد انعمت على الانسانية بالحروف الأبجدية والحساب، وكلاهما أعظم وأسمى ما سجل الفكر البشري من انتصار وفوز، حتى ان بعض المدن الفينيقية وفي مقدمتها بعلبك وصور وصيدون وبيروت كانت مراكز فن وثقافة في الشرق.
تأثر الأدب العربي بالأدب اليوناني والأدب الفارسي
يظهر تأثر الأدب العربي بالأدب اليوناني ضعيفا ًك اذ اننا نجد ان الشعر العربي في العصر الأموي ظل محافظا ً على تراثه القديم وتقاليده العربية، سائرا ً على المنهج الذي رسمه له الشعر الجاهلي في مواضيعه وبحوره وقوافيه. ومما يدعم هذ القول عدم تأثر العصور المتوالية في الملاحم الشعرية والشعر التمثيلي، حيث برع الأدب ليوناني في هذا القبيل، وقطع شوطا ً ايجابي ً يشكر عليه.
وكان أدباء العرب في الجاهلية مقصرين في شعر الملاحم، وظلوا على هذ المنوال حتى في العصر العباسي دون أن يقتبسوا شيئا ً من الأدب اليوناني. وقد يتساءل البعض: "كيف ان الأدب العربي قد تأثر بالأدب الفارسي أكثر مما تأثر بالأدب اليوناني؟" فأجيب ان دولة فارس قد ذابت في المملكة العربية، وان حياة الفرس كانت قريبة الى الحياة العربية. أما الحياة اليونانية فكانت تخلف عن معيشة العرب، وعباداتهم للأصنام تخالف الشرائع الدينية عندهم، فضلا ً عن سذاجة نظمهم الاجتماعية والسياسة التي جاءت تتنافى والعيشة العربية، وتقاليدهم المرعية.
ان لغتنا العربية قد استفادت من جراء احتكاكها بالأدب اليوناني ببادرتين: هما: بعض المفردات التي زيدت على المعجم العربي: كالفردوس والقسطاس والسجنجل (المرأة) والبطاقة (الرقعة) والقسطل (الغبار) والقنطار والبطريق والترياق والنقرش والقولنج. والبادرة الثانية نقل الحكم من اليونانية وذلك بفضل السريانيين الذين اعتنوا بها قبل العرب، ونسبوا لسقراط وأفلاطون وأرسطو وأمثلهم هذه الحكم، وان كانت بعضها ليست من أقوالهم.
أما تأثر الأدب العربي بالأدب الفارسي فيعود الى الصلات المتينة التي كانت بين الفرس والعرب. والقرآن نفسه لا يخلو من بعض الألفاظ أصلها فارسي.
وقضي على اللغات أن تقتبس بعضها من بعض، فاقتبست اللغة الآرامية من اللغة العربية بعض الألفاظ، كما اقتبست العربية من العبرانية بعض الألفاظ وأكثرها دينية مثل: جهنم وملك، ومن الفارسية طائفة من الألفاظ كانت دخيلة على اللغة العربية فأضحت أصيلة: كالكوز والابريق والطشت والخوان والزنجيل والنرجس والبنفسج والسوسن والياسمين والجلنار والمسك والعنبر والطبق والقصعة والسكرجة والفيروز والبلور والكعك والفلفل والقرفة والكافور والصندل والقرنفل والجوهر وكثير غيرها.
واقتبست اللغة الرومية بعض الألفاظ من اللغتين العربية والفارسية مثل: سجل وسندس، وانتقلت بعد مدة غيرطويلة الى العربية ووردت في القرآن الكريم عن طريق الفارسية.
رأينا بوضوح ان اللغة العربية الى عهد ظهورالاسلام اقتبست من الفارسية والسامية والآرامية واليوننية، وقد دام هذا الاقتباس وظهر بوضوح في عهد الأمويين والعباسيين. ولما جاء الصليبيون حملوا الى العربية بعض الألفاظ الجديدة، فأخذت العربية عن الفرنج بعض الألقاب النصرانية مثل قومس (كونت) وكاغيكوس أو كاتوغيكوس (بطريرك) وبعض التعابير الحربية. ومن ثم دخلت الألفاظ الأجنبية، ولا سيما الفرنسية على العربية في أوائل القرن التاسع عشر، فدخلت بكثرة فائقة، وقامت ضجة كبيرة بين أوساط العلماء واللغويين، فقسم يقول: بالأخذ بالألفاظ الفرنسية، والقسم الآخرلا يرضى الا بالرجوع الى الاشتقاق من متن اللغة. وقد كتب للقسم الأول بالنصر ولا سيما في بلاد الجزائر.
أم في لبنان وسوريا ومصر وتونس فقد أدخلت طائفة من الألفاظ الفرنسية والتركية والفارسية، وأكثرها عسكرية وادارية وألفاظ شرف مثل، باشا وبك وأفندي وخانم.
واقتبس العرب قبل الاسلام ألفاظا ً كثيرة من اللغة البهلوية، كما اقتبست من العبرانية بعض ألفاظ العبادة مثل: الحج، الكاهن، والعاشوراء.
وبعد أن تغلب العرب على الفرس والروم أخذوا يلبسون الثياب الفارسية، وأدخلوا على لغتهم الألفاظ التالية: السروال، الجبة، القفطان، الطربوش، غير أن هذا الفتح كان شؤما ً على اللغة العربية، اذ فقدت اللغة رونقها وفصاحتها، فعمد علماء العربية الى وضع القواعد للصرف والنحو وغيرهما، وطافوا بين قبائل العرب يأخذون عن كل منها، ويسجلون اصطلاحاتها حتى كونوا خليطا ً غريبا ً بين قاعدة وأخرى، وكان خلاف بين النحويين من كوفيين وبصريين، وقد أهمل آنذاك كتابة الأحرف الصوتية القصيرة التي يسمونها الحركات. وقد صح فيهم قول القائل: "ان رسم الكتابة العربية هو الكارثة الحائقة بنا في لغتنا ، انه رسم لا تتيسر معه قراءة مسترسلة مضبوطة حتى لخير العلماء، وذلك لخلو من حروف الحركات. لقد عالج أسلافنا الاستعاضة من حروف الحركات بالشكلات للفتح والضم والكسر والسكون والمد والشد والتنوين، ولكن ظهر في العمل ان هذه الوسيلة لا فائدة يرجى منها. ولذلك جرى الناس في الكتابة العادية وفي الصحف وكتب الأدب على اهمال "الشكل" فأصبح لا يوجد وفي غير القرآن ومعاجم اللغة الا نادرا ً."
وفي دور فتوح المدنية الاسلامية اقتبس العرب بعض الألفاظ الدينية والقانونية والادارية والعلمية من لغات مختفة وعربوا بعض الكتب اليوناني والفارسية والهندية. ولما تمت الفتوح أخذ المسلمون عن الفرس والبيزنطيين والرومانيين أصول أوضاعهم السياسة والادارية والقانونية والعسكرية والمالية مثل: "الديوان، البريد، النيشان، الاسطول و البطاقة" كما أخذوا بعض المفردات السريانية و العبرية عندما ترجمت الأناجيل والتوريات مثل: "قربان، جهنم، ثوراة، توبة، تلميذ، آمين" وعند ذاك أدخلت بعض تعديلات على قواعد النحو، فأخذ العرب باستعمال الضمائر المستترة للتفنن في التعبير.
ودخلت اللغة العربية بلاد الصين عند أول بعثة اسلامية عام 651، وتعلمها الصينيون ليستطيعوا أن يؤدوا فريضة الصلوات. وكانت اللغة العربية في تلك البلاد احدى اللغات الست الرسمية المعول عليها وهي:الفارسية، والصينية، والمغولية، والايغوهورية، والتانكوتية. واستفاد العرب من الصين من حيث الفن وصناعة الورق، والطباعة وفن الطلاء والخزف، كما حمل الى الصين العقاقير الطبية، ولا تزال للكلمات العربية الصحية آثارها في الاصطلاحات العلمية الصينية الى اليوم أمثال: "تي يه كاي" التي هي بالعربية " ترياق" و" آه فوجبج" أي "أفيون"
ويدلنا التاريخ بوضوح ظاهر عن العلاقات الثقافية والسياسية والتجارية التي كانت تربط منذالقديم بين شعوب آسيا وافريقيا.
وهكذا ظلت اللغة العربية تعتني بمفرداتها الجديدة، وتنمو مع ذاتها وقواعدها حتى جاء عصر انحطاط المملكة الاسلامية، وأخذت تنقسم الى ممالك مستقلة يحكمها أناس من غير عرب كالمغول والأكراد والأتراك. وفي تلك العصور أصيبت اللغة بنكسة وضعف، اذ تغلب عليها التكلف والجفاء والسجع المرصع، والألفاظ الضخمة التي يأباها الذوق والمنطق السليم.
منطق ارسطو والنحو العربي
قاومت اللغة العربية جميع اللغات بما فيها: اللغة اليونانية والنفوذ اليوناني المسيطر على أثر فتح الاسكندر، كما قاومت اللغة اللاتينية والنفوذ الروماني.
وتسربت اللغة العربية الى بلاد عديدة، فاستقبلها الشعب بترحاب شديد، معجبا ً بعذوبة ألفاظها وموسيقاها، ومثملا ً بسحرها الذي ينفذ الى الأعماق فيسيطر على القلوب. ولم تمض مدة من الزمن حتى كانت اللغة العربية منشرة في كثير من الأقطار المسكونة في الشام والعراق واسبانيا وشمالي افريقيا ، وصلت الى الهند وجزر المحيط.
وكان كل ما خطه اليونان من اجتماع وفلسفة وعلم قد ترجم الى العربية باسلوب واضح وتفكير قيم، ناهيك عن تغريد بعض الشعراء الأعاجم وشدوهم باللغة العربية حيثملوا الدنيا غناء وتغريداً. فبشار غنى القصائد العربية الطوال وكان فارسيا ً، وأبونواس تغزل وتفكه وأضحك وكان فارسيا ً، وابن الرومي أتحف الأدب بقصائده الحكيمة وكان والده روميا ً ووالدته فارسية، وهكذا الرئيس ابن سينا والغزالي حيث اختلف الرأي على الأول، فكان الفرس يرونه فارسيا ً، والتركي تركيا ً، ويعتبره العربي عربيا ًلأنه لخص فلسفة ارسطاطاليس بالعربية.
ولم تقف اللغة العربية عند حدها المألوف، بل تجاوزت الشرق واستقرت في غربي أوروبا في اسبانيا، وقطعت شوطا ً واسعا ً في ميدان التأليف والتعليم. وكتب راهب في هذا المضمار يتأسف بمرارة وألم لهذا الاتجاه من الشعب الى اللغة العربية الدخيلة وتركهم لغتهم الأصلية التي هي لغة المسيحية والجدير بالذكر ان هذا الراهب كان يستوحي من العربية وآدابها كتاباته الللاتينية وكان نثره يغلب عليه السجع، والللاتينية لا تعرف القافية في شعر ولا في نثر منذ أن عرفت اللغة العربية.
ويقول بعض العلماء بتأثر النحو العربي بمنطق أرسطو، ويدعمون هذا القول بتأثر النحو العربي بالنحو السرياني، وهذا الأخير متأثر بمنطق أرسطو. ويقولون في مكان بارز:" ان بداية التأثر بالمنطق اليوناني هي الفترة التي لقن فيها الخليل النحو، وأملى على تلاميذه بعض الآراء والنظرات في هذا الحقل. " ثم يقرون بصلة تامة بين النحو اليوناني والنحو العربي.
وفي هذا القبيل نورد بعض الأمثلة والاجتهادت، علها تكشف النقاب عن حقيقة هذه القضية المعقدة.
يقول البستاني في "دائرة المعارف": "ان الخليل كان يحسن اليونانية. ودعم هذا القول من قبله الزبيدي حيث قال في كتابه "طبقات النحويين": "ان ملك اليونان كتب الى الخليل كتابا ً باليونانية،فخلا الكتاب شهراً كاملا ً حتى فهمه، فقيل له في ذلك فقال: قلت: انه لا بد له أن يفتح الكتاب ببسم الله، أما اشبهه فبنيت اولى حروفه على ذلك، فاقتاس لي."
اقف هنيهة عند هذه الفقرة، فاعجب كيف ان الخليل قد رأى صعوبة في ترجمة هذه الرسالة، حيث استغرقت قراءتها شهرا ًكاملا ً، بينما استطاع ان ينقل منطق ارسطو من اليونانية الى العربية بسرعة فائقة، وسهولة تامة.
ان قول الزبيدي ينقصه الامانة والتدقيق، وان زعمه يتنافى والواقع العلمي، وان كان في كتب سيبويه ما يدعم هذا القول: "بتاثر الخليل بمنطق اليونان لوجود شبه ظاهر بين تقسيم الكلمة عند ارسطو، وتقسيمها عند سيبويه، ولاعتماد الخليل على القياس "فلان التشابه كثيرا ً ما يكون في صرح الوجود حيث تتوارد الأفكار، وتتشابه النظم والأحكام."
ويزعم البعض الى القول: ان الخليل قد صادق الفرس والسريان، واقتبس منهم ما نقلوه عن منطق ارسطو. أما الواقع التاريخي يكشف لنا النقاب عن هذه الترهات اذ يقول: "صادق الخليل ابن المقفع، وكان هذا الأخير تواقا ً الى الاتصال به ومصاحبته، ولم يكن الخليل أقل رغبة في الاتصال به ومصادقته." ويقول في مكان آخر: "ليس عبد الله ابن المقفع هو الذي ترجم منطق أرسطو كما تزعم بعض الفئات المتهوسة، انما هو ابنه عبد الله" وأقر هذا الرأي "باول كراوس" في كتاب "التراث اليوناني".
وأراد الدكتور أحمد أمين أن يدخل هذا المعترك التاريخي، فساند زميله الدكتور مدكور في محاضرة له ألقاها في مجمع فؤاد الأول للغة العربية عن " منطق أرسطو والنحو العربي" حيث استهلها بالحقائق التاريخية التالية: "ان حنينا ً كان معصرا ً للخليل وصديقا ً له، وقد تعلم العربية في سن متقدمة، وعانى منها ما عانى، ومن اليسير أن نتصور انه قد تبادل فيما تبادل مع الخليل بعض القواعد النحوية".
ان حقائق الدكتور مدكور تتلاقى مع زميله أحمد أمين في كتابه "ضحى الاسلام" الجزء الأول صفحة 292حيث يقول: "ان حنيناً ذهب الى بلاد الروم، وأجاد تعلم اليونانية، ثم عاد الى البصرة ولازم الخليل بن أحمد يأخذعنه العربية" واذا به يناقض أقواله في الكتاب نفسه: "عن ان حنينا ً ولد عام 194 هجرية، وفي الجزء الثاني منه ترجم للخليل قال انه عاش من عام 100 الى 175 هجرية. ولا يعقل أن يكون حنينا ً قد تلمذ على الخليل، وقد توفي هذا الأخير قبل ولادة حنين بتسع عشرة سنة.
من الصعب أن نحكم بتأثر النحو العربيأو نحو الخليل بمنطق أرسطو أو بالنحو السرياني، لأن التاريخ يناقضنفسه، وليس من أدله بينة سواء أكانت في أقوال الزبيدي والقفطي وأحمد امين ومدكور وغيرهم ممن يدعون التدقيق في البحخث التاريخي.
طه حسين واللغة العربية
اجتاحت العالم العربي موجة من جرأة واقدام في قواعد اللغة حيث وضع الدكور طه حسين قواعد على أسس جديدة.
فعمد الى العامل الصوتي حيث يصبح هو القاعدة الأساسية في الكتابة كما طلعت علينا جريدة "الجمهورية المصرية" بالمقال الأول للدكتور طه حسين مكتوبا ً بالاملاء الميسر، ويتخلص بتخلصه:
أولا ً: من الألف المقصورة بكتابة كل ما ينتهي بها بالألف دون استثناء.
ثانيا ً: التخلص من كل حرف لا ينطق به كالألف في كتبوا واكلوا
ثلثاً: اضافة حرف المد الذي لا يكتب عادة مثل: هاذا بدلا ً من هذا.
لست أدري ما الذي دفع طه حسين لهذه الدعوة من اللغة العربية الجديدة، ووضع قاعدات عديدة في الفعل الماضي وحرف الجر والأفعال دون ان يضع باب "اليعربيات" وتعديل الأبواب الآتية على أسس عصرية كما أرادها وتخيلها: كالمبتدأ والخبر ومتفرعاتهما، المفعول فيه ومعه ولأجله والمفعول المطلق، والحال، الصفة المشبهة باسم الفعل، الادغام، الاعلال، نائب الفعل، الاستغاثة والندبة، الاغراء والتحذير، الترخيم واسم الفعل، كاد وكان وان وليس وأخواتهن، لا النافية، اسمي الفعل والمفعول، الصفات والأسماء، الضمائر والمضاف والمضاف اليه.
لن أعقب على كل ما جاء في قواعد طه حسين الجديدة انما اكتفي بالتعقيب على بعض النقاط الأساسية فأقول: لكي نعرف اذا كان الفعل الماضي منتهيا ً بألف طويلة نصيغ منه المضارع فاذا انتهى المضارع بواو تكون ألف الماضي طويلة وفيغير ذلك تكون ألف الماضي مقصورة مثل: علا، يعلو؛مشى، يمشي ؛ جثا ، يجثو ؛ هدى، يهدي.
وكل فعل مضارع ينتهي بألف تكون هذه الألف مقصورة مثل: برى، يتمنى يتبارى، الا اذا كان الحرف الذي يقع قبل اللف ياء ً فتكتب الفا ً طويلة مثل : ينريا ً.
والفرق بين: "على، وعلا" فرق شاسع؛ "على" حرف جر ومعانيها كثيرة والأصل في معناها الاستعلاء حقيقة أو مجازا نحو: صعد على الشجرة وله علي ألف درهم ،وفضلنا بعضهم على بعض.
وتأتي أيضا ً:
1- للظرفية نحو: دخلت المدينة على حين غفلة
2- للتعليل نحو: قصدتك على انك جواد
3- للمصاحبة بمعنى نحو: غفرت له ذنبه على جوره اي مع جوره.
4- بمعنى الباء نحو: سر على اسم الله
5- الاستدراك والاضراب نحو: لا يدخل الجنة لسوء صنيعه
أما "علا" فهي فعل.
كان أولى بعميد الأدب العربي أنيضع قواعد لغوية مبسطة، واذا لا بد من تيسير جديد في نهج اللغة فهنالك تيسير آخر يجب الأخذ به في النحو مثلا ً: كاعراب الأسماء الممنوعة من الصرف. فالى متى تبقى ممنوعة وما الحكم من منعها؟ كما ان هناك بعض مباحث في الصرف كالتصغير والنسبة.
لقد حاول طه حسين تبديد الغيوم الحالكة عن سماء الشرق فهوى من عليائه لأنه لم يكون أفكارا ً واعية ، تهدف الى تغيير الأوضاع الاجتماعية، فقفز الى الدراسات الأدبية، بعد أن كتب السير والقصص الاجتماعية، ووضع كتابه "الأدب الجاهلي" حيث حمل لواء التجديد بين أعلام المفكرين المصريين، ووفق باظهار الحقائق وسرد الوقائع التاريخية، ان كان قد تطرف بنفيه عن ان العصر الجاهلي لم يكن يوما ً بالحقيقة، وظلت فكرته ضمن دائرة التكرار والسرد. وتجده في كتابيه "المتنبي" و"المعري في سجنه" يردد ما قاله السلف دون أن يأتي باجتهادات جديدة، وحجج دامغة تكشف لنا النقاب، عن شاعرية هذين الشاعرين اللذين شغلا الأوساط الأدبية والنقاد بانتاجهما الخير.
وهكذا ظل طه حسين يكتب أكثر من أربعين سنة في الأدب والأدباء، ومع ذلك فلم يتمكن من تكوين فكرة أساسية في النقد الأدبي، حتى انه لم يتمكن طيلة هذه المدة ان يكون لنفسه مذهبا ً أدبيا ً يكافح من أجله، ونهجا ً واضحا ً يهدف الى خير المجتمع وسعادة الانسانية.